مقدّمات لتفسير القرآن
متى يعاد النظر بهذا الأصل؟ السنة حاكمة على الكتاب
بواسطة Ammar, 16th September 2011 عند 02:24 AM (595 المشاهدات)
نشر احمد الكاتب على صفحته هذا البحث:
متى يعيد السنة والسلفيون النظر بهذا الأصل؟ السنة حاكمة على الكتاب
وبينما كان أهل الرأي يعتبرون القرآن المصدر الأول والأساس للتشريع في الإسلام، ويرفضون تخصيص عموم القرآن بأخبار الآحاد، كان "أهل الحديث" يضعون أخبار الآحاد في موازاة القرآن أو أعلى منه. وذلك لأنهم نظروا إلى (السنة) باعتبارها نصا مكافئاً للقرآن، من حيث وجوب العمل بكليهما، فهما معا جزءان أو قسمان كلاهما يتمم الآخر، ويجمعهما معا اسم النصوص الموحى بها والتي يرجع إليها أولاً في إثبات أحكام الشريعة. وحسبما يقول الإمام الغزالي في (المستصفى):"إن الكل من عند الله. إن كلام الله واحد وليس بكلامين، أحدهما قرآن والآخر ليس بقرآن. الاختلاف بينهما بالعبارة فقط، فربما عبر الله بكلامه بلفظ منظوم يأمرنا بتلاوته فيسمى قرآناً، وربما عبر بلفظ غير منظوم فيسمى سنة، والكل مسموع من الله، وإن الناسخ هو الله في كل حال". أو كما يقول القاضي عبد الجواد ياسين، فان الفقه السلفي، كان يعتبر السنة في مرتبة القرآن، فكلاهما وحي ألقي في روع النبي (ص) ومن ثم فإذا حدث تعارض ظاهري بين نص سني ونص قرآني، وجب أن تجري عليه القواعد التي يتم بها رفع التعارض بين نصين قرآنيين، حيث لا فرق بين هذين الضربين من التعارض، ومن بين هذه القواعد تخصيص العام أو تقييد المطلق أو حمل الخاص على العام أو حمل المطلق على المقيد. وأن أخبار الآحاد تملك صلاحية تخصيص العام الوارد في القرآن، لأن دلالة العام في القرآن "ظنية" وليست قطعية في دخول أفراد العام جميعا في معنى العموم. وبالتالي فان أخبار الآحاد يمكن أن تخصص عموم القرآن، من منطلق أن الظني يملك صلاحية تخصيص الظني. وذلك على العكس من موقف الإمام أبي حنيفة الذي كان يرى أن عام القرآن قطعي، وأن أخبار الآحاد ظنية، ومن ثم فليس لهذه الأخبار أن تخصص عام القرآن.ولذلك كان يعرض الحديث على أصول القرآن، وقوانين العقل الكلية. ياسين، عبد الجواد، السلطة في الإسلام، ص 209-211
وبلغ التطرف لدى بعض أهل الحديث شأواً بعيداً، بوضعهم أخبار الآحاد في منزلة أعلى من القرآن الكريم، وذلك بقولهم إن السنة حاكمة على القرآن، و إنها تخصص عموم القرآن، ولو كانت أخبار آحاد. في حين لا يعارض القرآن الأحاديث ولا يخصصها. ولذلك رفض الإمام أبو بكر الآجري معارضة الأحاديث بالقرآن، وأنكر ذلك وحذر منه أشد التحذير. واعتبر من يقول به "خارجا عن ملة الإسلام ، وداخلا في ملة الملحدين ". ووضع بابا خاصا في كتابه (الشريعة): هو (باب في التحذير من طوائف تعارض سنن النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب الله عز وجل وشدة الإنكار عليهم ) واستشهد بقول لسعيد بن جبير أنه حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل : إن الله عز وجل قال في كتابه كذا وكذا، فقال : "لا أراك تعارض حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب الله عز وجل ، رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بكتاب الله عز وجل". الآجري، الشريعة ، ص 51.
