علي جاسم الكعبي
السير والسلوك على نهج الكتاب والعتره .. المحاضره الخامسه
بواسطة علي جاسم الكعبي, 27th March 2014 عند 09:32 PM (391 المشاهدات)
التوبه .....2
قال الله تعالى مخاطبآ رسوله الكريم { ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تاخر } ؟!
واي ذنب اذنبه رسوله الله - صل الله عليه واله - بل انه من مختصات اهل الله الذين يعبدون من يعرفون , وتوبته السعي لبلوغ تلك المرتبه من المعرفه ,
اذن نحن مذنبون لكن كل بحسبه .
واذا كان الذنب موجودآ فياتي الكلام في التوبه :
هناك بعض النقاط لابد من بيانها :
1 - حسن الظن بالله : فلا ينبغي ان يصيبنا الياس والقنوط من رحمة الله سبحانه , فان ( كل ابن آدم خطاء , وخير الخطائين التوابون ) فلا داعي للحياء من الاعتراف بالخطيئه بعد ما ذكرناه من ان معظم الناس مشترك بالذنب , غاية الامر ان الذنوب عند الاشخاص كل بحسبه .
فها هو رسول الله - صل الله عليه واله - وهو المعصوم الاول يقول : ( انه ليغان على قلب واني لاستغفر الله في اليوم سبعين مره ) . ومولانا زين العابدين وسيد الساجدين - عليه السلام - يقول في دعائه : ( هذا مقام من تداولته ايدي الذنوب وقادته ازمة الخطايا واستحوذ عليه الشيطان فقصر عما امرت به تفريطا وتعاطى ما نهيت عنه تعزيرا ) .
ان العاكف على الذنب ولو كان صغيرآ لا استعداد له للسير في هذا السفر الذي يحتاج في اصله ان يكون المسافر فيه مقبولآ لدى مولاه , فان النجاح في هذا الطريق يتوقف على النفحات الالهيه الآخذه بيد العبد , وهي لا تتاتى لمن يتعرض لسخط لمولاه , ومن المعلوم ان الذنب - وان كان صغيرآ - الا ان من اذنبنا بحقه كبير , بما يجعل المعصيه بين يديه سوء ادب عظيم , يوجب الخجل والوجل بعد الالتفات اليه , ومن هنا كان ديدن جميع من سلكوا هذا الطريق هو الاستغفار المتواصل لتجديد العهد بالرب الذي ما عرفناه حق معرفته وما عبدناه حق عبادته , واما استغفار الانبياء والاوصياء - عليهم السلام - فانما هو لاظهار التذلل والتعظيم .
2 - قلع جذور الذنب : لا سبيل الى الوصول الى التوبه الحقيقيه الا بقلع جذور الذنب , وليس ازالته من على ظاهر القلب فقط , لان في الجذور امكانية النمو مره ثانيه , يرون ان احد انبياء بني اسرائيل سال الله تبارك وتعالى قبول توبة عبد من عباده بعد ان اجهد هذا العبد نفسه في العباده لسنين عديده , فأتاه الجواب : ( وعزتي لو شفع فيه اهل السموات والارض لن اقبل توبته ما دامت في قلبه حلاوة الذنب الذي تاب منه ) .
اذن لا بد ان يستقبح الفعل الذي فعله , وان لا يذكره الا وهو يحس بمرارته , ويشج راسه بفاس الندم ليسيل الدم الذي افسده ارتكاب المعصيه على لحيته الادعائيه .
3 - تبديل أرضية النفس : في بعض الحالات لا يكفي قلع جذور الذنب فقط لانه قد يكون السبب هو ارض نفسه مهيأه لنمو ونبات مثل هذه الامراض , خاصه مع احتمالية بذور وبثور صغيره غير ملحوظه في ارض النفس مما يجعلها
تنمو مره اخرى فيقع الانسان في المعاصي , وعلى هذا فمن المهم جدآ تبديل تربة لنفس بتربه جديده حره غير مزروع فيها من قبل ونعني بذلك رجوع لانسان الى فطرته السليمه بحيث تتبدل حقيقته وصورته الملكوتيه من حالها السابقه الى حاله جديده طاهره نقيه ,
وهذا أمر ليس بالسهل ويحتاج الى مقدمات وهي مرتبه :
1 - ان يعلم ويعتقد بانها فاسده وتحتاج الى تبديل .
