علاء
الفلسفة السياسية من السيد الشهيد إلى السيد مقتدى الصدر
بواسطة علاء, 14th April 2011 عند 01:41 PM (1416 المشاهدات)
باسم الماضي الحسناويّ & د.محمد حسن ساطور
لا شكَّ أنَّ فلسفة السياسة عند السيد الشهيد الصدر هي القاعدة الأيديولوجية الأساسية التي تستند إليها الرؤية الفلسفية السياسية للسيد مقتدى الصدر، فإنَّ العلاقة بين الرؤيتين أو بين الفلسفتين ليست علاقةً من قبيل ما يوجد بين المتغايرات التي توجد بينها بعض نقاط الإشتراك، بل هي علاقة تماهٍ إلى حدِّ أننا نفترض أنَّ السيد الشهيد لو ظلَّ على قيد الحياة إلى الآن لما كان الفضاء العامُّ لفلسفته يشير إلى وجود أيِّ مائزٍ بينه وبين الفضاء الخاصِّ بالفلسفة السياسية التي يعمل بموجبها السيد مقتدى الصدر.
هذا من جهة.
ومن جهةٍ ثانيةٍ، فإنَّ السيد مقتدى الصدر نفسه يعتبر نفسه أميناً على تطبيق الخطوط العامَّة والخاصَّة لفلسفة السيد الشهيد، مع الإلتفات إلى أنَّ للتحدِّيات الجديدة التي تواجه المشروع الصدريَّ ربما فرضت على السيد مقتدى الصدر أن يواجه مسؤولية البتِّ في الكثير من التفصيلات والجزئيات مما لم يواجه السيد الشهيد إبّان حياته، لكنَّ هذا لا يغيِّر شيئاً من معالم الفلسفة الصدرية بطبيعة الحال، فحتى في الشريعة توجد هناك منطقةٌ أطلق عليها السيد محمَّد باقر الصدر اسم منطقة الفراغ التشريعيّ تتيح للفقهاء أن يمارسوا اجتهادهم في تلك المناطق التي لا يوجد في خصوصها نصٌّ تشريعيٌّ واضحٌ، لكنَّ اجتهادهم يستلهم الروح العامَّة للشريعة طبعاً، ولا يمكن أن يأتي مخالفاً لتلك الروح في جميع الأحوال.
وكذلك ها هنا، فإنَّ مناطق الفراغ في المشروع السياسيِّ عند السيد الشهيد الصدر تستدعي من القائد الأمين على مشروعه أن يحمل على عاتقه مسؤولية اتخاذ القرارات التي تملأ هذا الفراغ، مع الحفاظ على الروح العامَّة لفلسفة السيد الشهيد على وجه الإجمال.
سوف يتَّضح في مستقبل الدراسة أنَّ هناك عشرات القرائن التي تشير إلى وجود السنخية الكاملة تقريباً بين الفلسفتين، إلى حدِّ أنهما يؤلِّفان معاً بالفعل فلسفةً واحدةً، وبإمكاننا أن نشير إلى عددٍ من هذه القرائن الواقعية إشارةً سريعةً بحسب ما يقتضيه البحث:
القرينة الأولى: إنَّ السيد مقتدى الصدر هو الوحيد من بين كلِّ التكوينات التي تدَّعي انتسابها إلى السيد الشهيد الذي حمل لواء المقاومة فعلاً، واستمرَّ عليها إلى النهاية، على النقيض تماماً ممن فضَّل مهادنة المحتلّ ومفاوضته، أو أنه سلك سلوكاً يدلُّ على رضاه عن مشروع الإحتلال منذ البدء، أو انحرف عن الخطِّ المرجعيِّ للسيد الشهيد بأن ادَّعى أنه كان أعلم من السيد الشهيد في حياته، في حين أنه لا يمتلك من شؤون الإحاطة بالعلوم الحوزوية أكثر مما هو موجودٌ في رأس أيِّ طالبٍ للمقدِّمات في الحوزة الشريفة، ناهيك عن أنَّ قسماً منهم مدَّ يد العمالة للمحتلِّ بأن صافح الحاكم المدنيَّ بريمر في الصور المتلفزة علانيةً أمام الناس.
