حقيقة نسل البشرية من ادام وحواء عن تفسير اهل البيت عليهم السلام
مقدمة كل ما يقال ان البشرية خلقت من نسل ادام وحواء من اخ واخت فهذا باطل
وقد أشاعوا عنه (صلى الله عليه وآله) أنه يقول في الرضا وفي الغضب.. إلى غير ذلك من ترهات وأباطيل ينسجونها للتشكيك، أو فقل: لإبطال أثر النص النبوي الشريف.
فأراد (عليه السلام): أن يجسد للناس عملياً كذبهم فيما يحاولون التسويق له، وخداع الناس به..
3 ـ إنه (عليه السلام) كان ينظر إلى المستقبل، وما يكون بعده نظرة ثاقبة. ويخطط لمعالجة السلبيات التي ستظهر فيه، وكان يحاول صيانة الناس من شائعات أهل الباطل، وحفظ السلامة لهم في دينهم، وفي حياتهم السياسية والإجتماعية..
وهو بذلك يعطي درساً لكل الناس بأن عليهم جميعاً أن يتحملوا مسؤولياتهم في الحياة وبعد الممات. وأن مهماتهم لا تقتصر على معالجة ما يواجهونه في حال حياتهم.. بل عليهم أن يرصدوا الحركة العامة، وتأثيراتها في الحاضر والمستقبل، حتى فيما يلقى إليها من أهل الأهواء والأطماع.
الحسنان يخطبان:
إن الإمام الحسن (عليه السلام) حين تحرَّج في تصديه للخطابة بحضرة والده، لم يكن يخشى من أن يصاب بالإرتباك، والعي لو أنه خطب في حضرته. ولكنه أراد أن يقدم نموذجاً للأدب وللخلق الرفيع الطافح بالتواضع، وبالتعظيم لوالده العظيم. فإنه لا يريد أن يرى نفسه رافعاً صوته فوق صوت والده، ولو لأجل أن يسمع الناس كلامه.
ولأجل ذلك امتثل امر والده، وأرضاه والده باستجابته له، بأن يكون
في موضع يسمع فيه كلامه ولا يريه شخصه.
خطبة الحسنين (عليهما السلام):
وما أروعها من خطب بليغة التزم فيها الحسنان (عليهما السلام) بالأدب مع والدهما، وأديا فيها حقها، ونصحا للأمة حيث وجها الأمة إلى المصدر والمعين الأصفى لمعارفها وعلومها، وهو رسول الله (صلى الله عليه وآله) من خلال علي (عليه السلام)، الذي هو الباب الموصل إلىه دون سواه، بل هو مدينة هدى، فمن دخلها نجا، ومن تخلف عنها غرق.
الفصل الخامس:
امتداد نسل آدم (عليه السلام)..
زواج أبناء آدم (عليه السلام):
وقد ورد في الرواية التي ذكرناها في الفصل السابق: أن ملك المجوس برر ارتكابه جريمة الزنا بابنته: بأن الله تعالى لم يخلق خلقاً أكرم عليه من أبينا آدم، وأمنا حواء، وقد زوج بنيه ببناته، وبناته من بنيه.
فقالوا له: صدقت هذا هو الدين.
وقد وعدنا في ذلك الفصل: أن نفرد لبيان هذا الموضوع فضلاً مستقلاً لبيان ما نعتقد أنه الحق فيه، وقد حان الآن موعد الوفاء بذلك الوعد، فنقول:
بداية توضيحية:
إننا قبل تفصيل القول في هذا المورد نشير إلى ما يلي:
1 ـ إن القول بأن آدم قد زوج بنيه بناته، هو قول المجوس، وإن ذلك من دينهم.
2 ـ إن هذا القول هو مذهب غير الشيعة أيضاً، وهو في رواياتهم.
3 ـ إن بعض علماء الشيعة ـ وهو السيد الطباطبائي (رحمه الله) ـ لم ير بهذا القول بأساً(1).
4 ـ إن كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يدل على قبوله بمقولة المجوس هذه.
أكرم الخلق على الله:
وقد تضمن النص المتقدم ما يدل: على أن ما ذكره (عليه السلام) من قول المجوس لا يعني أنه يعتبره حقاً، ولم يذكره على سبيل الرضا والإلتزام بمضمونه، ففيه: أن ملك المجوس قال لقومه: إن أكرم الخلق على الله هو أبونا آدم، وأمنا حواء.
وهذا غير صحيح، فإن أكرم الخلق على الله هو نبينا محمد (صلى الله عليه وآله)، وعلي، والسيد فاطمة الزهراء، ثم الأئمة، وإبراهيم الخليل، ثم أولوا العزم من الأنبياء (عليهم السلام)، وليس آدم وحواء من هؤلاء.. نعم.. هو من الأنبياء، وأبو البشر.
قبح تزويج الأخوة بالأخوات:
ثم إن تزويج الإخوة بالأخوات مما لا يمكن صدوره عن الله تبارك وتعالى، وتوضيح ذلك:
أن العدلية يرون: أن للحُسن واقعية وقيمة ذاتية في الأفعال، وأن هذه
____________
1- تفسير الميزان ج4 ص144 و 145.
القيمة هي التي تجعل العقل يرجح ذلك الفعل.. كما أن القبح أمر واقعي في الأفعال، وفيه خصوصية سيئة تجعل العقل يرفضه ويأباه.
فالفعل الحسن هو ما ينبغي فعله عند العقلاء، ويستحق فاعله عليه المدح. والقبيح هو ما ينبغي تركه، ويستحق فاعله الذم. أي أن عقل جميع العقلاء يدرك أن هذا ينبغي فعله، وذاك ينبغي تركه.
وهذا الإدراك هو المراد بحكم العقل، بالحسن والقبح.
وهذا ما يصطلح عليه بالعقل العملي، لأن المدرك هو مما ينبغي أن يفعل أو يترك.
أما العقل النظري فهو الذي يتعلق فيما ينبغي أن يعلم، مثل الكل أعظم من الجزء ونحو ذلك.
وإدراك المصلحة والمفسدة، وإدراك الكمال والنقص هو من موارد العقل النظري، لأن هذا مما ينبغي أن يعلم.
أما إدراك أن هذا مما ينبغي فعله، لأنه كمال للنفس، أو لأن فيه مصلحة، فيدخل في دائرة العقل العملي.
والدخول في بيان الأقسام المختلفة والوصول إلى المعايير في ذلك يحتاج إلى بسط في القول وتوسع في البيان. وليس ههنا محله.. فيمكن مراجعة الكتب التي بحثت هذا الموضوع، ولعل أيسرها كتاب أصول الفقه للشيخ محمد رضا المظفر (رحمه الله).
وبملاحظة ما ذكرناه، نقول:
إن من المعلوم: أن الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد الواقعية وليست
مجرد أمور مجعولة تكتسب قيمتها من نفس إنشائها وجعلها. وهذا معناه: أنه لا يمكن أن يكون زواج الأخ بأخته حلالاً، ثم يصير حراماً، لأن المنع فيه إنما هو لخصوصية ومفسدة واقعية هي دعت إلى إلزام الناس بالإبتعاد عنه.
والمصالح والمفاسد قد تكون ظاهرة ومعلومة، وقد تكون مما يحتاج إلى تعليم وكشف، وبيان، فإذا تولى الشارع الكشف عن هذه المصالح والمفاسد، فيدرك العقل القبح والحسن في مجال العمل، من حيث يحكم بأن ما فيه مصلحة واقعية لا بد أن يكون مما ينبغي فعله، وما فيه مفسدة واقعية فهو مما ينبغي تركه.
وحكم الشارع بحرمة زواج الأخ بأخته، حكماً مؤبداً، ومترتباً على الموضوع بعنوانه الأولي. أي من حيث هو أخ وأخت، يكشف عن وجود مفسدة واقعية اقتضت هذا الحكم.. فيأتي العقل العملي ليحسِّن أو ليقبح عمل ما ظهرت مصلحته، أو الإجتناب عما ظهرت مفسدته..
ولعل هذا هو السبب في حكم السبزواري بقبح زواج الأخ بأخته فيما يرتبط بأبناء آدم (عليه السلام).
الصحيح من القول:
والروايات التي بين أيدينا تصب في اتجاهين:
أحدهما: القول: بأن انبثاق النسل كان بتزويج الإخوة بالأخوات.
الآخر: رفض صحة هذا القول بحزم وبشدة.
ونرى: أنه لا بد من رفض بعض الأخبار القليلة جداً التي تحدثت عن
تزويج الإخوة بالأخوات:
أولاً: لأنها موافقة لما يقوله غير أهل البيت وشيعتهم، فاحتمال صدورها على سبيل التقية قوي، ويكفي في التقية أن لا يعرضوا شيعتهم لبعض المتاعب من أولئك الناس.
ثانياً: لأن ما ورد في الأخبار النافية لهذا الأمر من تعليل واستدلال متوافق مع المنطق المعقول والمقبول.
بالإضافة إلى أمور أخرى تسهل على الباحث الركون إليها، والتعويل عليها في الإلتزام بهذا القول.
ماذا عن الروايات؟!:
فمن الروايات التي تؤيد تزويج الإخوة بالأخوات نذكر:
1 ـ روايتهم: أن قابيل قال: لا عشت يا هابيل في الدنيا وقد تقبل قربانك ولم يتقبل قرباني، وتريد أن تأخذ أختي الحسناء وآخذ أختك القبيحة؟!
فقال له هابيل ما حكاه الله، فشدخه بحجر فقتله. روي ذلك عن أبي جعفر ـ أي الطبري ـ وغيره من المفسرين(1).
____________
1- بحار الأنوار ج11 ص219 والتبيان للشيخ الطوسي ج3 ص493 وتفسير مجمع البيان ج3 ص315 والتفسير الصافي ج2 ص28 وتفسير نور الثقلين ج1 ص609.
توضيح هذه الرواية ليست مروية من طرق الشيعة، بل نقلها الطبرسي في مفسري أهل السنة.
2 ـ عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت علي بن الحسين (عليه السلام) يحدث رجلاً من قريش قال: لما تاب الله على آدم، واقع حواء ولم يكن غشيها منذ خلق وخلقت إلا في الأرض، وذلك بعدما تاب الله عليه.
قال: وكان آدم يعظم البيت وما حوله من حرمة البيت، وكان إذا أراد أن يغشى حواء خرج من الحرم وأخرجها معه، فإذا جاز الحرم غشيها في الحل ثم يغتسلان إعظاماً منه للحرم، ثم يرجع إلى فناء البيت.
قال: فولد لآدم من حواء عشرون ولداً ذكراً، وعشرون أنثى، فولد له في كل بطن ذكر وأنثى، فأول بطن ولدت حواء هابيل ومعه جارية يقال لها: إقليما.