2 - ان يجعل له شخصآ كاملآ يبدل له تلك التربه فهو لا يستطيع تبديلها من تلقاء نفسه .
3 - ان يوفر البديل وسميه ويعمل على ايجاده وان لا يخطيء في اختياره.
4 - ان يعرف كيفية التبديل باتفاق بينه وبين من سيقوم بتلك العمليه ( المرشد ) وله حق المشوره على ذلك المرشد دون شيء اخر .
وهناك امور يجب عليه معرفتها :
أ - معرفة قبح المعصيه وادراك ان اللذه التي ذاقها ليست بلذه حقيقيه , بل هي من تسويل الشيطان .
ب - ان الدنيا عجوز متزينه , اذ ان واقعها عجوز ولا يرغب احد بالزواج من عجوز , لكنها اخفت حقيقتها بالزخارف والتزين فهي لا تنطلي الا على الغافلين الذين ذهب عقلهم عندما راوا ذؤابتها النتنه .
د - ترك جميع اصحاب السوء الذين كان يرتكب معهم تلك المعاصي لما في ذلك من أثر بليغ .
ولا بد من التنبيه على ان مسالة قلع الذنب من الرأس , لا تلازم رفع القوه الشهويه او الغضبيه وما اليهما اصلآ , بل عليه تهذيب هذه القوى كما امر الشارع المقدس , لا افراط ولا تفريط , وذكر المحقق النراقي في كتابه جامع السعادات : ( ثم المراد من التغيير ليس رفع الغضب والشهوه مثلآ واماطتهما بالكليه فان ذلك محال لانهما مخلوقتان لفائده ضروريه في الجبله . الى اخر كلامه في كتابه جامع السعادات يطلب من هتاك )
4 - ان يعرف بان الله تعالى يغفر الذنب : قال تعالى { ان الله يغفر الذنوب جميعآ } . ما عدا الشرك , وانه تعالى يغطي على العبد وينزع من اذهان الناس انه مذنب , فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له .
ولا بد ان يعلم ان الله حليم ( لا يرتب أثرآ ) وكريم ( لا يدقق في الحساب ) وكما جاء في دعاء الافتتاح ( الحمد لله على حلمه بعد علمه ) وفي دعاء الامام زين العابدين - عليه السلام - ( يا من عفوه أكثر من نقمته ويامن رضاه أوفر من سخطه ويامن تحمد الى خلقه بحسن التجاوز ويا من عود عباده قبول الانابه ويا من استصلح فاسدهم بالتوبه )
5 - معرفة من عصى : لابد ان يدرك من عصى وعلى من اجترأ , نقرأ في دعاء ابي حمزه الثمالي : ( أنا الذي على سيده اجترى , أنا الذي عصيت جبار السماء ) ان الشخص المذنب يعصي جبار السموات والارضين , انه يعص على أرضه مع انه يأكل رزقه ويتنفس هوائه ,
لو يعلم الانسان علم اليقين بان الله سبحانه مطلع على اعماله صغيرها وكبيرها , لا استحى منه ان يفعل معصيه بحضرته من ان يفعل فعلآ قبيحآ بسيطآ امام احد من الناس .
6 - وقوع التوبه في محلها : قال تعالى : { وليست التوبه للذين يعملون السيئات حتى اذا حضر احدهم الموت قال اني تبت الأن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك اعتدنا لهم عذابآ أليملآ } .
التوبه لا تقبل الا اذا صدرت من قلب خالص غير عازم على العوده الى الذنب مره أخرى , فلا يؤخر توبته الى حين كبر سنه , ونهاية عمره , فان التوبه حينئذ يمكن ان ترد لان المقتضى في بعض الذنوب مفقود حينها .
والحمد لله رب العالمين