زيد فيصل الظالمي
منهاج الصالحين
بواسطة زيد فيصل الظالمي, 18th August 2013 عند 05:53 PM (577 المشاهدات)
بسمه تعالى
بعد ان انتهينا بحمد الله تعالى من الموسم العبادي وهو شهر رمضان المبارك 1434هـ ارتأيت ان ابدأ معكم يا منتدى درر العراق (ايها الدرر) بالتباحث في منهاج الصالحين لسماحة آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني "دام ظله الوارف" علّنا نستفيد جميعا "ان شاء الله تعالى " طالبين بذلك رضا الله عز وجل ونسأله تعالى ان يتقبل ذلك منا انه سميع مجيب .
المسألة 1
يجب على كل مكلف لم يبلغ رتبة الاجتهاد ، أن يكون في جميع عباداته ، و معاملاته ، وسائر أفعاله ، و تروكه : مقلداً ، أو محتاطاً ، إلا ان يحصل له العلم بأنه لا يلزم من فعله او تركه مخالفة لحكم الزامي ولو مثل حرمة التشريع ، أو يكون الحكم من ضروريات الدين او المذهب ـ كما في بعض الواجبات والمحرمات وكثير من المستحبات و المباحات ـ ويحرز كونه منها بالعلم الوجداني أو الاطميئنان الحاصل من المناشئ العقلائية كالشياع وإخبار الخبير المطلع عليها.
مقدمة :-
هناك سؤال بسيط جداً وإجابته واضحة ايضا , ولكن النتائج المترتبة على تلك الاجابة هي نتائج مهمة جداً , وقد لا يلتفت اليها بمجرد معرفة الجواب بل لابد ان يلفتنا اليها شخص لكي نلتفت اليها , والسؤال هو : هل طاعة الله "عزوجل" ورسوله "صلى الله عليه وآله" والأئمة "عليهم السلام" واجبة ام لا ؟!!! وما هي حدود الطاعة لهم ؟!!!
والجواب واضح جداً ولا يتردد فيه احد , وهو نعم , طاعتهم واجبة وفي جميع شؤون الحياة .
طيب , اذن كان السؤال لأجل معرفة بعض النتائج ؟
فنقول ان النتائج مهمة جداً ومن ضمن تلك النتائج التي نحتاج الى معرفتها , هو ما نحن بصدد البحث فيه , وهو التقليد , فنقول وعلى الله نتوكل :
ان وجوب طاعة الله "عزوجل" - حيث كونه المنعم ويجب شكر المنعم بحكم العقل السليم , وما الشكر إلا فعل ما يحب وترك ما يكره - هو الالتزام بالواجبات وترك المحرمات , وبما اننا ملزمون بالطاعة بحكم العقل السليم فان العقل نفسه يرى ان لا مجال للخروج عن مخالفة الاحكام الالزامية إلا بطرق اربع :-
الطريق الاول : وهو الالتزام بالضروريات العقلية والشرعية , كوجوب طاعة الله "عزوجل" والرسول"صلى الله عليه وآله" , وكحرمه الكذب , و الاضرار بالآخرين , وحرمة قتل النفس المحترمة , وبمعنى آخر فعل ما يحّسنه العقل وترك ما يقبّحه العقل ويلحق بهذا القسم ما يكون من ضروريات المذهب الشريف كوجوب طاعة الائمة (عليهم السلام) , ووجوب التبري من اعدائهم , ويلحق به أيضا كثير من المستحبات كالتوسل بالله عز وجل من خلال بض الاولياء والصالحين , وكذا الكثير من المباحات التي لا يلزم منها حرمة التشريع ولا المخالفة لحكم الزامي كإباحة الصلاة في الصحراء وإباحة الاكل والشرب والنوم وغيرها من التصرفات .
نعم : نشترط في هذا القسم احراز الموضوع , أي احراز ان هذا الامر من الضروريات العقلية , أو الشرعية , أو كونها من ضروريا الدين والمذهب الشريف , وقد ذكر سماحة السيد "دام ظله" عدة طرق لمعرفة ذلك :
الاول : العلم الوجداني : وهو العلم واليقين ان هذا الامر من الضروريات .