قال: وولدت في البطن الثاني، قابيل ومعه جارية يقال لها: لوزا، وكانت لوزا أجمل بنات آدم.
قال: فلما أدركوا خاف عليهم آدم الفتنة، فدعاهم إليه وقال: أريد أن أنكحك يا هابيل لوزا، وأنكحك يا قابيل إقليما.
قال قابيل: ما أرضى بهذا، أتنكحني أخت هابيل القبيحة وتنكح هابيل أختي الجميلة؟!
قال آدم: فأنا أقرع بينكما، فإن خرج سهمك يا قابيل على لوزا، وخرج سهمك يا هابيل على إقليما زوجت كل واحد منكما التي خرج سهمه عليها.
قال: فرضيا بذلك، فاقترعا.
قال: فخرج سهم هابيل على لوزا أخت قابيل، وخرج سهم قابيل على إقليما أخت هابيل.
قال: فزوجهما على ما خرج لهما من عند الله.
قال: ثم حرم الله نكاح الأخوات بعد ذلك.
قال: فقال له القرشي: فأولداهما؟!
قال: نعم.
قال: فقال القرشي: فهذا فعل المجوس اليوم.
قال: فقال علي بن الحسين (عليه السلام): إن المجوس إنما فعلوا ذلك بعد التحريم من الله.
ثم قال علي بن الحسين (عليه السلام): لا تنكر هذا، أليس الله قد خلق زوجة آدم منه ثم أحلها له؟! فكان ذلك شريعة من شرائعهم ، ثم أنزل الله التحريم بعد ذلك(1).
3 ـ ابن عيسى، عن البزنطي قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن الناس كيف تناسلوا من (عن خ) آدم (عليه السلام)؟!
____________
1- بحار الأنوار ج11 ص225 و 226 والإحتجاج (ط دار النعمان) ج2 ص43 ـ 45 والتفسير الصافي ج1 ص418 وتفسير نور الثقلين ج1 ص435 وتفسير كنز الدقائق ج2 ص344 وتفسير الميزان ج4 ص147 وقصص الأنبياء للجزائري ص65.
فقال: حملت حواء هابيل وأختاً له في بطن، ثم حملت في البطن الثاني قابيل وأختاً له في بطن. فزوج هابيل التي مع قابيل وتزوج قابيل التي مع هابيل، ثم حدث التحريم بعد ذلك(1).
وهذه الرواية صحيحة من حيث السند.
قال العلامة المجلسي (رحمه الله): هذان الخبران محمولان على التقية، لاشتهار ذلك بين العامة(2).
روايات الرأي المعتمد:
1 ـ قال اليعقوبي: (وقد روى بعضهم: أن الله عز وجل أنزل لهابيل حوراء من الجنة، فزوجه بها، وأخرج لقابيل جنية، فزوجه بها، فحسد قابيل أخاه على الحوراء، فقال لهما آدم: قربا قرباناً! فقرب هابيل من تين زرعه، وقرب قابيل أفضل كبش في غنمه لله، فقبل الله قربان هابيل، ولم يقبل قربان قابيل، فازداد نفاسة وحسداً، وزين له الشيطان قتل أخيه، فشدخه بالحجارة، حتى قتله(3).
____________
1- بحار الأنوار ج11 ص226 وقرب الإسناد ص366 ومسند الإمام الرضا للعطاردي ج1 ص51 والتفسير الصافي ج1 ص417 وتفسير نور الثقلين ج1 ص433 وتفسير كنز الدقائق ج2 ص343.
2- بحار الأنوار ج11 ص226.
3- تاريخ اليعقوبي (ط النجف) ج1 ص2 و (ط دار صادر) ج1 ص6 و 7.
2 ـ ابن الوليد، عن أحمد بن إدريس ومحمد العطار معاً، عن الأشعري، عن أحمد بن الحسن بن فضال، عن أحمد بن إبراهيم بن عمار، عن ابن نويه، عن زرارة قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام): كيف بدأ النسل من ذرية آدم (عليه السلام)، فإن عندنا أناساً يقولون: إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى آدم (عليه السلام): أن يزوج بناته من بنيه، وأن هذه الخلق كلهم أصله من الإخوة والأخوات.
قال أبو عبد الله (عليه السلام): سبحان الله، وتعالى عن ذلك علواً كبيراً، يقول من يقول هذا: إن الله عز وجل جعل أصل صفوة خلقه، وأحبائه وأنبيائه ورسله، والمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات من حرام، ولم يكن له من القدرة ما يخلقهم من الحلال، وقد أخذ ميثاقهم على الحلال والطهر الطيب؟! والله لقد تبينت أن بعض البهائم تنكرت له أخته، فلما نزا عليها ونزل كشف له عنها، وعلم أنها أخته أخرج غرموله، ثم قبض عليه بأسنانه ثم قلعه، ثم خر ميتاً.
قال زرارة: ثم سئل (عليه السلام) عن خلق حواء، وقيل له: إن أناساً عندنا يقولون: إن الله عز وجل خلق حواء من ضلع آدم الأيسر الأقصى، قال: سبحان الله وتعالى عن ذلك علواً كبيراً! يقول من يقول هذا: إن الله تبارك وتعالى لم يكن له من القدرة ما يخلق لآدم زوجة من غير ضلعه، وجعل لمتكلم من أهل التشنيع سبيلاً إلى الكلام؟! يقول: إن آدم كان ينكح بعضه بعضاً، إذا كانت من ضلعه؟! ما لهؤلاء؟! حكم الله بيننا وبينهم.
ثم قال: إن الله تبارك وتعالى لما خلق آدم من طين أمر الملائكة فسجدوا
له، وألقى عليه السبات، ثم ابتدع له خلقاً، ثم جعلها في موضع النقرة التي بين ركبتيه، وذلك لكي تكون المرأة تبعاً للرجل، فأقبلت تتحرك، فانتبه لتحركها، فلما انتبه نوديت أن تنحي عنه، فلما نظر إليها نظر إلى خلق حسن يشبه صورته غير أنها أنثى، فكلمها فكلمته بلغته، فقال لها: من أنت؟!
فقالت: خلق خلقني الله كما ترى.
فقال آدم عند ذلك: يا رب، من هذا الخلق الحسن الذي قد آنسني قربه والنظر إليه؟!
فقال الله: هذه أمتي حواء(1).
ملاحظة سندية:
يمكن القول بأن هذه الرواية معتبرة من حيث السند، فإن أحمد بن محمد بن يحيى بن عثمان الأشعري وإن كان لم يوثق في الرجال، ولكنه من مشايخ الإجازة، وقد روى عنه الأجلة، مثل محمد بن يحيى العطار، وأحمد بن محمد بن إدريس.
____________
1- علل الشرائع ج1 ص17 و 18 وبحار الأنوار ج11 ص220 و 221 ووسائل الشيعة (آل البيت) ج20 ص365 و 366 و (الإسلامية) ج14 ص277 وجامع أحاديث الشيعة ج20 ص5 و 394 والتفسير الصافي ج1 ص415 وتفسير نور الثقلين ج1 ص430 وتفسير كنز الدقائق ج2 ص340 وقصص الأنبياء للراوندي ص57 و 58 وقصص الأنبياء للجزائري ص61.
وأما أحمد بن إبراهيم، وابن نوبة، فقد وقع في السند قبلها ابن فضال، وقد جاء في خبر معتبر رواه الشيخ الطوسي عن وكيل الناحية المقدسة: أن خذوا ما رووا وذروا ما رأوا(1).
3 ـ أبي، عن محمد بن يحيى العطار، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمد بن أورمة، عن النوفلي، عن علي بن داود اليعقوبي، عن الحسن بن مقاتل، عمن سمع زرارة يقول:
سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن بدء النسل من آدم كيف كان، وعن بدء النسل عن ذرية آدم، فإن أناساً عندنا يقولون: إن الله عز وجل أوحى إلى آدم يزوج بناته ببنيه، وأن هذا الخلق كله أصله من الإخوة والأخوات؟!
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً يقول من قال هذا: بأن الله عز وجل خلق صفوة خلقه وأحبائه وأنبيائه ورسله والمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات من حرام، ولم يكن له من القدرة ما يخلقهم من حلال، وقد أخذ ميثاقهم على الحلال الطهر الطاهر الطيب، فوالله لقد تبينت أن بعض البهائم تنكرت له أخته فلما نزا عليها ونزل كشف له عنها فلما علم أنها أخته أخرج غرموله، ثم قبض عليه بأسنانه حتى قطعه
____________
1- الغيبة للشيخ الطوسي ص389 و 390 والفصول المهمة للحر العاملي ج1 ص593 وجامع أحاديث الشيعة ج1 ص229 وبحار الأنوار ج2 ص252 وج51 ص358 ومستدرك سفينة البحار ج6 ص42 وج7 ص203.
فخر ميتاً، وآخر تنكرت له أمه، ففعل هذا بعينه، فكيف الإنسان في إنسيته وفضله وعلمه، غير أن جيلاً من هذا الخلق الذي ترون رغبوا عن علم أهل بيوتات أنبيائهم، وأخذوا من حيث لم يؤمروا بأخذه، فصاروا إلى ما قد ترون من الضلال والجهل بالعلم، كيف كانت الأشياء الماضية من بدء أن خلق الله ما خلق وما هو كاين أبداً.
ثم قال: ويح هؤلاء، أين هم عما لم يختلف فيه فقهاء أهل الحجاز، ولا فقهاء أهل العراق، إن الله عز وجل أمر القلم فجرى على اللوح المحفوظ بما هو كاين إلى يوم القيامة قبل خلق آدم بألفي عام.
وإن كتب الله كلها فيما جرى فيه القلم في كلها تحريم الأخوات على الإخوة مع ما حرم.
وهذا نحن قد نرى منها هذه الكتب الأربعة المشهورة في هذا العالم: التوراة، والإنجيل، والزبور، والفرقان، أنزلها الله عن اللوح المحفوظ عن رسله صلوات الله عليهم أجمعين، منها: التوراة على موسى (عليه السلام) والزبور على داود (عليه السلام)، والإنجيل على عيسى (عليه السلام)، والقرآن على محمد (صلى الله عليه وآله)، وعلى النبيين (عليهم السلام)، وليس فيها تحليل شيء من ذلك.
حقاً أقول: ما أراد من يقول هذا وشبهه إلا تقوية حجج المجوس، فما لهم قاتلهم الله؟!
ثم أنشأ يحدثنا كيف كان بدء النسل من آدم، وكيف كان بدء النسل من ذرية، فقال: إن آدم (عليه السلام) ولد له سبعون بطناً في كل بطن غلام
وجارية، إلى أن قتل هابيل، فلما قتل قابيل هابيل جزع آدم على هابيل جزعاً قطعه عن إتيان النساء، فبقي لا يستطيع أن يغشى حواء خمسمائة عام، ثم تخلى ما به من الجزع عليه، فغشي حواء، فوهب الله له شيثاً وحده ليس معه ثان، واسم شيث هبة الله، وهو أول من أوصى إليه من الآدميين في الأرض.