القرينة الثانية: إننا اطلعنا على خطب السيد الشهيد الصدر، وقمنا بمقارنتها مقارنةً أسلوبيةً وبنيويةً مع خطب سماحة السيد الشهيد الصدر، فكانت الروح التي تصدر منها المجموعتان النصِّيَّتان متشابهةً إلى حدٍّ عجيب، الأمر الذي يشير إلى أنَّ السيد مقتدى الصدر قد تأثَّر شعورياً ولاشعورياً بالسيد الشهيد، وتشرَّب فلسفته إلى أبعد حدّ، في حين لم نجد مثل هذا الأمر متحقِّقاً من خلال مقارنة أية مجموعةٍ نصِّيَّةٍ أخرى بخطابات السيد الشهيد، خاصَّةً خطاباته في الجمعة على منبر الكوفة.
طبعاً لسنا نبلغ مستوىً من السذاجة بحيث أننا ننزاح إلى المعنى البلاغيِّ الخطابيّ على مستوى تركيب الجمل، فإننا نعلم أنَّ مثل هذا التشابه ليس مهمّاً بحدِّ ذاته، لكنه يصبح مهمّاً جداً عندما ينضمُّ إلى العمق المضمونيِّ الذي يصدر من مشكاةٍ واحدةٍ وهي مشكاة الروح الإسلامية الصادقة عند السيد الشهيد الصدر، فإذا بلغ التشابه إلى هذا الحدِّ كان مهمّاً على صعيد الإشارة إلى وجود السنخية الفلسفية بين خطاب السيد الشهيد وخطاب السيد مقتدى الصدر.
القرينة الثالثة: إنَّ أتباع الخطِّ الصدريّ نفسه اختاروا قيادة السيد مقتدى الصدر، ولم يشذَّ عن هذا الإختيار إلا جماعةٌ قليلةٌ ممن توزَّعتهم القيادات الأخرى، وهم اليوم لا تنطبق عليهم السمة الصدرية في النظر والعمل، بل يكاد المتفحِّص في كتاباتهم وفي قراراتهم لا يتلمَّس الصلة بينهم وبين تراث السيد الشهيد، هذا في حين أنَّ العلاقة بين فكر السيد مقتدى الصدر وفلسفته كلِّها وبين تراث السيد الشهيد ترتقي إلى مستوى التماهي والإلتحام التامّ، وهذه واحدةٌ من أهمِّ القرائن في نظرنا، كونها تتصل بالجانب الأيديولوجيّ والعقديّ أكثر من اتصالها بالجوانب الأخرى التي تعتبر قليلة الأهمية بالقياس إلى الجوانب الأخرى.
***
لعلَّنا لا نجانب الصواب إذا قلنا إنَّ لدى السيد مقتدى الصدر فكراً سياسياً يبلغ درجةً من النضج بحيث أنه استطاع أن يشيِّد معالم فلسفةٍ خاصَّةٍ حول الكيفية التي يجب أن يصاغ طبقاً لها الخطاب السياسيُّ الإسلاميّ في المرحلة الراهنة، لاسيما في هذه الفترة التأريخية العصيبة التي شهدت انفراد القطب الأمريكيّ في حكم العالم بعد انهيار القطب الشريك السابق وهو الإتحاد السوفيتيّ منذ عقدين من الزمن على وجه التقريب.
لسنا معنياً في هذه الحلقات الفكرية التي أنوي كتابتها تباعاً في أن أخوض في السجالات السياسية المرحلية التي تتعلَّق بالتفاصيل والجزئيات التي تحصل بشكلٍ يوميٍّ أو دوريٍّ في العراق، فذلك شأن الصحافة الإستهلاكية على وجه التحديد، ولا يجدر بهذا الأسلوب الصحافيّ الإستهلاكيّ أن يكون هو قطب الرحى بالنسبة إلى الدراسات السياسية التي تتخذ لها المنحى الفكريّ الرصين في الطرح والمعالجة كما هو واضحٌ، ولهذا فإني أرغب بأن أتناول المشروع السياسيَّ للسيد مقتدى الصدر بالدراسة والتحليل، بعيداً عن الخوض في تلك التفاصيل كما نوَّهت، على أن يكون الغوص عميقاً في مفردات الفكر السياسيِّ للسيد مقتدى الصدر هو الغاية الرئيسة لنا من كتابة هذه الحلقات.
