hussen ali
الثالث عشر من جمادى الثانية ذكرى وفاة أم البنين فاطمة بنت حزام عليها السلام
بواسطة hussen ali, 12th April 2014 عند 08:06 PM (906 المشاهدات)
نتقدم بأحرّ التعازي الى مقام الإمام الحجة عجّل الله تعالى فرجه القريب بمن حينما يذكر اسمها تتجلى أمامنا أروع معاني الوفاء . إليك يا أم البدور الأربعة ، اليك يا من ارواحنا فداء لتراب مقدمك ، اليك يا أم ساقي عطاشى كربلاء ، اليك يا أم العطاء ، يا أم الوفاء ، يا أم الإباء ، يا كل الأمومة ، قليل كل ما يمكن ان يقال بحقك سيدتي ، عذرا منك فالقلم عاجز عن كتابة العبارات . عظّم الله أجوركم بوفاة عزيزة الزهراء عليها السلام ...
كثير ما نسمع عن بركات هذه السيدة الجليلة (أم البنين)، فقد خصها الله تعالى أن جعل لها بركات، وشرفها بأن جعل في سفرة أم البنين قضاء للحوائج. حتى يقال أنك إن أضعت شيئا ما وقرأت الفاتحة وهديتها لأم البنين فإنك بإذن الله تعالى تجد ما فقدته ببركة هذه السيدة الفاضلة.
قصة حدثت قبل ولادتها المباركة:
بدأت تُعرف مكانة أم البنين قبل أن تُخلق، أبوها حِزام وهو من قبيلة عربية عريقة تدعى بني كِلاب، كان في يوم من الأيام في سفر، وهو يمشي في الصحراء تعب فجلس ليستريح، فغفا قليلا وإذا به يرى في عالم الرؤيا أنه أيضا في الصحراء يمشي لوحده، وإذ بفارس باهر الجمال يمتطي فرساً أبيضاً قد بهره نور وجهه وعظيم هيبته، كما أنه رأى فجأة تقع في يده جوهرة، فدنا منه الفارس وسلم عليه وسأله عن ثمن الجوهرة التي بين يدي حِزام، فأجابه حزام: لا أعرف وكيف لي أن أقدر ثمنها وأنا لم أشترها. وكانت الجوهرة مشرقة جدا وتلمع بين يدي حِزام وقد أبهره جمالها وإشراقها لمعانها. آنذاك استيقظ حِزام – أبو أم البنين – من نومه وعاد إلى دياره وكان قد ترك زوجته حاملاً بهذه الأثناء. فعندما وصل أخذ يبحث عن معبرٍ لرؤياه حيث أن الرؤيا قد أثرت به واستحوذت على عقله، هنا سأله المعبر بعدما قصَّ عليه الرؤيا: أحامل زوجتك؟ فأجابه: بلى ..قال إذن ترزق بمولودة أنثى يكون لها شأن كبير وبركات كثيرة ويبقى ذكرها لمدى أجيال بعيدة، هنا حِزام فهم ولم يفهم المعنى حيث أنه لم يكن هناك أدوار بارزة لنساء العرب وهذه العظمة في ذلك الوقت، فالنساء اللاتي كانت لهنّ أدوار عظيمة آنذاك هما أم المؤمنين السيدة خديجة عليها السلام والسيدة الزهراء عليها السلام.
رؤيا أم البنين وهي فتاة:
مضت الأيام وجاء اليوم الذي وُلدت فيه فاطمة بنت حِزام الكِلابية، وفي مرحلة بلوغها رأت رؤيا عظيمة جدا. ماذا رأت أم البنين؟ رأت أنها كانت تصلي وتنظر في السماء وإذا بأربعة أقمار تقع من كبد السماء في حضنها، وكان من كثر وهج نور هذه الأقمار لا تستطيع أن تنظر إليها. فعندما أفاقت ذهبت تقص لأمها رؤياها وي مذهولة ومنبهرة مما رأت من رؤيا عظيمة قد سيطر على قلبها، هنا أمها قالت لها: أربعة أقمار تعني أربعة أولاد، أي ستتزوجين وترزقين بأربعة أولاد لأنهم كانوا في حجرك.
أمير المؤمنين علي ابن ابي طالب يتقدم لخطبتها:
وجاء اليوم الذي أراد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه أفضل الصلاة والسلام أن يخطبها، حيث كان قد سأل عقيل – وقد كان عالماً بعلم الأنساب ويعلم نسب كل قبيلة وجذورها – فسأله أن يبحث له عن زوجة قد ولدتها الفحول من العرب، اقتداءً بقول الرسول صلى الله عليه وآله حيث قال: " تخيروا لنطفكم فإن العرق دسّاس"، فاختار له عقيل فاطمة بنت حِزام من بني كِلاب.