ثم ولد له من بعد شيث يافث، ليس معه ثان، فلما أدركا وأراد الله عز وجل أن يبلغ بالنسل ما ترون، وأن يكون ما قد جرى به القلم من تحريم ما حرم الله عز وجل من الأخوات على الإخوة أنزل بعد العصر في يوم الخميس حوراء من الجنة اسمها (نزلة)، فأمر الله عز وجل آدم أن يزوجها من شيث، فزوجها منه، ثم أنزل بعد العصر حوراء من الجنة اسمها (منزلة)، فأمر الله تعالى آدم أن يزوجها من يافث، فزوجها منه، فولد لشيث غلام، وولدت ليافث جارية، فأمر الله عز وجل آدم حين أدركا أن يزوج بنت يافث من ابن شيث، ففعل، فولد الصفوة من النبيين والمرسلين من نسلهما، ومعاذ الله أن يكون ذلك على ما قالوا من الإخوة والأخوات(1).
4 ـ وقد روى الصدوق القسم الأخير من الحديث: عن زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام): أن آدم (عليه السلام) ولد له شيث وأن اسمه هبة الله، وهو أول وصي أوصي إليه من الآدميين في الأرض، ثم ولد له بعد
____________
1- علل الشرائع ج1 ص18 ـ 20 وبحار الأنوار ج11 ص223 و 224 وتفسير نور الثقلين ج1 ص431 و 432 وتفسير كنز الدقائق ج2 ص341 و 342 وقصص الأنبياء للجزائري ص63 و 64.
شيث يافث.. إلى آخر الرواية المتقدمة(1).
ملاحظة: هذه الرواية صحيحة حسب.... وعد الشيخ الصدوق (رحمه الله) في مشيخة من لا يحضره الفقيه.
5 ـ ابن المتوكل، عن الحميري، عن ابن عيسى، عن ابن محبوب، عن مقاتل بن سليمان، عن الصادق (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: أوصى آدم إلى شيث وهو هبة الله ابن آدم، وأوصى شيث إلى ابنه شبان وهو ابن نزلة الحوراء التي أنزلها الله على آدم من الجنة، فزوجها ابنه شيثاً الخ..(2).
6 ـ كتاب المحتضر للحسن بن سليمان نقلاً من كتاب الشفاء والجلاء بإسناده عن معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن آدم أبي البشر: أكان زوج ابنته من ابنه؟!
فقال: معاذ الله، والله لو فعل ذلك آدم (عليه السلام) لما رغب عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وما كان آدم إلا على دين رسول الله (صلى الله عليه وآله).
____________
1- من لا يحضره الفقيه ج3 ص381 وجامع أحاديث الشيعة ج20 ص391.
2- بحار الأنوار ج11 ص225 وج17 ص148 وج33 ص57 والإمامة والتبصرة ص21 والأمالي للصدوق ص486 و 487 وكمال الدين ص211 ومن لا يحضره الفقيه ج4 ص175 والأمالي للشيخ الطوسي ص442 وبشارة المصطفى ص136 وقصص الأنبياء للراوندي ص369 وغاية المرام ج2 ص204.
فقلت: وهذا الخلق من ولد من هم، ولم يكن إلا آدم وحواء؟! لأن الله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً}(1). فأخبرنا: أن هذا الخلق من آدم وحواء (عليهما السلام)، فقال (عليه السلام): صدق الله، وبلغت رسله، وأنا على ذلك من الشاهدين.
فقلت : ففسر لي يا ابن رسول الله.
فقال: إن الله تبارك وتعالى لما أهبط آدم وحواء إلى الأرض وجمع بينهما ولدت حواء بنتاً، فسماها عناقاً، فكانت أول من بغى على وجه الأرض، فسلط الله عليها ذئباً كالفيل ونسراً كالحمار فقتلاها، ثم ولد له أثر عناق قابيل بن آدم، فلما أدرك قابيل ما يدرك الرجل أظهر الله عز وجل جنية من ولد الجان يقال لها: جهانة، في صورة إنسية، فلما رآها قابيل ومقها، فأوحى الله إلى آدم: أن زوج جهانة، من قابيل فزوجها من قابيل، ثم ولد لآدم هابيل، فلما أدرك هابيل ما يدرك الرجل أهبط الله إلى آدم حوراء واسمها: ترك الحوراء، فلما رآها هابيل ومقها فأوحى الله إلى آدم: أن زوج تركاً من هابيل.
ففعل ذلك، فكانت ترك الحوراء زوجة هابيل بن آدم.
إلى أن قال:
وإن هابيل يوم قتل كانت امرأته ترك الحوراء حبلى، فولدت غلاماً، فسماه آدم باسم ابنه هابيل.
____________
1- الآية 1 من سورة النساء.
وإن الله عز وجل وهب لآدم بعد هابيل ابنا فسماه شيثاً، ثم قال : ابني هذا هبة الله.
فلما أدرك شيث ما يدرك الرجل أهبط الله على آدم حوراء يقال لها: ناعمة في صورة إنسية، فلما رآها شيث ومقها، فأوحى الله إلى آدم: أن زوج ناعمة من شيث، ففعل ذلك آدم، فكانت ناعمة الحوراء زوجة شيث، فولدت له جارية، فسماها آدم حورية، فلما أدركت أوحى الله إلى آدم: أن زوج حورية من هابيل بن هابيل، ففعل ذلك آدم، فهذا الخلق الذي ترى من هذا النسل الخ..(1).
7 ـ عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن آدم ولد له أربعة ذكور، فأهبط الله إليهم أربعة من الحور العين، فزوج كل واحد منهم واحدة فتوالدوا، ثم إن الله رفعهن وزوج هؤلاء الأربعة أربعة من الجن، فصار النسل فيهم، فما كان من حلم فمن آدم، وما كان من جمال فمن قبل الحور العين، وما كان من قبح أو سوء خلق فمن الجن(2).
8 ـ عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال لي:
____________
1- بحار الأنوار ج11 ص226 ـ 228 ومستدرك الوسائل ج14 ص361 و 362 وجامع أحاديث الشيعة ج20 ص393 .
2- تفسير العياشي ج1 ص215 وتفسير نور الثقلين ج1 ص433 وتفسير كنز الدقائق ج2 ص344 وبحار الأنوار ج11 ص244 وج60 ص97 وقصص الأنبياء للجزائري ص68.
ما يقول الناس في تزويج آدم ولده؟!
قال: قلت: يقولون: إن حواء كانت تلد لآدم في كل بطن غلاماً وجارية، فتزوج الغلام الجارية التي من البطن الآخر الثاني، وتزوج الجارية الغلام الذي من البطن الآخر الثاني، حتى توالدوا.
فقال أبو جعفر (عليه السلام): ليس هذا كذاك، ولكنه لما ولد آدم هبة الله وكبر سأل الله أن يزوجه، فأنزل الله له حوراء من الجنة، فزوجها إياه، فولد له أربعة بنين، ثم ولد لآدم ابن آخر، فلما كبر أمره فتزوج إلى الجان، فولد له أربع بنات، فتزوج بنو هذا بنات هذا، فما كان من جمال فمن قبل الحوراء، وما كان من حلم فمن قبل آدم، وما كان من خفة فمن قبل الجان.
فلما توالدوا صعدت الحوراء إلى السماء(1).
9 ـ عن سليمان بن خالد قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك، إن الناس يزعمون: أن آدم زوج ابنته من ابنه.
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): قد قال الناس ذلك، ولكن يا سليمان: أما علمت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: لو علمت أن آدم زوج ابنته من ابنه لزوجت زينب من القاسم، وما كنت لأرغب عن دين آدم؟!
فقلت: جعلت فداك، إنهم يزعمون: أن قابيل إنما قتل هابيل لأنهما تغايرا على أختهما.
____________
1- تفسير العياشي ج1 ص216 وبحار الأنوار ج11 ص244 وتفسير نور الثقلين ج1 ص433.
فقال له: يا سليمان تقول هذا؟! أما تستحيي أن تروي هذا على نبي الله آدم؟!
فقلت: جعلت فداك، ففيم قتل قابيل هابيل؟!
فقال: في الوصية.
ثم قال لي: يا سليمان، إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى آدم أن يدفع الوصية واسم الله الأعظم إلى هابيل، وكان قابيل أكبر منه، فبلغ ذلك قابيل فغضب، فقال: أنا أولى بالكرامة والوصية، فأمرهما أن يقربا قرباناً بوحي من الله إليه، ففعلا، فقبل الله قربان هابيل، فحسده قابيل فقتله.
فقلت له: جعلت فداك، فممن تناسل ولد آدم؟!
هل كانت أنثى غير حواء؟! وهل كان ذكر غير آدم؟!
فقال: يا سليمان، إن الله تبارك وتعالى رزق آدم من حواء قابيل، وكان ذكر ولده من بعده هابيل، فلما أدرك قابيل ما يدرك الرجال أظهر الله له جنية وأوحى إلى آدم أن يزوجها قابيل، ففعل ذلك آدم، أدرك ما ورضي بها قابيل وقنع، فلما أدرك هابيل ما يدرك الرجال أظهر الله له حوراء وأوحى الله إلى آدم أن يزوجها من هابيل، ففعل ذلك، فقتل هابيل والحوراء حامل، فولدت حوراء غلاماً، فسماه آدم: هبة الله، فأوحى الله إلى آدم: أن ادفع إليه الوصية واسم الله الأعظم.
وولدت حواء غلاماً، فسماه آدم شيث بن آدم، فلمايدرك الرجال أهبط الله له حوراء وأوحى إلى آدم: أن يزوجها من شيث بن آدم ففعل، فولدت الحوراء جارية فسماها آدم حورة، فلما أدركت الجارية زوج آدم حورة بنت شيث من هبة الله بن هابيل، فنسل آدم منهما، فمات هبة الله
بن هابيل، فأوحى الله إلى آدم: أن ادفع الوصية واسم الله الأعظم وما أظهرتك عليه من علم النبوة، وما علمتك من الأسماء إلى شيث بن آدم، فهذا حديثهم يا سليمان(1).
10 ـ محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن صفوان بن يحيى، عن خالد بن إسماعيل، عن رجل من أصحابنا من أهل الجبل، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ذكرت له المجوس، وأنهم يقولون: نكاح كنكاح ولد آدم، وإنهم يحاجوننا بذلك.
فقال: أما أنتم فلا يحاجونكم به، لمَّا أدرك هبة الله قال آدم: يا رب، زوج هبة الله.
فأهبط الله عز وجل له حوراء، فولدت له أربعة غلمة، ثم رفعها الله.