طبعا يجب ملاحظة الأمر التالي: وهو أنَّ الفلسفة السياسية لدى السيد مقتدى الصدر لا تنطلق من المسلَّمات والثوابت المعروفة في عالم السياسة اليوم بالضرورة، فإنَّ هناك عدداً كبيراً من هذه المسلَّمات والثوابت التي يؤمن بها السياسيون في عالمنا المعاصر تتقاطع جذرياً مع الفلسفة السياسية التي تستمدُّ رؤاها وتصوُّراتها من الثوابت المعروفة في الإسلام، ولهذا فإنَّ الفلسفة السياسية التي يشيِّد معالمها السيد مقتدى الصدر تمثِّل امتداداً حياً وواقعياً للرؤية الإسلامية العامَّة، مع الأخذ في نظر الإعتبار ضرورة الإنتباه إلى ما يشكِّل المائز الرئيس بين فلسفة السياسة عند السيد مقتدى الصدر وبين كلِّ أنماط الفلسفات السياسية الأخرى، مهما كان اعترافنا قطعياً بأنَّ هناك جامعاً مشتركاً بين كلِّ تلك الفلسفات على أساس استنادها من الناحية التصوُّرية إلى فضاءٍ واحدٍ تدور في أفلاكه ومساراته جميعاً، وهو فضاء الإسلام.
هنا يحقُّ لأيِّ شخصٍ أن يتساءل: إذا كانت معالم الفلسفة السياسية عند السيد مقتدى الصدر فريدةً في طرازها، وهي على الرغم من وجود الجامع المشترك بينها وبين الفلسفات السياسية الأخرى التي تدور معها في فضاء الإسلام، فعلى أيِّ تراثٍ فكريٍّ أو فلسفيٍّ تستند هذه الفلسفة السياسية، فنحن لا نشاهد إلا حراكاً سياسياً يمارسه السيد مقتدى الصدر في الساحة العراقية والإسلامية عموماً، ولا نجده مشغولاً بالتنظير الفلسفيِّ لهذه السياسة، فكيف نوجد الحلَّ لمثل هذا الإشكال؟
ويمكن الإجابة على هذا الإشكال من خلال عدَّة إشاراتٍ:
الإشارة الأولى: لا ملازمة بين وجود المشروع السياسيّ من الناحية النظرية أو الفلسفية وبين ممارسة السيد مقتدى الصدر للتنظير السياسيّ والفلسفيّ بنفسه، إذ من الممكن أن يوجد المشروع السياسيّ بوصفه برامج عمليةً تُنفَّذ على الأرض، أو حراكاً سياسياً يمارس فاعليته من خلال مختلف القنوات، ثمَّ يتحدَّث عنه المنظِّرون والفلاسفة من زاويتهم الخاصَّة التي تتعلَّق بالتنظير والفلسفة، من خلال ترجمة تلك البرامج والخطط العملية والملاحظة العلمية والفلسفية لذلك الحراك السياسيّ على أرض الواقع وتفاعله مع مختلف المعطيات والمفردات التي تجري في الساحة السياسية العالمية، إلى وقائع نظريةٍ أو فلسفيةٍ تصلح لبلورة المشروع السياسيّ من الناحية الأيديولوجية والفكرية، وليس هذا بالشيء المستغرب، بل إنَّ غالبية الجهد النظريّ والفلسفيّ في حقل الفكر السياسيِّ مبتنٍ على أساس هذه الملاحظة لتلك المشاريع السياسية التي جرت في ساحة التأريخ، ولم يكن أصحابها من الذين يعتبرون أنفسهم معنيِّين بإيجاد الوجه النظريِّ والفلسفيِّ لمشاريعهم السياسية تلك، وإلا حكمنا على كلِّ ما كُتِب من المؤلَّفات في مجال الفلسفة السياسية حول نهضة الإسلام الأولى، وحول نهضة الإمام الحسين عليه السلام وكلّ حركات التحرُّر من الإستعمار التي نشأت في العالم قديماً وحديثاً بأنها فاقدةٌ للمغزى السياسيّ الذي يؤهِّلها للنهوض إلى مستوى الحديث الفلسفيِّ عن وجود المشروع السياسيّ، وتلك نتيجةٌ لا أعتقد أنَّ أحداً مستعدٌّ للإلتزام بها إلى النهاية.
