محمد كليب أحمد
الكفيف اليمني القادم من الكويت (مقالة متواضعة تم نشرها في الصحف اليمنية )
بواسطة محمد كليب أحمد, 16th October 2013 عند 10:12 AM (457 المشاهدات)
الكفيف القادم من الكويت
هذا الشاب الشائب قبل أوانه ، فاقد البصر قوي البصيرة ، مرحٌ متفاءل ، طيب المعشر والحديث ،أجبرته ظروف حرب الخليج على مغادرة الكويت التي استضافته طفلاً وخرج منها شاباً في ريعان شبابه ، تملأ الحيوية أوردته وشرايينه ، ويتسعُ فكره المتـَّقـِد لمزيدٍ من المعرفة وشغف الإطلاع والتعلم ...
لم يرضَ بالمكوث هكذا ينتظر المجهول ، فألتحقَ بكليةِ الحقوق جامعة عدن لمواصلة دراسته باحثاً عن مفتاح النجاح لحياةٍ كريمة في وسطِ هذا اللجّ المظلم من الظروف التي تحاصره من كل جانب ، وإثر ذلك حاول جاهداً البحت عن عملٍ يقتاتُ منه ... أي عمل ، دون فائدة ، فقد أُغلقـَتْ الأبواب أمامه ....
الجهات الحكومية الرسمية ألقتْ أوراقه في آبار الانتظار الجافة ودهاليز أدراج مكاتب المبصرين فاقدو البصيرة والرحمة ، المؤسسات والجمعيات الاجتماعية والخيرية هي أيضا ساهمتْ في المزيد من إحباطه للبحث عن مصدر شريف وثابت يقتاتُ منه ...
وإزاء عزيمته الحديدية هذه ظل يكابد البحت عن أي مشروع تجاري صغير يعمل فيه علَّه يكون الحل الناجع لحالته الصعبة هذه .. وطرح عدة مشاريع صغيرة بعد دراستها – وحسب إمكانيته وحالته الإنسانية بفقد البصر – باحثاً عن تمويل صغير يبتدئ به ليكون بذلك قد أرسى اللبنة الأولى لحياة هادئة لا ترميه للتدني أكثر أو الاستسلام أو مزاولة مهنة مد الأيدي والشحاتة – لا قدر الله – أسوة بأقرانه المكفوفين الذين أجبرتهم حكومتنا الرشيدة الاعتماد على مد الأيدي للحصول على لقمة العيش ..
ومع كل تلك المحاولات واستماتته البقاء والإصرار على الحياة الكريمة التي يطمح لها ، فقدَ كل وسائل الاتصال بهذا العالم المحدق في المجهول وعدم رؤيته لأمثال هؤلاء المكفوفين ومعاناتهم ..
تصادفه أمامك مراراً وهو يحرك عصاه يميناً ويساراً ويوزع الابتسامات والتحيات لكل من يصادفه ، وقد ألفهُ جميع من عايشه أو تعرف عليه .. أنه شاب كفيف يقطن منطقة التواهي في محافظة عدن ، القادم لليمن لا معاش ولا سكن ولا وظيفة أو مصدر دخل يخرجه من ظلمات أيامه المتتالية دون أمل .
كل ما جادت به كرم وشهامة ( صندوق الرعاية الاجتماعية ) بوزارة التأمينات مبلغ 6000 ستة آلاف ريال تصرف بعد كل ثلاثة أشهر أي بمعدل ألفين فقط لكل شهر كمساعدة لهذا الكفيف المتفائل !!
هذا المبلغ اليتيم يتوجب عليه العيش به طوال تسعون يوماً كاملة .. كرمٌ ما بعده !! والتفاتة إنسانية تفوق الوصف .. ولكم ( أيها المبصرون ) ان تقسموا هذا المال الوفير لمدة ثلاثة أشهر ، وبالمقابل مقارنة هذه الهبة الكريمة بالمبالغ المتواضعة ( الضئيلة ) التي تصرف كنثريات لمدراء المرافق والمكاتب السيادية أو بعض وكلاء الوزارات بل وحتى فواتير الاستضافة والسفريات للقادمين من خارج محافظة عدن أو حتى القائمين على مثل هذه الإعانات الهائلة التي يوسخون بها سمعة المعاقين والمكفوفين .
ثم نتساءل أين تذهب المليارات المقنطرة التي يتم انتزاعها قسراً من الشركات والأفراد وذوي الدخل المحدود بحجة الضرائب أو الواجبات الزكوية التي تتلاشى بشكل مذهل إلى المجهول ، وقد انزل الله تعالى آيات صريحات لا جدال فيها لتكون قانون سماوي لمصارف الزكاة ..
ألا يستحق أمثال هؤلاء المكفوفين بعض منها ؟؟!