فلما أدرك ولد هبة الله قال: يا رب، زوج ولد هبة الله.
فأوحى الله عز وجل إليه أن يخطب إلى رجل من الجن ـ وكان مسلماً ـ أربع بنات له على ولد هبة الله، فزوجهن، فما كان من جمال وحلم فمن قبل الحوراء والنبوَّة. وما كان من سفه أو حدة فمن الجن(2).
____________
1- تفسير العياشي ج1 ص312 وتفسير نور الثقلين ج1 ص610 وبحار الأنوار ج11 ص245 و 246.
2- الكافي ج5 ص569 وبحار الأنوار ج60 ص96 وجامع أحاديث الشيعة ج20 ص396 والتفسير الصافي ج1 ص416 وتفسير نور الثقلين ج1 ص434 وتفسير كنز الدقائق ج2 ص342.
11 ـ علي بن حاتم، عن أبي عبد الله بن ثابت، عن عبد الله بن أحمد، عن القاسم بن عروة، عن بريد العجلي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن الله عز وجل أنزل حوراء من الجنة إلى آدم، فزوجها أحد ابنيه، وتزوج الآخر الجن، فولدتا جميعاً، فما كان من الناس من جمال وحسن خلق فهو من الحوراء، وما كان فيهم من سوء الخلق فمن بنت الجان، وأنكر أن يكون زوج بنيه من بناته(1).
تناقضات في الروايات المتقدمة:
يلاحظ مدى التناقض والإختلاف في عدد من العناصر التي تضمنتها تلك الروايات، فلاحظ على سبيل المثال:
ألف: اختلافها في أسماء الحورية، أو الحوريات، أو الجنية، أو الجنيات.
ب: اختلافها في عددهن.
ج: اختلافها في الولد الأكبر: هل هو قابيل؟! أم هابيل؟!
د: اختلافها في شيث وهبة الله، هل هما اسمان لرجل واحد؟! أم لرجلين؟!
ويمكن حل هذا الإشكال بما يلي:
____________
1- علل الشرائع ج1 ص103 وبحار الأنوار ج11 ص236 وج60 ص96 وجامع أحاديث الشيعة ج20 ص392 وتفسير نور الثقلين ج1 ص433 وج5 ص391 وتفسير كنز الدقائق ج2 ص341 ومستدرك الوسائل ج14 ص362 وقصص الأنبياء للجزائري ص67 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص334 .
1 ـ إن هذه المسألة لم تكن موضع تداول بين الناس ليهتم الراوي بحفظها وضبطها، وليحرص على أن لا يقع بالخطأ فيها، فيشنع عليه به الحفاظ الآخرون، بل هي مسألة يندر استحضارها، والتوقف عندها.
2 ـ لم يكن جميع الرواة من أهل الدقة والضبط، وإذا مضى على مسامعهم زمن طويل، فقد تختلط عليهم بعض التفاصيل، ويقع في كلامهم التغيير والتبديل.
3 ـ وقد يشتبه الأمر عليه بسبب ما ذكرناه وغيره، فيحسب اللقب اسماً، أو الاسم لقباً، كما هو الحال في كلمتي: شيث، وهبة الله.
4 ـ وقد يقدم المتأخر، ويؤخر المتقدم، فيقدم هابيل تارة، ويقدم قابيل أخرى.
5 ـ إن تشابه اسمي هابيل وقابيل قد يوقع بعض الناس في الخلط والخطأ، فيزعم راو: أن هابيل هو القاتل، ويكون غيره أكثر دقة، فيقول: بل كان قابيل هو القاتل، وقد ينسب قربان هذا إلى ذاك، وعمل ذاك إلى هذا.
6 ـ وعن النساء اللواتي خلقهن الله من العنصر الذي يتكون منه الجن، أو يتكون منه الحور، إذا تعدد خلق نساء من هذا العنصر أو ذاك، لأجل شيث ويافث، وقابيل، وهابيل الأب، وهابيل الابن، فقد يحصل الخلط بين أسمائهم وأسمائهن. وإذا كان هناك اثنان اسمهما هابيل، فإن إمكانية حصول الغلط والخلط تصير أكبر، كما أن بعض أسماء البنات قد يكون لقباً، وقد يكون اسماً.
7 ـ كما أن الراوي قد يظن أن هبة الله غير شيث، وقد يظنهما اسمين
حقيقيين، وقد.. وقد.
8 ـ وبعد هذا البيان يتضح: أن هذا الإختلاف لا يعني: أن ثمة تعمداً للكذب، كما أنه لا يسقط ما اتفقت عليه الروايات عن الإعتبار إذا كانت الروايات متفقة في سياقها العام، وفي العناصر الأساسية التي سيقت لتأكيدها، وفي القضية المحورية فيها، وهي تأكيد وإثبات أن الإخوة لم يتزوجوا بالأخوات، لأن اختلاف الروايات إنما هو في مجال التطبيق في التقديم والتأخير، وفي الأسماء وفي غير ذلك، فلا بأس بأن تسقط حجيتها فيما اختلفت فيه. وتبقى حجيتها فيما اتفقت عليه.
هل هذا تناقض؟!:
ونقول:
إن الحديث المتقدم برقم 3: إن الله تعالى أنزل بعد العصر في يوم الخميس حوراء من الجنة، اسمها بركة فزوجها من شيث. ثم نزل بعد العصر من الغد حوراء من الجنة اسمها نزلة، فزوجها من يافث، وهذه الرواية السادسة تقول: إن أحد ولدي آدم تزوج بجنية لا بحوراء.
ويجاب:
أولاً: لعل المقصود بالجنية الشبيهة بالجن في سوء أخلاقها، وفي بعض حركاتها غير المنتظمة. وبالحورية الشبيهة بالحورية في الجمال.
ثانياً: إذا كان النسل من قابيل وهابيل، ومن شيث ويافث، فلا منافاة بين الروايتين، لوجود الحوريتين والجنية في سياق النسل، فتصح نسبة النسل إلى الحورية والجنية، وتصح نسبته إلى الحوريتين، وينتفي الإشكال في البين.
وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً:
وقد استدلوا على تزويج الإخوة بالأخوات بقوله تعالى: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً}(1).
حيث دلت الآية: على أن النسل منحصر بآدم وحواء، ولم يشاركهما غيرهما فيه، وإلا لقال: بث منهما، ومن غيرهما.. وهذا الإنحصار يحتم تزويج الإخوة بالأخوات(2).
ونجيب:
بأنه يكفي في صدق مضمون الآية: أن يكون آدم وحواء قد ولدا هابيل وقابيل، وشيثاً، ولا ينظر إلى زوجات هؤلاء، والسبب في ذلك: أنهم حتى إذا تزوجوا بنساء خلقن من عنصر الحور أو الجن، أو أي شيء آخر. ثم ولد لهم أولاد. ثم تزوج أولادهم، فإنه يصح أن يقال: إن الناس قد ولدوا من آدم وحواء، كما يقال فلان من بني تميم، وقلان الآخر منهم أيضاً، فلا ينظر إلى نساء تميم، فلعل تميماً تزوج بعدة نساء، وقد ولدن له أجداد هؤلاء القوم، إذ يكفي أن يكون تميم هو الأب للجميع، وإن كانت الأمهات مختلفات، بحيث تكون كل أم من قبيلة.
____________
1- الآية 1 من سورة النساء.
2- تفسير الميزان ج4 ص144 و 145.
الضرورة تفرض تزويج الإخوة والأخوات:
وذكر العلامة الطباطبائي (رحمه الله) أيضاً: أنه لا مانع من أن يبيح الله تعالى زواج الإخوة بالأخوات، لاستدعاء الضرورة ذلك. ثم يحرمه بعد ذلك لارتفاع الحاجة. ولإيجابه انتشار الفحشاء في المجتمع، لأن الحكم بحرمة زواج الإخوة بالأخوات في الإسلام وكذا في الشرائع السابقة عليه ـ على ما يحكى ـ إنما هو حكم تشريعي يتبع المصالح والمفاسد وليس تكوينياً غير قابل للتغيير.
وزمام التشريع بيد الله سبحانه يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد(1).
ونجيب:
أولاً: إن الحاجة والضرورة غير متصورة في مثل المقام، فإن الله تعالى قادر على أن يدفع الضرورة بخلق نساء للأولاد، حسبما ذكرته الروايات، لأن فعل ذلك لا يوجب وهناً في مقام ألوهيته، ولا طعناً في صفاته، ولا انتقاصاً من مقامه.
ثانياً: من الذي قال: إن إبقاء هذا التشريع سارياً يوجب شيوع الفحشاء؟! وسقوط العفة؟!
ثالثاً: إن الأحكام تابعة، ومنها زواج الإخوة بالأخوات تابعة للمصالح والمفاسد، فإن كان المراد بها: ما كان كامناً في ذات الفعل، فمعنى ذلك: أنه أمر تكويني، فتشريع جواز هذا الزواج لا يلغي المفسدة الكامنة
____________
1- تفسير الميزان ج4 ص145.
فيه؟! فقول الطباطبائي: ليس تكوينياً غير قابل للتغيير(1). في غير محله.
أما إن كانت مفسدة خارجة عن حقيقة ذاته، فمعنى ذلك: أن الحرمة لم تكن لأجل مفسدة واقعية، بل ذلك يدخله فيما يكون المصلحة والمفسدة فيه بالوجوه والإعتبارات.
فإن قلت: لعل المراد: أن التشريع لهذا الزواج كان لأجل الضرورة، فهو كتجويز أكل الميتة عند خوف التلف..
يجاب:
بأن ذلك معناه: إدخال المفاسد على بيوت الأنبياء، وحملهم على الإنغماس في موجباتها، لأجل الحصول على منفعة أخرى لا تعود إليهم، بل ترتبط بغيرهم.. ولا ذنب لهم إلا أن الله تعالى لم يرد أن يحل المشكلة إلا بهذا النحو المؤذي لهم، مع أنه يقدر على ذلك، ولو بأن يخلق للأبناء نساء يمكن تكثير النسل من خلالهن؟!
وإن قلت أيضاً: لعل المراد بالمصالح والمفاسد الواقعية: أن في ذلك المورد اقتضاء المفسدة والمصلحة، كالكذب، الذي يطرأ عليه عنوان يجعله واجباً.
يجاب:
بأنه لو صح هذا لكان لنا أن نتوقع إيجاب أو إباحة الزواج بالأخوات، وبالبنات، وبالأمهات كلما مست الحاجة إلى ذلك، أي حين تطرأ بعض العناوين بسبب تبدل الأحوال والتقلبات.. فلماذا جعله الله تعالى من الحرام
____________
1- تفسير الميزان ج4 ص145.