ذهب أمير المؤمنين لحِزام وقال له: لديك جوهرة وأنا جئت أشتريها!! وأكمل: إن لديك بنت اسمها فاطمة وأنا أتيت لأني أريد أن أناسبك... هنا الرجل تعجّب ولم يصدّق الخبر من فرحته، فنسب الإمام علي عليه السلام من بني هاشم والتي هي من أعرق القبائل وأشرفها،وهو ابن عم الرسول صلى الله عليه وآله والجميع يعرف آنذاك فضائل الإمام علي عليه السلام وعلمه وقرابته من رسول الله.
هنا استدرك ابو أم البنين تفسير رؤياه عن الجوهرة ورؤية ابنته عن الأقمار الأربعة حيث قالت لها والدتها: من هذا النسب ستدلين أقمارك الأربعة، من نسل الإمام علي عليه السلام وهو تفسير رؤياكِ.
وفاؤها للزهراء عليها السلام وعرفانها لمقامها العظيم:
كانت أم البنين عليها السلام تتمتع بشخصية قوية لا تخلو من الشجاعة والمروءة والكرامة وعزة النفس، فكما تذكر الروايات بأنها سلام الله عليها عزيزة لكن كل هذا الشموخ يتحول إلى خضوع عند أهل البيت عليهم السلام، فهذا التوازن في شخصها كان عجيباً!! كانت متواضعة، مضحية وشديدة الإيثار بل وسمت نفسها خادمة لأهل بيت العصمة والرسالة. فعندما تزوجها الإمام علي عليه السلام وقفت عند باب الدار ولم تدخل الدار، وقالت لا أدخل حتى يأذن لي الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم عليهم السلام ، ويتجلى هذا الأمر في قولها للحسن والحسين وزينب ليلة زفافها من الإمام علي عليه السلام ( أنا ما جئت هنا لأحل محل أمكما فاطمة عليها السلام ) ثم اختنقت بعبرتها وقالت :(أنا هنا خادمة لكم جئت لخدمتكم فهل تقبلون بي ساداتي وإلا فاني راجعة إلى داري ) فرحب بها الحسن والحسين وزينب عليهم السلام وقالوا لها : (أنت عزيزة كريمة وهذا بيتك )كانت روحي فداها تعرف مقام السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام وربّت بنيها حتى على عدم مناداة أولاد الزهراء عليهم السلام بأخي ،إنما دائما ودوما بكلمة مولاي ، سيدي ، إمامي ، مشيرة لهم بأنهم ابناء الزهراء عليها السلام وأئمتهم وأسيادهم ولا يوجد مثيل لأمهم في الدنيا والآخرة . وربتهم حتى على الجلوس بطريقة القرفصاء امامهم عليهم السلام .
نذكر هنا هذه الرواية أنه حينما دخلت أم البنين بيت أهل العصمة والرسالة وهي حديثة الزواج، سألها أمير المؤمنين عليه السلام عن هدية يهديها لها وأنه سيحقق لها ما ستطلب، فطلبت منه أن يغير لها اسمها ولا يناديها باسمها فاطمة! وقالت له: يا أمير المؤمنين كل ما ناديتني باسمي فاطمة نظرت إلى عيني الحسن والحسين وزينب وإذا بها تغرورق بالدموع لأنهم يتذكرون أمهم فاطمة. فكان طلبها أن يغير لها اسمها، فقال لها: تُنجبين أربعة من البدور السواطع فتلقبين بأم البنين. هذه كانت هدية زواجها سلام الله عليها، وصلت لمقام الولاية والولاء لدرجة عالية فهي تفانت بنفسها وشخصيتها وهويتها لأجل ولاية أهل البيت بدرجة عظيمة جدا.
كانت أم البنين زوجة عظيمة حاولت أن تخفف عن الإمام عليه السلام آلامه وهمومه، كما كانت أم عظيمة أيضا ،فكانت تحنو على الحسن والحسين عليهما السلام وتحاول أن تخفف عنهما حزنهما لفقدهما أمهما الزهراء عليها السلام، كما كانت تعامل السيدة زينب عليها السلام معاملة خاصة وتراعيها مراعاة شديدة وغير عادية. وتقول السيدة زينب أنه قبيل استشهاد والدها أمير المؤمنين كانت أم البنين حاضرة آنذاك، فسألته زينب عليها السلام: أبي أخبرني عن حديث أم أيمن؟ أم أيمن زوجة الرسول صلى الله عليه وآله – والرسول صلى الله عليه وآله كان قد أخبر زوجاته بما سيجري على أهل بيته من بعده، وبما سيجري على زينب ع في كربلاء وما ستراه من قتل وأسر وسبي وظلامة، فلما أجاب الإمام علي ابنته زينب قال لها: بلى، هو كما أخبرتك أم أيمن. هنا أم البنين أخذت تبكي السيدة زينب ليلها نهارها لما علمت ما سيجري عليها في عاشوراء.
أم البنين كانت ترى في أولاد الزهراء عليها السلام وديعة عندها، فهي خدمت ثلاثة من المعصومين: أمير المؤمنين علي عليه السلام والحسن والحسين عليهم السلام.
لقد قامت بتربية العباس عليه السلام على حب أخيه الحسين وعشقه، وربته أن يكون فاني للإمام الحسين عليه السلام ولا تكون له هوية في الوجود غير نصرة الحسين عليه السلام.
كما نشأ على حب أخته زينب والتعلق الشديد بها عليها السلام، فعند استشهاد العباس كان كل حديثه مع الإمام الحسين عن زينب، ما انفك يقول أوصيك بزينب،،، أوصيك بالغريبة،،،، عيناه واحدة تنزف دما والأخرى السهم نابت فيها وهو يوصي ويفكر بزينب، يقول له الحسين عليه السلام: أتبكي يا أبا الفضل، قال: والله لا أبكي لنفسي بل أبكي لما سيجري على أختنا زينب.
وكان من وفائها أنّها لمّا دخل بشْر بنُ حذلم إلى المدينة ناعياً سيّد الشهداء الحسين عليه السّلام خرجتْ تسأل عن الحسين عليه السّلام مذهولةً عن أبنائها الأربعة، فلمّا سأل عنها بشْر قيل له: هذه أمّ البنين، فقال لها: عظّم الله لكِ الأجر بولدِك جعفر.. وعون.. وعبدالله، وهي تقول له في كلّ مرة: أخبرْني عن ولدي الحسين، أحيٌّ هو أم لا ؟ فتعجّب بشرٌ منها وهو الذي دخل المدينة ينادي بأهلها ـ كما أمره الإمام زينُ العابدين عليه السّلام ـ :
يا أهلَ يثربَ لا مُقامَ لكم بها
قُتل الحسين، فأدمعي مِدرارُ
الجسمُ منه مضرّجٌ في كربلا
والرأسُ منه على القناةِ يُدارُ
فقال لها: عظّمَ اللهُ لكِ الأجرَ بأبي الفضل العباس، فسقط مِن يدها طفلٌ وكان رضيعاً تحملُه معها، فقالتْ له: قطّعتَ نياطَ قلبي، هل سمعتني سألتُك عن أحد، أخبرْني عن ولدي الحسين، فاضطُرّ بشرٌ هنا لأنْ يقول لها: عظّم اللهُ لكِ الأجر بأبي عبدالله الحُسين. فسقطت مغشيّاً عليها.
وبعد عمرٍ طاهر قضتْه أمُّ البنين عليها السّلام بين عبادةٍ لله « جلّ وعلا » وأحزانٍ طويلةٍ على فقد أولياء الله « سبحانه »، وفجائع مذهلة بشهادة أربعة أولادٍ لها في ساعةٍ واحدة مع حبيب الله الحسين عليه السّلام، وبعد شهادة زوجها أمير المؤمنين عليه السّلام في محرابه.. بعد ذلك كلّه وخدمتها لسيّد الأوصياء وولديه الإمامين سبطَي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسيّدي شباب أهل الجنّة، وخدمتها لعقيلة بني هاشم زينب الكبرى صلوات الله عليها، أقبل الأجَلُ الذي لابُدَّ منه، وحان موعدُ الحِمام النازل على ابن آدم. فكانتْ وفاتُها المؤلمة في الثالث عشر مِن جمادى الآخرة سنة 64 من الهجرة النبوية الشريفة .
فسلامٌ على تلك السيدة الجليلة النجيبة الطاهرة، الوفيّة المخلصة، التي واست الزهراء عليها السّلام في فاجعتها بالحسين عليه السّلام، ونابتْ عنها في إقامة المآتم عليه، فهنيئاً لها ولكلّ من اقتدت بها .