الثاني : الاطمئنان الحاصل من المناشئ العقلائية وهو اقل درجة من اليقين ولكن نشترط فيه ان يكون المنشأ الذي جعل المكلف يطمئن , هو منشأ عقلائي , كما لو قام بالبحث بنفسه واطمأن انه من الضروريات .
الثالث : الشياع المفيد للاطمئنان , ولكن ليس كل شياع بل لا بد ان يكون عند أهل الاختصاص كشياع أهل العلم بحيث يطمئن معه المكلف ان هذا الامر من الضروريات.
الرابع : اخبار الخبير المطلع بكون هذه المسألة من الضروريات التي لا يحتاج معها الى التقليد .
ولكن عندما نتأمل في هذا الطريق نجد أنه لا يشمل جميع المسائل الشرعية , فهو لا يؤمن لنا الخروج عن عهدة التكليف الشرعي , فلا بد ان نرجع الى احد الطرق الثلاثة الاخرى الآتي ذكرها .
الطريق الثاني : - الاجتهاد , والذي يعني أن المكلف هو من يقوم بعملية استخراج الحكم الشرعي من القران الكريم و الاحاديث الشريفة ومن احكام العقل ومن اجماع الطائفة الذي يكشف عن رأي المعصوم "عليه السلام" , فيقوم بنفسه بعمليه استنباط كل حكم يحتاج اليه , من استظهار معاني آيات القرآن الكريم , واستظهار الاحاديث الشريفة , ومعرفة الرواية الصحيحة من غيرها , وهل هناك رواية اخرى تعارضها او لا , وان كانت هناك رواية اخرى فهل نتركهما جميعا , أو ان نأخذ بأحدى الروايتين ؟ , وأيهما نأخذ وأيهما نطرح , وغير ذلك من الامور الكثير والمعقدة جداً , وكلها تدخل في ضمن قواعد يجب ان يكون له رأي في كل قاعدة يحتاجها في عملية الاستنباط وهي قواعد كثيرة , ولذا فهذا الطريق صعب جداً ولا ينال ملكة الاجتهاد إلا البعض ممن افنى عمره في هذا الطريق , وشمله التوفيق الالهي وهو ذو حض عظيم .
اذن , فهذا الطريق كسابقه لا يمكننا سلوكه لكي نخرج من ذلك الوجوب العقلي بشكر الخالق "عزوجل", وهو المذكور في اول المسألة ولذ نجد ان سماحة السيد "دام ظله" قال : يجب على كل مكلف لم يبلغ رتبة الاجتهاد لان من بلغ رتبة الاجتهاد لا يحتاج الى هذا الوجوب المذكور في الرسائل العملية بل هو يعتمد على وفق ما يراه , فرسالة سماحة السيد الى غير المجتهدين من المكلفين كما هو واضح .
الطريق الثالث :- الاحتياط وهو يعني ان يعمل المكلف عملاً يتأكد و يتيقن معه ببراءة الذمة , وذكر سماحته ثلاثة اقسام للاحتياط في المسألة الثالثة وزاد قسماً رابعاً في المسائل المنتخبة , سيأتي الكلام عن هذه الاقسام في المسألة الثالثة ان شاء الله تعالى , ونحن نذكر عدة امثلة للاحتياط , منها ما لو شك في أن غسل الجمعة واجب أو مستحب, فالاحتياط هو ان يأتي بغسل الجمعة , ومنها ما لو شك في أن التدخين مفّطر للصائم في نهار شهر رمضان او لا , فالاحتياط بترك التدخين , ومنها ما لو شك في ان صلاة المسافر في هذه الحالة او في هذا المكان هل هي القصر او التمام , فالاحتياط بأن يصلي قصرا ويصلي تماما ايضا .
ولكن الاحتياط قد يكون فيه عسر وحرج ومشقة وذلك من خلال عدة امور :
أ / لكي يتم الاحتياط لا بد ان يعلم جميع الاراء لكل مسألة سواء كان الرأي للسابقين من علمائنا "رضوان الله عليهم" او المتأخرين منهم , وهو غير ممكن غالباً الى لمن له حظ من العلم ’ وقد قطع شوطا لا بأس به في الدراسة الحوزوية , فهذا الطريق صعب.