الموضوع الأصلي: حقيقة نسل البشرية من ادام وحواء عن تفسير اهل البيت عليهم السلام || الكاتب: بشار الربيعي
المزيد من المقاطع بواسطة يوسف الموسوي
مقدمة كل ما يقال ان البشرية خلقت من نسل ادام وحواء من اخ واخت فهذا باطل
وقد أشاعوا عنه (صلى الله عليه وآله) أنه يقول في الرضا وفي الغضب.. إلى غير ذلك من ترهات وأباطيل ينسجونها للتشكيك، أو فقل: لإبطال أثر النص النبوي الشريف.
فأراد (عليه السلام): أن يجسد للناس عملياً كذبهم فيما يحاولون التسويق له، وخداع الناس به..
3 ـ إنه (عليه السلام) كان ينظر إلى المستقبل، وما يكون بعده نظرة ثاقبة. ويخطط لمعالجة السلبيات التي ستظهر فيه، وكان يحاول صيانة الناس من شائعات أهل الباطل، وحفظ السلامة لهم في دينهم، وفي حياتهم السياسية والإجتماعية..
وهو بذلك يعطي درساً لكل الناس بأن عليهم جميعاً أن يتحملوا مسؤولياتهم في الحياة وبعد الممات. وأن مهماتهم لا تقتصر على معالجة ما يواجهونه في حال حياتهم.. بل عليهم أن يرصدوا الحركة العامة، وتأثيراتها في الحاضر والمستقبل، حتى فيما يلقى إليها من أهل الأهواء والأطماع.
الحسنان يخطبان:
إن الإمام الحسن (عليه السلام) حين تحرَّج في تصديه للخطابة بحضرة والده، لم يكن يخشى من أن يصاب بالإرتباك، والعي لو أنه خطب في حضرته. ولكنه أراد أن يقدم نموذجاً للأدب وللخلق الرفيع الطافح بالتواضع، وبالتعظيم لوالده العظيم. فإنه لا يريد أن يرى نفسه رافعاً صوته فوق صوت والده، ولو لأجل أن يسمع الناس كلامه.
ولأجل ذلك امتثل امر والده، وأرضاه والده باستجابته له، بأن يكون
في موضع يسمع فيه كلامه ولا يريه شخصه.
خطبة الحسنين (عليهما السلام):
وما أروعها من خطب بليغة التزم فيها الحسنان (عليهما السلام) بالأدب مع والدهما، وأديا فيها حقها، ونصحا للأمة حيث وجها الأمة إلى المصدر والمعين الأصفى لمعارفها وعلومها، وهو رسول الله (صلى الله عليه وآله) من خلال علي (عليه السلام)، الذي هو الباب الموصل إلىه دون سواه، بل هو مدينة هدى، فمن دخلها نجا، ومن تخلف عنها غرق.
الفصل الخامس:
امتداد نسل آدم (عليه السلام)..
زواج أبناء آدم (عليه السلام):
وقد ورد في الرواية التي ذكرناها في الفصل السابق: أن ملك المجوس برر ارتكابه جريمة الزنا بابنته: بأن الله تعالى لم يخلق خلقاً أكرم عليه من أبينا آدم، وأمنا حواء، وقد زوج بنيه ببناته، وبناته من بنيه.
فقالوا له: صدقت هذا هو الدين.
وقد وعدنا في ذلك الفصل: أن نفرد لبيان هذا الموضوع فضلاً مستقلاً لبيان ما نعتقد أنه الحق فيه، وقد حان الآن موعد الوفاء بذلك الوعد، فنقول:
بداية توضيحية:
إننا قبل تفصيل القول في هذا المورد نشير إلى ما يلي:
1 ـ إن القول بأن آدم قد زوج بنيه بناته، هو قول المجوس، وإن ذلك من دينهم.
2 ـ إن هذا القول هو مذهب غير الشيعة أيضاً، وهو في رواياتهم.
3 ـ إن بعض علماء الشيعة ـ وهو السيد الطباطبائي (رحمه الله) ـ لم ير بهذا القول بأساً(1).
4 ـ إن كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يدل على قبوله بمقولة المجوس هذه.
أكرم الخلق على الله:
وقد تضمن النص المتقدم ما يدل: على أن ما ذكره (عليه السلام) من قول المجوس لا يعني أنه يعتبره حقاً، ولم يذكره على سبيل الرضا والإلتزام بمضمونه، ففيه: أن ملك المجوس قال لقومه: إن أكرم الخلق على الله هو أبونا آدم، وأمنا حواء.
وهذا غير صحيح، فإن أكرم الخلق على الله هو نبينا محمد (صلى الله عليه وآله)، وعلي، والسيد فاطمة الزهراء، ثم الأئمة، وإبراهيم الخليل، ثم أولوا العزم من الأنبياء (عليهم السلام)، وليس آدم وحواء من هؤلاء.. نعم.. هو من الأنبياء، وأبو البشر.
قبح تزويج الأخوة بالأخوات:
ثم إن تزويج الإخوة بالأخوات مما لا يمكن صدوره عن الله تبارك وتعالى، وتوضيح ذلك:
أن العدلية يرون: أن للحُسن واقعية وقيمة ذاتية في الأفعال، وأن هذه
____________
1- تفسير الميزان ج4 ص144 و 145.
القيمة هي التي تجعل العقل يرجح ذلك الفعل.. كما أن القبح أمر واقعي في الأفعال، وفيه خصوصية سيئة تجعل العقل يرفضه ويأباه.
فالفعل الحسن هو ما ينبغي فعله عند العقلاء، ويستحق فاعله عليه المدح. والقبيح هو ما ينبغي تركه، ويستحق فاعله الذم. أي أن عقل جميع العقلاء يدرك أن هذا ينبغي فعله، وذاك ينبغي تركه.
وهذا الإدراك هو المراد بحكم العقل، بالحسن والقبح.
وهذا ما يصطلح عليه بالعقل العملي، لأن المدرك هو مما ينبغي أن يفعل أو يترك.
أما العقل النظري فهو الذي يتعلق فيما ينبغي أن يعلم، مثل الكل أعظم من الجزء ونحو ذلك.
وإدراك المصلحة والمفسدة، وإدراك الكمال والنقص هو من موارد العقل النظري، لأن هذا مما ينبغي أن يعلم.
أما إدراك أن هذا مما ينبغي فعله، لأنه كمال للنفس، أو لأن فيه مصلحة، فيدخل في دائرة العقل العملي.
والدخول في بيان الأقسام المختلفة والوصول إلى المعايير في ذلك يحتاج إلى بسط في القول وتوسع في البيان. وليس ههنا محله.. فيمكن مراجعة الكتب التي بحثت هذا الموضوع، ولعل أيسرها كتاب أصول الفقه للشيخ محمد رضا المظفر (رحمه الله).
وبملاحظة ما ذكرناه، نقول:
إن من المعلوم: أن الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد الواقعية وليست
مجرد أمور مجعولة تكتسب قيمتها من نفس إنشائها وجعلها. وهذا معناه: أنه لا يمكن أن يكون زواج الأخ بأخته حلالاً، ثم يصير حراماً، لأن المنع فيه إنما هو لخصوصية ومفسدة واقعية هي دعت إلى إلزام الناس بالإبتعاد عنه.
والمصالح والمفاسد قد تكون ظاهرة ومعلومة، وقد تكون مما يحتاج إلى تعليم وكشف، وبيان، فإذا تولى الشارع الكشف عن هذه المصالح والمفاسد، فيدرك العقل القبح والحسن في مجال العمل، من حيث يحكم بأن ما فيه مصلحة واقعية لا بد أن يكون مما ينبغي فعله، وما فيه مفسدة واقعية فهو مما ينبغي تركه.
وحكم الشارع بحرمة زواج الأخ بأخته، حكماً مؤبداً، ومترتباً على الموضوع بعنوانه الأولي. أي من حيث هو أخ وأخت، يكشف عن وجود مفسدة واقعية اقتضت هذا الحكم.. فيأتي العقل العملي ليحسِّن أو ليقبح عمل ما ظهرت مصلحته، أو الإجتناب عما ظهرت مفسدته..
ولعل هذا هو السبب في حكم السبزواري بقبح زواج الأخ بأخته فيما يرتبط بأبناء آدم (عليه السلام).
الصحيح من القول:
والروايات التي بين أيدينا تصب في اتجاهين:
أحدهما: القول: بأن انبثاق النسل كان بتزويج الإخوة بالأخوات.
الآخر: رفض صحة هذا القول بحزم وبشدة.
ونرى: أنه لا بد من رفض بعض الأخبار القليلة جداً التي تحدثت عن
تزويج الإخوة بالأخوات:
أولاً: لأنها موافقة لما يقوله غير أهل البيت وشيعتهم، فاحتمال صدورها على سبيل التقية قوي، ويكفي في التقية أن لا يعرضوا شيعتهم لبعض المتاعب من أولئك الناس.
ثانياً: لأن ما ورد في الأخبار النافية لهذا الأمر من تعليل واستدلال متوافق مع المنطق المعقول والمقبول.
بالإضافة إلى أمور أخرى تسهل على الباحث الركون إليها، والتعويل عليها في الإلتزام بهذا القول.
ماذا عن الروايات؟!:
فمن الروايات التي تؤيد تزويج الإخوة بالأخوات نذكر:
1 ـ روايتهم: أن قابيل قال: لا عشت يا هابيل في الدنيا وقد تقبل قربانك ولم يتقبل قرباني، وتريد أن تأخذ أختي الحسناء وآخذ أختك القبيحة؟!
فقال له هابيل ما حكاه الله، فشدخه بحجر فقتله. روي ذلك عن أبي جعفر ـ أي الطبري ـ وغيره من المفسرين(1).
____________
1- بحار الأنوار ج11 ص219 والتبيان للشيخ الطوسي ج3 ص493 وتفسير مجمع البيان ج3 ص315 والتفسير الصافي ج2 ص28 وتفسير نور الثقلين ج1 ص609.
توضيح هذه الرواية ليست مروية من طرق الشيعة، بل نقلها الطبرسي في مفسري أهل السنة.
2 ـ عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت علي بن الحسين (عليه السلام) يحدث رجلاً من قريش قال: لما تاب الله على آدم، واقع حواء ولم يكن غشيها منذ خلق وخلقت إلا في الأرض، وذلك بعدما تاب الله عليه.
قال: وكان آدم يعظم البيت وما حوله من حرمة البيت، وكان إذا أراد أن يغشى حواء خرج من الحرم وأخرجها معه، فإذا جاز الحرم غشيها في الحل ثم يغتسلان إعظاماً منه للحرم، ثم يرجع إلى فناء البيت.
قال: فولد لآدم من حواء عشرون ولداً ذكراً، وعشرون أنثى، فولد له في كل بطن ذكر وأنثى، فأول بطن ولدت حواء هابيل ومعه جارية يقال لها: إقليما.