الإشارة الثانية: إنَّ هناك تراثاً نظرياً بالفعل، كتبه السيد مقتدى الصدر، وهو على قلَّته يصلح أن يكون بلورةً واقعيةً للمشروع السياسيّ الصدريّ، يتمثَّل في وجود مجموعةٍ كبيرةٍ من خطب الجمعة التي ألقاها سماحته في مسجد الكوفة، مضافاً إلى حواراته العديدة مع وسائل الإعلام، ناهيك عن عددٍ كبيرٍ من اللقاءات المصوَّرة بالنخب الثقافية والسياسية في المناسبات المختلفة، كما أنَّ بعض القرارات المكتوبة التي اتخذها خلال تصاعد الأزمات في المواجهات مع المحتلِّ وغيرها، كلُّ ذلك يؤلِّف حصيلةً جيدةً للإعتماد عليها في استمداد معالم فلسفته السياسية الخاصَّة، شريطة أن يتوفَّر المنظِّرون البارعون الذين يأخذون على عاتقهم إنجاز هذه المهمَّة.
الاشارة الثالثة: إنَّ السيد مقتدى الصدر لا ينطلق من الفراغ في تشييد معالم فلسفته السياسية، ونحن لم نزعم ذلك ألبتة، لأنه يبلور معالم مشروعٍ وضع لبناته الأولى سماحة السيد الشهيد الصدر قدِّس سرُّه، وليس هذا فحسب، بل إنَّ الفلسفة السياسية للسيد الشهيد الصدر الأوَّل هي أيضاً واقعةٌ في السياق المرجعيِّ لفلسفة السيد مقتدى الصدر، ليس على المستوى السياسيِّ فقط، بل على كافَّة المستويات التي يتشكَّل منها معالم المشروع الإصلاحيِّ الصدريِّ على وجه العموم.
وعلى هذا الأساس، فإنَّ كلَّ ما كتبه السيد الشهيد الصدر الأوَّل والسيد الشهيد الصدر الثاني يعتبر إرثاً عقائدياً وسياسياً للمشروع الإصلاحيِّ والسياسيِّ للسيد مقتدى الصدر في المرحلة الراهنة.
ولهذا، فإننا نعتبر أنَّ هذا الإشكال، على الرغم من أنه واردٌ على ألسنة الكثيرين من النخب السياسية والثقافية، مردودٌ على أساس ما أوردناه من الإشارات السالفة، وعلى أساس ما سوف نقوم بإيراده في مستقبل البحث من الحجج الدامغة التي سوف نثبت من خلالها رفعة المشروع الإصلاحيِّ للسيد مقتدى الصدر، لاسيما في حقل السياسة، لأنه الحقل الذي آثرنا أن نخصِّص له هذه المجموعة المختصرة من الأبحاث في هذا الكتاب.
ثمَّة إشكالٌ آخر من الممكن أن يرد على ألسنة الآخرين الذين يشكلون على السيد مقتدى الصدر أنه لا يمتلك قاعدةً شرعيةً في ممارساته السياسية الحالية، إذ لا بدَّ من أن يأخذ إيعازاته في العمل السياسيِّ كلَّها من مرجعيةٍ دينيةٍ معترفٍ بها في الوسط الحوزويّ، وهذا الإشكال نابعٌ من الرغبة في إحراج السيد مقتدى الصدر كما هو واضحٌ، وإلا فإنَّ أغلب القوى السياسية الدينية لا تستطيع أن تزعم أنَّ هناك مرجعيةً حوزويةً محددةً تعود إليها، أو أنها تضفي على أعمالها وتصرُّفاتها الشرعية الواقعية من خلال تبنِّيها، والزعم بأنَّ تلك المجموعات السياسية تترجم رغبة مرجعيةٍ ما على وجه التحديد.
إلا أننا مع ذلك نجيب:
أوَّلاً: إنَّ غالبية الصدريين باقون على تقليد السيد الشهيد الصدر، وليس هناك من مانعٍ شرعيٍّ أو فتوائيٍّ يحول دون ذلك، إذ إنَّ البقاء على تقليد الميت الأعلم فتوى مشهورةٌ بين جمعٍ غفيرٍ من الفقهاء سابقاً والآن، بل إنَّ قسماً من الفقهاء يقول بجواز تقليد الميِّت الأعلم ابتداءً كما يعلم ذوو الإختصاص من الفضلاء.
ثانياً: إنَّ السيد الشهيد نفسه أشار إلى صحَّة تقليد مجتهدٍ ما، والخضوع لقيادة شخصٍ لا يشترط فيه أن يكون مجتهداً، بل أن يكون كفؤاً وأميناً على مبادئ الحوزة الناطقة ومشروعها الإصلاحيِّ الكبير، فعلى هذا الأساس لا يعتبر تسنُّم السيد مقتدى الصدر لمسؤولية القيادة مجانباً لثوابت الحوزة الناطقة، بل هو منسجمٌ معها كلَّ الإنسجام.
ثالثاً: إنَّ المرجعية العليا في النجف لم تعترض على تصدِّي السيد مقتدى الصدر للقيادة، لأنها تعلم أنَّ عمله يحقِّق المطلب الشرعيَّ في الإنسجام مع الحوزة، وعلى هذا الأساس، لو كان للمرجعية العليا اعتراضٌ على ذلك لبيَّنت موقفها بشكلٍ واضحٍ، ولم تكن بحاجةٍ إلى ترجمانٍ لها من خصوم المشروع الصدريّ، فإنَّ للمرجعية ضميراً حياً تجاه القضايا المركزية التي تمسُّ مستقبل الحوزة، ولا يمكن أن تتهاون في شيءٍ خطيرٍ مثل هذا الأمر لو كان مخالفاً لما هو محلُّ الرضا بالنسبة إليها كما هو بيِّن.
رابعاً: نحن لم نشاهد تقاطعاً قد حصل بين السيد مقتدى الصدر والمرجعية الدينية العليا، بل إنَّ السيد مقتدى الصدر وفَّر لها أكبر حصانةٍ ضدَّ التهم التي لا تليق بالمقام المرجعيِّ في التأريخ، فلقد قاوم الإحتلال، ووفَّر الحماية للشعب العراقيِّ من الإرهابيين والتكفيريين، لا سيما في الظروف التي شهدت فقدان الحكومة المركزية، ناهيك عن دوره التأريخيّ في حماية الإسلام نفسه من أن تمحقه الأيديولوجيا الليبرالية الأمريكية الإباحية، ومن الطبيعيّ أن لا يكون كلامي موجَّهاً إلى الراغبين بهذا المسعى الأمريكيّ أن يتحقَّق في هذا المقام.
عموماً، إنَّ المشروع الصدريَّ الذي يتجسَّد اليوم بقيادة السيد مقتدى الصدر في العراق لا يحتاج إلى إمضاءٍ من أحدٍ، لأنه مشروعٌ عقائديٌّ أثبت الكثير من النتائج الإيجابية على المستوى الوطنيِّ والدينيّ، ولم يعد ممكناً الإلتفاف عليه بمثل هذه الإشكالات، فمهما تفنَّن الوهم أو الخيال في ابتداع إشكالاتٍ من هذا القبيل، فإنَّ الواقع يأتي ليفنِّدها من خلال المعطيات التي سوف يسجِّلها التأريخ لصالح السيد مقتدى الصدر، أسوةً بكلِّ المصلحين الكبار الذين قادوا مشاريع دينيةً ووطنيةً غيَّرت وجه التأريخ في العالم.
من هنا، فإننا نتوقَّع أن تكون أبحاثنا التي نقوم بكتابتها بجهدٍ مشتركٍ، فاتحة خيرٍ لدراساتٍ مستقبليةٍ جادَّةٍ ورصينةٍ في مجال التأصيل للفكر السياسيّ الصدريّ، لأنَّ هذا الجانب بالذات بقي مغيَّباً، أو قل إنه لم يأخذ حقَّه اللازم من جهود الباحثين حتى الآن، ربما لأنَّ متابعة المجريات السياسية اليومية من شأنها أن تحول دون الإبحار في البنى العميقة التي يتكوَّن منها المشروع السياسيُّ الصدريّ، وهذا ما يجعل الدعوة إلى تأسيس مركز أبحاثٍ يُعنى بالتأصيل للفلسفة السياسية في نطاق الإسلام عموماً، وفي الدائرة الصدرية على وجه الخصوص ضرورةً ملحَّةً في رأينا، نتمنّى من الأخوة السياسيين في التيار الصدريِّ منحها الإهتمام اللائق بها، كونها تمثِّل خطوةً جادَّةً إلى الأمام في طريق منهجة الفكر الإسلاميّ الحركيّ في مختلف المجالات، وجعله قادراً بالفعل على الإستجابة الفاعلة لمتطلَّبات العصر، لاسيما في حقل الفكر السياسيّ، الذي هو واحدٌ من أخطر التحدِّيات على مستوى الصراع بين الإسلام وقوى الإستكبار العالميّ في العصر الحديث