ب / قد يوجب الاخلال بالنظام العام , و قد يتعذر على الشخص ان يعمل بالاحتياط في جميع المسائل , كما اذا اراد الاحتياط في صلاة الجمعة فالبعض قال : هي واجبة كما عن كثير من علمائنا وهناك من علمائنا من قال : بحرمة صلاة الجمعة , فهذا الاحتياط متعذر , بل وكل احتياط يدور بين الوجوب والحرمة , وسيأتي مورد آخر لتعذر الاحتياط في المسألة الثالثة ان شاء الله تعالى .
اذن , فهذا الطريق كسابقيه لا يمكننا سلوكه لكي نخرج من ذلك الوجوب العقلي بشكر الخالق "عزوجل" فلم يبق لنا إلا الطريق الاخير .
الطريق الرابع والأخير :- التقليد , وهو اسهل الطرق بل هو الطريق الوحيد لكثير من الناس , والذي يعني ان المكلف يجعل عمله كقلادة في رقبة المجهد الجامع للشرائط , بحيث لو سؤل في يوم القيامة , كيف عرفت ان هذا هو حكم هذه المسألة ؟ لقال : ان الله امرني بالتقليد للمجتهد الجامع للشرائط وانا قلدت العالم الفلاني .
بقي هنا ان نتعرف على معنيين قد ذكرا في هذه المسألة :
الاول : المكلف : وهو من بلغ سن التكليف وهو في المرأة اكمالها تسعة سنوات هلالية, وأما سن التكليف في الرجل يعرف من خلال ثلاثُ علامات , فأيها تحققت عُد بالغاً :
أ / إكماله خمسة عشر سنة هلالية .
ب / خروج السائل المنوي , سواء في حال الاحتلام او في حال اليقظة .
ج / انبات الشعر الخشن في منطقة العانة , وهي منطقة اسفل البطن .
الامر الثاني : وهو معنى , العبادات , والمعاملات , وسائر الافعال والتروك .
أما العبادات : فهي الافعال التي تحتاج الى النية في أدائها , كالصلاة , والصوم , والحج , والزكاة , والخمس , والغسل , والوضوء , وما شاء الله "عزوجل" من افعال كثيرة .
وأما المعاملات : فهي العقود والإيقاعات , فالعقود ما يكون من طرفين كعقد البيع , وعقد النكاح , والمضاربة وغير ذلك من العقود , وأما الايقاعات فهي ما تكون من طرف واحد , كالوقف, والطلاق , وغيرهما .
وأما سائر الافعال والتروك : فهما ما لا يحتاجان الى النية , وليسا من العقود ولا من الايقاعات , كإكرام الضيف , والأكل , والشرب , والنوم , وكترك شرب الخمر , وكترك اكل الميتة , وغير ذلك , فكلها لا تحتاج الى النية وهي ايضا ليست بعقد ولا ايقاع .
الخلاصة :-
أن هناك وجوب عقلي على كل بالغ , ان يحرز اطاعته لله المنعم في الاتيان بالواجبات وترك المحرمات , بل ان يرجع الى الله في جميع شؤون حياته , وذلك إما ان يكون مجتهداً وهو كما قلنا غير مقدور إلا لبعض الافراد القلائل , وإما ان يسلك طريق الاحتياط وهو صعب ومتعسر في بعض الاحيان , بل قد يكون متعذر كما مر بك من قبل , فلا يبقى إلا ان يسلك طريق التقليد الذي هو اسهل الطرق , في جميع عباداته ومعاملاته وسائر افعاله و تروكه , نعم كما قلنا سابقا أن الطريق الاول , فهو في الضروريات والواضحات جداً والتي لا يحتاج فيها المكلف الى التقليد ولا الى الاجتهاد ولا الى الاحتياط , كوجوب طاعة الله عزوجل وطاعة الرسول "صلى الله عليه وآله" وطاعة الامام عليه السلام , وكحرمة الكذب والخداع , وكحرمة قتل النفس المحترمة , وكحرمة اضرار الآخرين والتعدي على حقوقهم , وغير ذلك من المسائل الواضحة التي لا يختلف فيها اثنان . هذا كله فيما يتعلق بالمسألة الاولى والحمد لله رب العلمين
7شوال 1434 هـ /15 /8 / 2013م