واشتهر عن يحيى بن كثير قوله:" السنة قاضية على الكتاب، وليس الكتاب قاضٍ على السنة".// رواه الدارمي في سننه ، باب السنة قاضية على كتاب الله، 1/117 وابن عبد البر في : جامع بيان العلم 2/191 ورواه ابن شاهين في شرح مذاهب أهل السنة رقم 49 ص 104 والهروي في ذم الكلام رقم 211 وابن بطة في الإبانة الكبرى، باب ذكر ما جاءت به السنة من طاعة رسول الله، رقم 88 – 89 والحازمي في الاعتبار ، ص 53 والخطيب في الكفاية ، ص 14 وأورده السيوطي في مفتاح الجنة، ص 73 ، وابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث ص 59 //
وقال الإمام البربهاري:"إن القرآن إلى السنة أحوج من السنة إلى القرآن". /البربهاري، شرح السنة، ص 33
وعندما سئل الإمام أحمد بن حنبل عن معنى قول "السنة قاضية على الكتاب" ما تفسيره؟ تردد وقال:" ما أجرؤ على هذا أن أقول، لكن السنة تفسر القرآن، ولا ينسخ القرآن إلا القرآن". ولكن ابنه عبد الله قال : سألت أبي: أتقول في السنة تقضي على كتاب الله؟ قال:قد قال ذلك قوم، منهم مكحول والزهري. قلت لأبي: فما تقول أنت؟ قال: أقول إن السنة تدل على معنى الكتاب. وكان جواب أحمد هذا - في الحقيقة- غامضاً ، ولذلك ترك الباب مفتوحاً أمام أبي عمر بن عبد البر ليفسره بقوله:"يريد أنها تقضي عليه وتبين المراد منه". أي بما ينسجم مع نظرية يحيى بن كثير والتي تحرَّج الإمام أحمد من البوح بها بصراحة. / المروزي، أبو عبد الله محمد بن نصر، السنة ، ص 107
وقد أكد المحدث المعاصر ناصر الدين الألباني، مقولة "السنة حاكمة على كتاب الله" وقال:"يجب اعتبار الكتاب والسنة مصدراً واحداً لا فصل بينهما أبدا". الألباني، منزلة السنة في الإسلام ، ص 21 – 22
وفي الحقيقة عندما يقبل "أهل السنة" بتخصيص عام القرآن وتقييد مطلقه، بأخبار الآحاد، فإنهم إنما يقومون بنسخ الكتاب القطعي الصدور بالأحاديث الظنية. إذ أن "مراد عامة السلف بالناسخ والمنسوخ رفع الحكم بجملته تارة...ورفع دلالة العام والمطلق والظاهر وغيرها تارة، إما بتخصيص أو تقييد أو حمل مطلق على مقيد وتفسيره وتبيينه، حتى إنهم يسمون الاستثناء والشرط والصفة نسخا لتضمن ذلك رفع دلالة الظاهر وبيان المراد فالنسخ عندهم وفي لسانهم هو بيان المراد بغير ذلك اللفظ بل بأمر خارج عنه". كما يقول ابن القيم./ ابن القيم، إعلام الموقعين، ج1 ص 35
وبناء على هذه القاعدة (السنة حاكمة على الكتاب) قال أهل السنة بصحة حديث حذيفة "تسمع وتطيع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع" وقالوا بوجوب طاعة الحاكم الظالم الفاسق، رغم تناقض ذلك مع القرآن الكريم الذي يأمر بالعدل في أكثر من موضع، وينهى عن طاعة الفاسقين والظالمين، حيث خصصوا عموم القرآن بذلك الحديث، واستثنوا الحكام من الأمر بالعدل.
كما قالوا بصحة حديث رضاعة الكبير، وهو الحديث الذي رواه مسلم عن عائشة (رضي الله عنها) : " إنَّ سَالِمًا مَوْلَى أَبِى حُذَيْفَةَ كَانَ مَعَ أَبِى حُذَيْفَةَ وَأَهْلِهِ فِي بَيْتِهِمْ فَأَتَتْ - تَعْنِى ابْنَةَ سُهَيْلٍ - النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ: إِنَّ سَالِمًا قَدْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ وَعَقَلَ مَا عَقَلُوا وَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْنَا وَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّ فِي نَفْسِ أَبِى حُذَيْفَةَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا. فَقَالَ لَهَا النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم:"أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ وَيَذْهَبِ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِى حُذَيْفَةَ. فَرَجَعَتْ فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُهُ فَذَهَبَ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِى حُذَيْفَةَ". وفسره بعضهم بالرضاعة عبر الإناء لأنها لم تكن محرماً له، ولا يجوز أن يمس شيئاً منها ما دام أجنبياً فكيف بالثدي، ولكن تقوم المرأة بوضع الحليب في إناء ثم يشربه على أن يكون خمس رضعات. وقد اختلف أهل السنة فيما إذا كان الحكم بالجواز خاصا لسالم أم عاما لكل المسلمين؟ وأجاز ابن تيمية وابن القيم والألباني، ذلك للحاجة، حتى وإن كانت الرضاعة من الثدي مباشرة، وقال ابن تيمية: إن ذلك رخصة لمن كانت ظروفه مثل سالم. وتبعا لذلك قال الشيخ ناصر بن سليمان العمر: يجوز إذا وجدت الحاجة كما حدث في قصة سهلة وسالم، وهذا هو الراجح، فإذا وجدت العلة وجد الحكم، ولا دليل على الخصوصية.
وأصدر الدكتور عزت عطية، رئيس قسم الحديث بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، بتاريخ 16/5/2007 فتوى بجواز إرضاع المرأة المسلمة لزميلها في العمل، كحل للخلوة المحرمة بينهما، مبيناً أن الإرضاع يكون بالتقام الثدي مباشرة. وليس بشرب حليب المرأة التي سترضعه، في كأس. وقال: إن إرضاع الكبير يضع حلا لمشكلة الخلوة، ولا يحرم النكاح، تبعا لرأي الليث بن سعد، مؤكداً أن المرأة في العمل يمكنها أن تخلع الحجاب أو تكشف شعرها أمام من أرضعته.
ولكن جمهور أهل السنة (بالمصطلح الأعم) وخاصة من أهل الرأي، رفضوا العمل بهذا الحديث، وشككوا بصحته.
هوامش:
- أخرج أبو داود في سننه عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما حديث رضاعة الكبير، وأخرجه الإمام مالك في الموطأ في كتاب الرضاع، من حديث عروة بن الزبير، وعنه الإمام الشافعي في الأم، ولقد رُوي هذا الحديث مختصرًا بحذف بعض ألفاظه، وبسياق دون هذا السياق، فقد أخرجه الإمام البخاري في المغازي وفي النكاح، والإمام مسلم في الرضاع، والنسائي في كتاب النكاح، باب رضاع الكبير، وابن ماجه في النكاح باب رضاع الكبير وهؤلاء ثلاثتهم أخرجوه من حديث القاسم عن عائشة، وأخرج الخبر في إباء (أي رفض) سائر أزواج النبي (ص) فعل ما فعلته عائشة رضي الله عنهن أجمعين، على أن ذلك كان رخصة لسالم وحده ؛ مسلم والنسائي وابن ماجه من حديث زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة