بلخيري حسن
الإطار الفكري
بواسطة بلخيري حسن, 12th February 2014 عند 12:51 AM (302 المشاهدات)
الإطار الفكريمن الممكن ان نقول بأن كل جديد في العلم يقابله المتعلمون و غير المتعلمين من الناس بالهزء. و التاريخ مملؤء بقصص العلماء و المخترعين و المكتشفين الذين قاسوا من الإظطهاد و الحرق و الإستهزاء و التحقير ما قاسوا من جراء ماجاؤا به من جديد في خدمة التطور العلمي و الإجتماعيوهنا ينبغي أن نميز بين المتعلم و المثقففالمتعلم هو من تعلم أمورا لم تخرج عن نطاق الإطار الفكري الذي إعتاد عليه منذ صغره فهو لم يزدد من العلم إلا مازاد في تعصبه وضيق من مجال نظره هو قد آمن برأي من الآراء أو مذهب من المذاهب فأخذ يسعى وراء المعلومات التي تؤيده في رأيه وتحرضه على الكفاح في سبيلهأما المثقف فهو يمتاز بمرونة رأيه و بإستعداد لتلقي كل فكرة جديدة و للتأمل فيها ولتملي وجه الصواب منهاومما يؤسف له، المثقفين قليلون و المتعلمون كثيرون ومتعلمونا قد بلغ غرورهم بما تعلموه مبلغا لا يحسدون عليه وهذا هو السبب الذي جعل أحدهم لا يتحمل رأيا مخالفا لرأيهيقال إن المقياس الذي يقيس به المثقف شخص ما هو مبلغ ما يتحمل هذا الشخص من آراء غيره المخالفة لرأيه فالمثقف الحقيقي يكاد لا يطمئن إلى صحة رأيه ذلك لأن المعيار الذي يزن به صحة الآراء غير ثابت لديه فهو يتغير من وقت لآخر وكثيرا ما وجد نفسه مقتنعا برأي معين في يوم من الأيام ثم لا يكاد يمضي عليه الزمن حتى تضعف قناعته بذلك الرأي وقد تنقلب أحيانا ضده إنقلابا شنيعا.ومن الناس من يسخرون من فكرة في هذا اليوم ثم يقدسونها غدا فإذا سألناهم عن سبب هذا الإنقلاب المفاجئ قالوا (إنهم كانوا يبحثون عن الحقيقة ثم وجدوها أخيرا) و ما يدرينا فلعلهم يتحولون الى غيرها بعد زمن طويل أو قصيرإن الإطار الفكري الذي ينظر الإنسان من خلاله الى الكون مؤلف جزؤه الأكبر من المصطلحات و المألوفات و المفترضلت التي يوحي بها المجتمع إليه ويغرزها في أعماق عقله الباطنو الإنسان إذن متأثر بها من حيث لا يشعر فهو حين ينظر الى ماحوله لا يدرك أن نظرته مقيدة ومحدودة وكل يقينه انه حر في تفكيره وهنا يكمن الخطر فهو لا يكاد يرى أحدا يخالفه في رأيه حتى يثور غاضبا وهو عندما يتعدى على المخالف له برأي لا يعد ذلك شيئا و لاضلما إذ هو يعتقد بأنه يجاهد في سبيل الحقيقة ويكافح ضد الباطل.و أغلب الحروب و الإضطهادات التي شنها البشر بعضهم على بعض في سبيل مذهب من المذاهب الدينية أو السياسية ناتجة عن وجود هذا الإطار للاشعوري على عقل الإنسانو العجب أن بعض الناس ينكرون وجود إطار على عقولهم إنهم بهذا يبرهنون على تعصبهم الشديد (فكلما اشتد اعتقاد إنسان بأنه حر في تفكيره زاد اعتقادي بعبوديته الفكرية)إن كل امرء في الواقع يلون الدنيا بلون ما في نفسه و يقيس الأمور حسب المقاييس التي نشأ عليهاليس من العجب أن يختلف الناس في أذواقهم و ميولهم و لكن العجب بالاحرى أن يتخاصموا من أجل هذا الاختلافو المضحك أن المثاليين يشغلون أنفسهم دائما بالبحث و بالتساؤل عمن فرق هذه الأمة أو شق كيان ذلك الدين وتراهم لذالك في سباب متبادل ومشادة لا حد لها ومادروا أن كل حركة إجتماعية تحوي بذرة إنشقاقها في صميم تكوينها فهي لا تنجح حتى تنقسمإن النجاح يحمل بذرة الفشل في أساس طبيعته ولن ننتظر من دين ينتشر أو حركة تنتصر أن تسير الأمور فيه بعد النصر هونا كما سارت سابقافما دامت هناك فئة تنتفع من هذا النصر فلا بد أن تظهر فئة مقابلة لها تنافسها على هذا الإنتفاع ويدخل العقل البشري في هذه المعمعة سلاحا ماضيا في يد كل حزب وكل حزب بما لديهم فرحونونحن حين ندرس تاريخ الإسلام نرى فيه مصداق هذا الأمر جليا و لعل الإنشقاق قد ظهر في الإسلام أسرع مما ظهر في غيره من الأديان وكأن ذلك نشأ من السرعة الهائلة التي نجحت بها دعوة الاسلام وانتشرت فتوحاته في أقصى الأرض . يقال إن قضية الخلافة كانت المنبع الرئيسي لجميع أنواع الفرق في الاسلام.
وهذا قول له ما يؤيده من الواقعفالخلافة في أول أمرها عندما كانت زهدا وتقوى وخشونة كان الخلاف عليها ضعيفا جدا يكاد لا يشعر به أحد أما حين بدأ الترف يأخذ مأخذه فيها وحفت بها الابهة وشاعت فيها شتى اللذات فقد تحرفت الأنفس نحوها و أخذت العقول تنشئ المذاهب الفكرية و الفرق الدينية في سبيل الظفر بها.يمكن القول بأن النجاح يحمل بذرة فشله معه في القضايا الفردية ايضا فالفرد حين ينجح يتغير بنجاحه إطاره الفكري فهو يأخذ آنذاك بالنظر في الأمور نظرا جديدا يوائم وضعه الجديد