قال: وولدت في البطن الثاني، قابيل ومعه جارية يقال لها: لوزا، وكانت لوزا أجمل بنات آدم.
قال: فلما أدركوا خاف عليهم آدم الفتنة، فدعاهم إليه وقال: أريد أن أنكحك يا هابيل لوزا، وأنكحك يا قابيل إقليما.
قال قابيل: ما أرضى بهذا، أتنكحني أخت هابيل القبيحة وتنكح هابيل أختي الجميلة؟!
قال آدم: فأنا أقرع بينكما، فإن خرج سهمك يا قابيل على لوزا، وخرج سهمك يا هابيل على إقليما زوجت كل واحد منكما التي خرج سهمه عليها.
قال: فرضيا بذلك، فاقترعا.
قال: فخرج سهم هابيل على لوزا أخت قابيل، وخرج سهم قابيل على إقليما أخت هابيل.
قال: فزوجهما على ما خرج لهما من عند الله.
قال: ثم حرم الله نكاح الأخوات بعد ذلك.
قال: فقال له القرشي: فأولداهما؟!
قال: نعم.
قال: فقال القرشي: فهذا فعل المجوس اليوم.
قال: فقال علي بن الحسين (عليه السلام): إن المجوس إنما فعلوا ذلك بعد التحريم من الله.
ثم قال علي بن الحسين (عليه السلام): لا تنكر هذا، أليس الله قد خلق زوجة آدم منه ثم أحلها له؟! فكان ذلك شريعة من شرائعهم ، ثم أنزل الله التحريم بعد ذلك(1).
3 ـ ابن عيسى، عن البزنطي قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن الناس كيف تناسلوا من (عن خ) آدم (عليه السلام)؟!
____________
1- بحار الأنوار ج11 ص225 و 226 والإحتجاج (ط دار النعمان) ج2 ص43 ـ 45 والتفسير الصافي ج1 ص418 وتفسير نور الثقلين ج1 ص435 وتفسير كنز الدقائق ج2 ص344 وتفسير الميزان ج4 ص147 وقصص الأنبياء للجزائري ص65.
فقال: حملت حواء هابيل وأختاً له في بطن، ثم حملت في البطن الثاني قابيل وأختاً له في بطن. فزوج هابيل التي مع قابيل وتزوج قابيل التي مع هابيل، ثم حدث التحريم بعد ذلك(1).
وهذه الرواية صحيحة من حيث السند.
قال العلامة المجلسي (رحمه الله): هذان الخبران محمولان على التقية، لاشتهار ذلك بين العامة(2).
روايات الرأي المعتمد:
1 ـ قال اليعقوبي: (وقد روى بعضهم: أن الله عز وجل أنزل لهابيل حوراء من الجنة، فزوجه بها، وأخرج لقابيل جنية، فزوجه بها، فحسد قابيل أخاه على الحوراء، فقال لهما آدم: قربا قرباناً! فقرب هابيل من تين زرعه، وقرب قابيل أفضل كبش في غنمه لله، فقبل الله قربان هابيل، ولم يقبل قربان قابيل، فازداد نفاسة وحسداً، وزين له الشيطان قتل أخيه، فشدخه بالحجارة، حتى قتله(3).
____________
1- بحار الأنوار ج11 ص226 وقرب الإسناد ص366 ومسند الإمام الرضا للعطاردي ج1 ص51 والتفسير الصافي ج1 ص417 وتفسير نور الثقلين ج1 ص433 وتفسير كنز الدقائق ج2 ص343.
2- بحار الأنوار ج11 ص226.
3- تاريخ اليعقوبي (ط النجف) ج1 ص2 و (ط دار صادر) ج1 ص6 و 7.
2 ـ ابن الوليد، عن أحمد بن إدريس ومحمد العطار معاً، عن الأشعري، عن أحمد بن الحسن بن فضال، عن أحمد بن إبراهيم بن عمار، عن ابن نويه، عن زرارة قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام): كيف بدأ النسل من ذرية آدم (عليه السلام)، فإن عندنا أناساً يقولون: إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى آدم (عليه السلام): أن يزوج بناته من بنيه، وأن هذه الخلق كلهم أصله من الإخوة والأخوات.
قال أبو عبد الله (عليه السلام): سبحان الله، وتعالى عن ذلك علواً كبيراً، يقول من يقول هذا: إن الله عز وجل جعل أصل صفوة خلقه، وأحبائه وأنبيائه ورسله، والمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات من حرام، ولم يكن له من القدرة ما يخلقهم من الحلال، وقد أخذ ميثاقهم على الحلال والطهر الطيب؟! والله لقد تبينت أن بعض البهائم تنكرت له أخته، فلما نزا عليها ونزل كشف له عنها، وعلم أنها أخته أخرج غرموله، ثم قبض عليه بأسنانه ثم قلعه، ثم خر ميتاً.
قال زرارة: ثم سئل (عليه السلام) عن خلق حواء، وقيل له: إن أناساً عندنا يقولون: إن الله عز وجل خلق حواء من ضلع آدم الأيسر الأقصى، قال: سبحان الله وتعالى عن ذلك علواً كبيراً! يقول من يقول هذا: إن الله تبارك وتعالى لم يكن له من القدرة ما يخلق لآدم زوجة من غير ضلعه، وجعل لمتكلم من أهل التشنيع سبيلاً إلى الكلام؟! يقول: إن آدم كان ينكح بعضه بعضاً، إذا كانت من ضلعه؟! ما لهؤلاء؟! حكم الله بيننا وبينهم.
ثم قال: إن الله تبارك وتعالى لما خلق آدم من طين أمر الملائكة فسجدوا
له، وألقى عليه السبات، ثم ابتدع له خلقاً، ثم جعلها في موضع النقرة التي بين ركبتيه، وذلك لكي تكون المرأة تبعاً للرجل، فأقبلت تتحرك، فانتبه لتحركها، فلما انتبه نوديت أن تنحي عنه، فلما نظر إليها نظر إلى خلق حسن يشبه صورته غير أنها أنثى، فكلمها فكلمته بلغته، فقال لها: من أنت؟!
فقالت: خلق خلقني الله كما ترى.
فقال آدم عند ذلك: يا رب، من هذا الخلق الحسن الذي قد آنسني قربه والنظر إليه؟!
فقال الله: هذه أمتي حواء(1).
ملاحظة سندية:
يمكن القول بأن هذه الرواية معتبرة من حيث السند، فإن أحمد بن محمد بن يحيى بن عثمان الأشعري وإن كان لم يوثق في الرجال، ولكنه من مشايخ الإجازة، وقد روى عنه الأجلة، مثل محمد بن يحيى العطار، وأحمد بن محمد بن إدريس.
____________
1- علل الشرائع ج1 ص17 و 18 وبحار الأنوار ج11 ص220 و 221 ووسائل الشيعة (آل البيت) ج20 ص365 و 366 و (الإسلامية) ج14 ص277 وجامع أحاديث الشيعة ج20 ص5 و 394 والتفسير الصافي ج1 ص415 وتفسير نور الثقلين ج1 ص430 وتفسير كنز الدقائق ج2 ص340 وقصص الأنبياء للراوندي ص57 و 58 وقصص الأنبياء للجزائري ص61.
وأما أحمد بن إبراهيم، وابن نوبة، فقد وقع في السند قبلها ابن فضال، وقد جاء في خبر معتبر رواه الشيخ الطوسي عن وكيل الناحية المقدسة: أن خذوا ما رووا وذروا ما رأوا(1).
3 ـ أبي، عن محمد بن يحيى العطار، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمد بن أورمة، عن النوفلي، عن علي بن داود اليعقوبي، عن الحسن بن مقاتل، عمن سمع زرارة يقول:
سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن بدء النسل من آدم كيف كان، وعن بدء النسل عن ذرية آدم، فإن أناساً عندنا يقولون: إن الله عز وجل أوحى إلى آدم يزوج بناته ببنيه، وأن هذا الخلق كله أصله من الإخوة والأخوات؟!
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً يقول من قال هذا: بأن الله عز وجل خلق صفوة خلقه وأحبائه وأنبيائه ورسله والمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات من حرام، ولم يكن له من القدرة ما يخلقهم من حلال، وقد أخذ ميثاقهم على الحلال الطهر الطاهر الطيب، فوالله لقد تبينت أن بعض البهائم تنكرت له أخته فلما نزا عليها ونزل كشف له عنها فلما علم أنها أخته أخرج غرموله، ثم قبض عليه بأسنانه حتى قطعه
____________
1- الغيبة للشيخ الطوسي ص389 و 390 والفصول المهمة للحر العاملي ج1 ص593 وجامع أحاديث الشيعة ج1 ص229 وبحار الأنوار ج2 ص252 وج51 ص358 ومستدرك سفينة البحار ج6 ص42 وج7 ص203.
فخر ميتاً، وآخر تنكرت له أمه، ففعل هذا بعينه، فكيف الإنسان في إنسيته وفضله وعلمه، غير أن جيلاً من هذا الخلق الذي ترون رغبوا عن علم أهل بيوتات أنبيائهم، وأخذوا من حيث لم يؤمروا بأخذه، فصاروا إلى ما قد ترون من الضلال والجهل بالعلم، كيف كانت الأشياء الماضية من بدء أن خلق الله ما خلق وما هو كاين أبداً.
ثم قال: ويح هؤلاء، أين هم عما لم يختلف فيه فقهاء أهل الحجاز، ولا فقهاء أهل العراق، إن الله عز وجل أمر القلم فجرى على اللوح المحفوظ بما هو كاين إلى يوم القيامة قبل خلق آدم بألفي عام.
وإن كتب الله كلها فيما جرى فيه القلم في كلها تحريم الأخوات على الإخوة مع ما حرم.
وهذا نحن قد نرى منها هذه الكتب الأربعة المشهورة في هذا العالم: التوراة، والإنجيل، والزبور، والفرقان، أنزلها الله عن اللوح المحفوظ عن رسله صلوات الله عليهم أجمعين، منها: التوراة على موسى (عليه السلام) والزبور على داود (عليه السلام)، والإنجيل على عيسى (عليه السلام)، والقرآن على محمد (صلى الله عليه وآله)، وعلى النبيين (عليهم السلام)، وليس فيها تحليل شيء من ذلك.
حقاً أقول: ما أراد من يقول هذا وشبهه إلا تقوية حجج المجوس، فما لهم قاتلهم الله؟!
ثم أنشأ يحدثنا كيف كان بدء النسل من آدم، وكيف كان بدء النسل من ذرية، فقال: إن آدم (عليه السلام) ولد له سبعون بطناً في كل بطن غلام
وجارية، إلى أن قتل هابيل، فلما قتل قابيل هابيل جزع آدم على هابيل جزعاً قطعه عن إتيان النساء، فبقي لا يستطيع أن يغشى حواء خمسمائة عام، ثم تخلى ما به من الجزع عليه، فغشي حواء، فوهب الله له شيثاً وحده ليس معه ثان، واسم شيث هبة الله، وهو أول من أوصى إليه من الآدميين في الأرض.
ثم ولد له من بعد شيث يافث، ليس معه ثان، فلما أدركا وأراد الله عز وجل أن يبلغ بالنسل ما ترون، وأن يكون ما قد جرى به القلم من تحريم ما حرم الله عز وجل من الأخوات على الإخوة أنزل بعد العصر في يوم الخميس حوراء من الجنة اسمها (نزلة)، فأمر الله عز وجل آدم أن يزوجها من شيث، فزوجها منه، ثم أنزل بعد العصر حوراء من الجنة اسمها (منزلة)، فأمر الله تعالى آدم أن يزوجها من يافث، فزوجها منه، فولد لشيث غلام، وولدت ليافث جارية، فأمر الله عز وجل آدم حين أدركا أن يزوج بنت يافث من ابن شيث، ففعل، فولد الصفوة من النبيين والمرسلين من نسلهما، ومعاذ الله أن يكون ذلك على ما قالوا من الإخوة والأخوات(1).
4 ـ وقد روى الصدوق القسم الأخير من الحديث: عن زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام): أن آدم (عليه السلام) ولد له شيث وأن اسمه هبة الله، وهو أول وصي أوصي إليه من الآدميين في الأرض، ثم ولد له بعد
____________
1- علل الشرائع ج1 ص18 ـ 20 وبحار الأنوار ج11 ص223 و 224 وتفسير نور الثقلين ج1 ص431 و 432 وتفسير كنز الدقائق ج2 ص341 و 342 وقصص الأنبياء للجزائري ص63 و 64.
شيث يافث.. إلى آخر الرواية المتقدمة(1).
ملاحظة: هذه الرواية صحيحة حسب.... وعد الشيخ الصدوق (رحمه الله) في مشيخة من لا يحضره الفقيه.
5 ـ ابن المتوكل، عن الحميري، عن ابن عيسى، عن ابن محبوب، عن مقاتل بن سليمان، عن الصادق (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: أوصى آدم إلى شيث وهو هبة الله ابن آدم، وأوصى شيث إلى ابنه شبان وهو ابن نزلة الحوراء التي أنزلها الله على آدم من الجنة، فزوجها ابنه شيثاً الخ..(2).
6 ـ كتاب المحتضر للحسن بن سليمان نقلاً من كتاب الشفاء والجلاء بإسناده عن معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن آدم أبي البشر: أكان زوج ابنته من ابنه؟!
فقال: معاذ الله، والله لو فعل ذلك آدم (عليه السلام) لما رغب عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وما كان آدم إلا على دين رسول الله (صلى الله عليه وآله).
____________
1- من لا يحضره الفقيه ج3 ص381 وجامع أحاديث الشيعة ج20 ص391.
2- بحار الأنوار ج11 ص225 وج17 ص148 وج33 ص57 والإمامة والتبصرة ص21 والأمالي للصدوق ص486 و 487 وكمال الدين ص211 ومن لا يحضره الفقيه ج4 ص175 والأمالي للشيخ الطوسي ص442 وبشارة المصطفى ص136 وقصص الأنبياء للراوندي ص369 وغاية المرام ج2 ص204.
فقلت: وهذا الخلق من ولد من هم، ولم يكن إلا آدم وحواء؟! لأن الله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً}(1). فأخبرنا: أن هذا الخلق من آدم وحواء (عليهما السلام)، فقال (عليه السلام): صدق الله، وبلغت رسله، وأنا على ذلك من الشاهدين.
فقلت : ففسر لي يا ابن رسول الله.
فقال: إن الله تبارك وتعالى لما أهبط آدم وحواء إلى الأرض وجمع بينهما ولدت حواء بنتاً، فسماها عناقاً، فكانت أول من بغى على وجه الأرض، فسلط الله عليها ذئباً كالفيل ونسراً كالحمار فقتلاها، ثم ولد له أثر عناق قابيل بن آدم، فلما أدرك قابيل ما يدرك الرجل أظهر الله عز وجل جنية من ولد الجان يقال لها: جهانة، في صورة إنسية، فلما رآها قابيل ومقها، فأوحى الله إلى آدم: أن زوج جهانة، من قابيل فزوجها من قابيل، ثم ولد لآدم هابيل، فلما أدرك هابيل ما يدرك الرجل أهبط الله إلى آدم حوراء واسمها: ترك الحوراء، فلما رآها هابيل ومقها فأوحى الله إلى آدم: أن زوج تركاً من هابيل.
ففعل ذلك، فكانت ترك الحوراء زوجة هابيل بن آدم.
إلى أن قال:
وإن هابيل يوم قتل كانت امرأته ترك الحوراء حبلى، فولدت غلاماً، فسماه آدم باسم ابنه هابيل.
____________
1- الآية 1 من سورة النساء.
وإن الله عز وجل وهب لآدم بعد هابيل ابنا فسماه شيثاً، ثم قال : ابني هذا هبة الله.
فلما أدرك شيث ما يدرك الرجل أهبط الله على آدم حوراء يقال لها: ناعمة في صورة إنسية، فلما رآها شيث ومقها، فأوحى الله إلى آدم: أن زوج ناعمة من شيث، ففعل ذلك آدم، فكانت ناعمة الحوراء زوجة شيث، فولدت له جارية، فسماها آدم حورية، فلما أدركت أوحى الله إلى آدم: أن زوج حورية من هابيل بن هابيل، ففعل ذلك آدم، فهذا الخلق الذي ترى من هذا النسل الخ..(1).
7 ـ عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن آدم ولد له أربعة ذكور، فأهبط الله إليهم أربعة من الحور العين، فزوج كل واحد منهم واحدة فتوالدوا، ثم إن الله رفعهن وزوج هؤلاء الأربعة أربعة من الجن، فصار النسل فيهم، فما كان من حلم فمن آدم، وما كان من جمال فمن قبل الحور العين، وما كان من قبح أو سوء خلق فمن الجن(2).
8 ـ عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال لي:
____________
1- بحار الأنوار ج11 ص226 ـ 228 ومستدرك الوسائل ج14 ص361 و 362 وجامع أحاديث الشيعة ج20 ص393 .
2- تفسير العياشي ج1 ص215 وتفسير نور الثقلين ج1 ص433 وتفسير كنز الدقائق ج2 ص344 وبحار الأنوار ج11 ص244 وج60 ص97 وقصص الأنبياء للجزائري ص68.
ما يقول الناس في تزويج آدم ولده؟!
قال: قلت: يقولون: إن حواء كانت تلد لآدم في كل بطن غلاماً وجارية، فتزوج الغلام الجارية التي من البطن الآخر الثاني، وتزوج الجارية الغلام الذي من البطن الآخر الثاني، حتى توالدوا.
فقال أبو جعفر (عليه السلام): ليس هذا كذاك، ولكنه لما ولد آدم هبة الله وكبر سأل الله أن يزوجه، فأنزل الله له حوراء من الجنة، فزوجها إياه، فولد له أربعة بنين، ثم ولد لآدم ابن آخر، فلما كبر أمره فتزوج إلى الجان، فولد له أربع بنات، فتزوج بنو هذا بنات هذا، فما كان من جمال فمن قبل الحوراء، وما كان من حلم فمن قبل آدم، وما كان من خفة فمن قبل الجان.
فلما توالدوا صعدت الحوراء إلى السماء(1).
9 ـ عن سليمان بن خالد قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك، إن الناس يزعمون: أن آدم زوج ابنته من ابنه.
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): قد قال الناس ذلك، ولكن يا سليمان: أما علمت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: لو علمت أن آدم زوج ابنته من ابنه لزوجت زينب من القاسم، وما كنت لأرغب عن دين آدم؟!
فقلت: جعلت فداك، إنهم يزعمون: أن قابيل إنما قتل هابيل لأنهما تغايرا على أختهما.
____________
1- تفسير العياشي ج1 ص216 وبحار الأنوار ج11 ص244 وتفسير نور الثقلين ج1 ص433.
فقال له: يا سليمان تقول هذا؟! أما تستحيي أن تروي هذا على نبي الله آدم؟!
فقلت: جعلت فداك، ففيم قتل قابيل هابيل؟!
فقال: في الوصية.
ثم قال لي: يا سليمان، إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى آدم أن يدفع الوصية واسم الله الأعظم إلى هابيل، وكان قابيل أكبر منه، فبلغ ذلك قابيل فغضب، فقال: أنا أولى بالكرامة والوصية، فأمرهما أن يقربا قرباناً بوحي من الله إليه، ففعلا، فقبل الله قربان هابيل، فحسده قابيل فقتله.
فقلت له: جعلت فداك، فممن تناسل ولد آدم؟!
هل كانت أنثى غير حواء؟! وهل كان ذكر غير آدم؟!
فقال: يا سليمان، إن الله تبارك وتعالى رزق آدم من حواء قابيل، وكان ذكر ولده من بعده هابيل، فلما أدرك قابيل ما يدرك الرجال أظهر الله له جنية وأوحى إلى آدم أن يزوجها قابيل، ففعل ذلك آدم، أدرك ما ورضي بها قابيل وقنع، فلما أدرك هابيل ما يدرك الرجال أظهر الله له حوراء وأوحى الله إلى آدم أن يزوجها من هابيل، ففعل ذلك، فقتل هابيل والحوراء حامل، فولدت حوراء غلاماً، فسماه آدم: هبة الله، فأوحى الله إلى آدم: أن ادفع إليه الوصية واسم الله الأعظم.
وولدت حواء غلاماً، فسماه آدم شيث بن آدم، فلمايدرك الرجال أهبط الله له حوراء وأوحى إلى آدم: أن يزوجها من شيث بن آدم ففعل، فولدت الحوراء جارية فسماها آدم حورة، فلما أدركت الجارية زوج آدم حورة بنت شيث من هبة الله بن هابيل، فنسل آدم منهما، فمات هبة الله
بن هابيل، فأوحى الله إلى آدم: أن ادفع الوصية واسم الله الأعظم وما أظهرتك عليه من علم النبوة، وما علمتك من الأسماء إلى شيث بن آدم، فهذا حديثهم يا سليمان(1).
10 ـ محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن صفوان بن يحيى، عن خالد بن إسماعيل، عن رجل من أصحابنا من أهل الجبل، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ذكرت له المجوس، وأنهم يقولون: نكاح كنكاح ولد آدم، وإنهم يحاجوننا بذلك.
فقال: أما أنتم فلا يحاجونكم به، لمَّا أدرك هبة الله قال آدم: يا رب، زوج هبة الله.
فأهبط الله عز وجل له حوراء، فولدت له أربعة غلمة، ثم رفعها الله.
فلما أدرك ولد هبة الله قال: يا رب، زوج ولد هبة الله.
فأوحى الله عز وجل إليه أن يخطب إلى رجل من الجن ـ وكان مسلماً ـ أربع بنات له على ولد هبة الله، فزوجهن، فما كان من جمال وحلم فمن قبل الحوراء والنبوَّة. وما كان من سفه أو حدة فمن الجن(2).
____________
1- تفسير العياشي ج1 ص312 وتفسير نور الثقلين ج1 ص610 وبحار الأنوار ج11 ص245 و 246.
2- الكافي ج5 ص569 وبحار الأنوار ج60 ص96 وجامع أحاديث الشيعة ج20 ص396 والتفسير الصافي ج1 ص416 وتفسير نور الثقلين ج1 ص434 وتفسير كنز الدقائق ج2 ص342.
11 ـ علي بن حاتم، عن أبي عبد الله بن ثابت، عن عبد الله بن أحمد، عن القاسم بن عروة، عن بريد العجلي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن الله عز وجل أنزل حوراء من الجنة إلى آدم، فزوجها أحد ابنيه، وتزوج الآخر الجن، فولدتا جميعاً، فما كان من الناس من جمال وحسن خلق فهو من الحوراء، وما كان فيهم من سوء الخلق فمن بنت الجان، وأنكر أن يكون زوج بنيه من بناته(1).
تناقضات في الروايات المتقدمة:
يلاحظ مدى التناقض والإختلاف في عدد من العناصر التي تضمنتها تلك الروايات، فلاحظ على سبيل المثال:
ألف: اختلافها في أسماء الحورية، أو الحوريات، أو الجنية، أو الجنيات.
ب: اختلافها في عددهن.
ج: اختلافها في الولد الأكبر: هل هو قابيل؟! أم هابيل؟!
د: اختلافها في شيث وهبة الله، هل هما اسمان لرجل واحد؟! أم لرجلين؟!
ويمكن حل هذا الإشكال بما يلي:
____________
1- علل الشرائع ج1 ص103 وبحار الأنوار ج11 ص236 وج60 ص96 وجامع أحاديث الشيعة ج20 ص392 وتفسير نور الثقلين ج1 ص433 وج5 ص391 وتفسير كنز الدقائق ج2 ص341 ومستدرك الوسائل ج14 ص362 وقصص الأنبياء للجزائري ص67 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص334 .
1 ـ إن هذه المسألة لم تكن موضع تداول بين الناس ليهتم الراوي بحفظها وضبطها، وليحرص على أن لا يقع بالخطأ فيها، فيشنع عليه به الحفاظ الآخرون، بل هي مسألة يندر استحضارها، والتوقف عندها.
2 ـ لم يكن جميع الرواة من أهل الدقة والضبط، وإذا مضى على مسامعهم زمن طويل، فقد تختلط عليهم بعض التفاصيل، ويقع في كلامهم التغيير والتبديل.
3 ـ وقد يشتبه الأمر عليه بسبب ما ذكرناه وغيره، فيحسب اللقب اسماً، أو الاسم لقباً، كما هو الحال في كلمتي: شيث، وهبة الله.
4 ـ وقد يقدم المتأخر، ويؤخر المتقدم، فيقدم هابيل تارة، ويقدم قابيل أخرى.
5 ـ إن تشابه اسمي هابيل وقابيل قد يوقع بعض الناس في الخلط والخطأ، فيزعم راو: أن هابيل هو القاتل، ويكون غيره أكثر دقة، فيقول: بل كان قابيل هو القاتل، وقد ينسب قربان هذا إلى ذاك، وعمل ذاك إلى هذا.
6 ـ وعن النساء اللواتي خلقهن الله من العنصر الذي يتكون منه الجن، أو يتكون منه الحور، إذا تعدد خلق نساء من هذا العنصر أو ذاك، لأجل شيث ويافث، وقابيل، وهابيل الأب، وهابيل الابن، فقد يحصل الخلط بين أسمائهم وأسمائهن. وإذا كان هناك اثنان اسمهما هابيل، فإن إمكانية حصول الغلط والخلط تصير أكبر، كما أن بعض أسماء البنات قد يكون لقباً، وقد يكون اسماً.
7 ـ كما أن الراوي قد يظن أن هبة الله غير شيث، وقد يظنهما اسمين
حقيقيين، وقد.. وقد.
8 ـ وبعد هذا البيان يتضح: أن هذا الإختلاف لا يعني: أن ثمة تعمداً للكذب، كما أنه لا يسقط ما اتفقت عليه الروايات عن الإعتبار إذا كانت الروايات متفقة في سياقها العام، وفي العناصر الأساسية التي سيقت لتأكيدها، وفي القضية المحورية فيها، وهي تأكيد وإثبات أن الإخوة لم يتزوجوا بالأخوات، لأن اختلاف الروايات إنما هو في مجال التطبيق في التقديم والتأخير، وفي الأسماء وفي غير ذلك، فلا بأس بأن تسقط حجيتها فيما اختلفت فيه. وتبقى حجيتها فيما اتفقت عليه.
هل هذا تناقض؟!:
ونقول:
إن الحديث المتقدم برقم 3: إن الله تعالى أنزل بعد العصر في يوم الخميس حوراء من الجنة، اسمها بركة فزوجها من شيث. ثم نزل بعد العصر من الغد حوراء من الجنة اسمها نزلة، فزوجها من يافث، وهذه الرواية السادسة تقول: إن أحد ولدي آدم تزوج بجنية لا بحوراء.
ويجاب:
أولاً: لعل المقصود بالجنية الشبيهة بالجن في سوء أخلاقها، وفي بعض حركاتها غير المنتظمة. وبالحورية الشبيهة بالحورية في الجمال.
ثانياً: إذا كان النسل من قابيل وهابيل، ومن شيث ويافث، فلا منافاة بين الروايتين، لوجود الحوريتين والجنية في سياق النسل، فتصح نسبة النسل إلى الحورية والجنية، وتصح نسبته إلى الحوريتين، وينتفي الإشكال في البين.
وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً:
وقد استدلوا على تزويج الإخوة بالأخوات بقوله تعالى: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً}(1).
حيث دلت الآية: على أن النسل منحصر بآدم وحواء، ولم يشاركهما غيرهما فيه، وإلا لقال: بث منهما، ومن غيرهما.. وهذا الإنحصار يحتم تزويج الإخوة بالأخوات(2).
ونجيب:
بأنه يكفي في صدق مضمون الآية: أن يكون آدم وحواء قد ولدا هابيل وقابيل، وشيثاً، ولا ينظر إلى زوجات هؤلاء، والسبب في ذلك: أنهم حتى إذا تزوجوا بنساء خلقن من عنصر الحور أو الجن، أو أي شيء آخر. ثم ولد لهم أولاد. ثم تزوج أولادهم، فإنه يصح أن يقال: إن الناس قد ولدوا من آدم وحواء، كما يقال فلان من بني تميم، وقلان الآخر منهم أيضاً، فلا ينظر إلى نساء تميم، فلعل تميماً تزوج بعدة نساء، وقد ولدن له أجداد هؤلاء القوم، إذ يكفي أن يكون تميم هو الأب للجميع، وإن كانت الأمهات مختلفات، بحيث تكون كل أم من قبيلة.
____________
1- الآية 1 من سورة النساء.
2- تفسير الميزان ج4 ص144 و 145.
الضرورة تفرض تزويج الإخوة والأخوات:
وذكر العلامة الطباطبائي (رحمه الله) أيضاً: أنه لا مانع من أن يبيح الله تعالى زواج الإخوة بالأخوات، لاستدعاء الضرورة ذلك. ثم يحرمه بعد ذلك لارتفاع الحاجة. ولإيجابه انتشار الفحشاء في المجتمع، لأن الحكم بحرمة زواج الإخوة بالأخوات في الإسلام وكذا في الشرائع السابقة عليه ـ على ما يحكى ـ إنما هو حكم تشريعي يتبع المصالح والمفاسد وليس تكوينياً غير قابل للتغيير.
وزمام التشريع بيد الله سبحانه يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد(1).
ونجيب:
أولاً: إن الحاجة والضرورة غير متصورة في مثل المقام، فإن الله تعالى قادر على أن يدفع الضرورة بخلق نساء للأولاد، حسبما ذكرته الروايات، لأن فعل ذلك لا يوجب وهناً في مقام ألوهيته، ولا طعناً في صفاته، ولا انتقاصاً من مقامه.
ثانياً: من الذي قال: إن إبقاء هذا التشريع سارياً يوجب شيوع الفحشاء؟! وسقوط العفة؟!
ثالثاً: إن الأحكام تابعة، ومنها زواج الإخوة بالأخوات تابعة للمصالح والمفاسد، فإن كان المراد بها: ما كان كامناً في ذات الفعل، فمعنى ذلك: أنه أمر تكويني، فتشريع جواز هذا الزواج لا يلغي المفسدة الكامنة
____________
1- تفسير الميزان ج4 ص145.
فيه؟! فقول الطباطبائي: ليس تكوينياً غير قابل للتغيير(1). في غير محله.
أما إن كانت مفسدة خارجة عن حقيقة ذاته، فمعنى ذلك: أن الحرمة لم تكن لأجل مفسدة واقعية، بل ذلك يدخله فيما يكون المصلحة والمفسدة فيه بالوجوه والإعتبارات.
فإن قلت: لعل المراد: أن التشريع لهذا الزواج كان لأجل الضرورة، فهو كتجويز أكل الميتة عند خوف التلف..
يجاب:
بأن ذلك معناه: إدخال المفاسد على بيوت الأنبياء، وحملهم على الإنغماس في موجباتها، لأجل الحصول على منفعة أخرى لا تعود إليهم، بل ترتبط بغيرهم.. ولا ذنب لهم إلا أن الله تعالى لم يرد أن يحل المشكلة إلا بهذا النحو المؤذي لهم، مع أنه يقدر على ذلك، ولو بأن يخلق للأبناء نساء يمكن تكثير النسل من خلالهن؟!
وإن قلت أيضاً: لعل المراد بالمصالح والمفاسد الواقعية: أن في ذلك المورد اقتضاء المفسدة والمصلحة، كالكذب، الذي يطرأ عليه عنوان يجعله واجباً.
يجاب:
بأنه لو صح هذا لكان لنا أن نتوقع إيجاب أو إباحة الزواج بالأخوات، وبالبنات، وبالأمهات كلما مست الحاجة إلى ذلك، أي حين تطرأ بعض العناوين بسبب تبدل الأحوال والتقلبات.. فلماذا جعله الله تعالى من الحرام
____________
1- تفسير الميزان ج4 ص145.
الموضوع الأصلي: حقيقة نسل البشرية من ادام وحواء عن تفسير اهل البيت عليهم السلام || الكاتب: بشار الربيعي