Adel Thamery
لودفغ فتغنشتاين
بواسطة Adel Thamery, 26th June 2013 عند 02:32 AM (497 المشاهدات)
فصل من كتابي الجديد في اللغة و الفلسفة / الدكتور عادل الثامري
لودفغ فتغنشتاين
(( دراستنا هي دراسة نحوية.مثل هذه الدراسة تسلط الضوء على مشكلتنا عبر توضيح سوء الفهم. سوء الفهم بخصوص استعمال الكلمات المسبب ، بين اشياء اخرى، من مقايسات معينة بين اشكال التعبير في حقول مختلفة من اللغة))
يعد لودفغ فتغنشتاين المولود فيفيينا عام 1889 و توفي في كامبرج عام 1951 من اهم الفلاسفة المؤثرين في القرن العشرين و يعده البعض الاهم من بين الفلاسفة بعد ايمانويل كانت.و قد تأثر بداية بالفيلسوف ارثر شوبنهاور و باستاذه برتراند رسل و غوتلوب فريجة ، و توج جهده المبكر بكتابه الفلسفي الوحيد الذي نشره فتغنشتاين خلال حياته و(رسالة فلسفية منطقية) و يعرف اختصارا بـ ( الرسالة). و ادعى انه يحل المشاكل الكبرى او الرئيسية في الفلسفة و قد منح تقديرا و احتراما كبيرين من الوضعيين المنطقيين المناهضين للميتافيزيقا. يستند كتاب (الرسالة) الى فكرة ان المشاكل الفلسفية ناشئة عن سوء فهم منطق اللغة و حاول بيان هذا المنطق.\
اما اعماله المتأخرة و على رأسها كتاب (دراسات فلسفية) فقد اهتمت كذلك بالمنطق و اللغة الا ان المنهج فيها منهج مختلف للمشاكل الفلسفية و هذا الكتاب الاخير قد الهم فلسفة اللغة الاعتيادية. سنحاول هنا عرض اهم افكار فتغنشتاين عبر كتاباته المبكرة و المتأخرة للكشف عن اسهاماته الهامة في مجال فلسفة اللغة .
لقد اثر فتغنشتاين تأثيرا كبيرا على فلسفة القرن العشرين ، فقد تأثر فلاسفة حلقة فيينا ايما تأثر بما قدمه فتغنشتاين في "رسالة فلسفية منطقية" و خصوصا فكرة ان المنطق و الرياضيات تحليليان ، و مبدأ قابلية التحقق ، و فكرة ان الفلسفة هي نشاط يهدف الى التوضيح و التفسير و ليس الكشف عن الحقائق. و مجموعة الفلاسفة الاخرى التي تدين بالكثير الى فتغنشتاين هي مدرسة اوكسفورد الفكرية ( فلسفة اللغة الاعتيادية) فهؤلاء المفكرون اهتموا اكثر بعمل فتغنشتاين المتأخر " دراسات فلسفية" و اهتمامه بالنحو. و بذا فهو شخصية كبيرة على نحو مضاعف في تطور الفلسفة التحليلية و تأريخها ، و ينصب الاهتمام الان على اوجه التشابه بين اعمال فتغنشتاين و اعمال جاك دريدا و خصوصا بين الفلاسفة الاوربيين و مازال فتغنشتاين يعد محركا لمدرسة الفلسفة ما بعد-التحليلية.
يعتقد فتغنشتاين ان الهدف من كتاب رسالة فلسفية منطقية هو هدف اخلاقي بالدرجة الاولى ففي توطئته للكتاب يقول ان قيمة الكتاب تكمن في شيئين "ان الافكار معبر عنها فيه "و هو يبين كيف ان مقدارا قليلا قد تحقق عندما حلت هذه المشاكل"، و المشاكل التي يشير اليها هي مشاكل الفلسفة التي حددها فريجة و رسل وكذلك شوبنهاورز و في نهاية الكتاب يقول فتغنشتاين"تفيد مقترحاتي كشروحات بالطريقة التالية: أي امرئ يفهمني يدركها في النهاية على انها بلا معنى"(التوكيد مضاف).
و بالتأكيد فالكتاب لا يبدو انه حول الاخلاق فهو يشتمل على اقتراحات مرقمة بسبعة مجموعات، و المجموعة السبعة تشتمل على قضية واحدة شهيرة"ما لا نستطيع الكلام عنه علينا ان نتجاوزه بالصمت". ومن القضايا المهمة في الكتاب نقتطف الاتي
4.01 القضية هي صورة الواقع
4.0312 فكرتي الاساسية هي ان " الثوابت المنطقية" ليست تمثيلية،حيث لا يمكن ان توجد تمثيلات لمنطق الوقائع.
4.121 تظهر القضايا الشكل المنطقي للواقع.فهي تعرضها.
4.1212 ما يمكن ان يُظهر،لا يمكن ان يقال
4.5 الشكل العام للقضية هو :هذا ما تبدو عليه الاشياء
5.6 حدود لغتي تعني حدود عالمي
يبدو ان فتغنشتاين يحاول القول ما اطلق عليه كورا دايموند اخلاقيات "اقبل و تحمل" بيد انه يقول ان القضايا في الرسالة غير ذات معنى، و ليست تبصرات عميقة ان اخلاقية او غير ذلك. لقد تجاهل العديد من الشارحين ما قاله فتغنشتاين عن عمله و اهدافه و بدلا من ذلك درسوا النظريات الفلسفية في العمل. و اهم هذه النظريات " نظرية الصورة" للمعنى.و استنادا لهذه النظرية فالقضايا ذات معنى طالما انها تصور الحالات اومواضيع الحقيقة التجريبية. و اي شيء معياري او فوطبيعي او ماورائي لابد و ان يكون بلا معنى. و هذه احدى القراءات للرسالة التي قادت الى اشكالات جدية طالما ان استعمال الرسالة للكلمات كأشياء و واقع و عالم هي غير شرعية ، فهذه التصورات هي تصورات شكلية محضة . فعبارة مثل "ثمة اشياء في العالم " لا تصور حالة ما بل انها مفترضة مسبقا بمدرك الحالة. و يقترح فتغنشتاين ان النظريات الفلسفية هي محاولات للإجابة عن اسئلة هي ليست في الواقع اسئلةً بل ترهات ، او لحل مشكلات هي ليست في الواقع مشكلات ، يقول في القضية 4.003:
اغلب قضايا و اسئلة الفلاسفة تنبع من فشلنا في فهم منطق لغتنا(هذه تنتمي الى نفس صنف السؤال ان كان الخير اكثر تماثلا كثيرا او قليلا من الجميل) وليس من المدهش ان المشاكل الاعمق هي حقيقة ليست مشاكل مطلقا.
و على الفلاسفة ان يقدموا منطق لغتنا بشكل واضح و جلي. وهذا لن يحل المشاكل المهمة بل سيظهر ان بعض الاشياء التي نعتقد انها مشاكل مهمة هي في الحقيقة ليست مشاكل مطلقا. و كتاب الرسالة يقدم نفسه بوصفه مفتاحا لحل سلسلة من العقد.
و قد عد فتغنشتاين الفلسفة في الرسالة (4.111) "ان الفلسفة ليست احد العلوم الطبيعية" و في 4.112 يقول " الفلسفة تهدف الى التوضيح المنطقي للأفكار" ، فالفلسفة لديه ، في هذه المرحلة من تطور افكاره ، ليست وصفية بل توضيحية شارحة. وهدف الفلسفة ازالة الخلط و الارباك. و من ثم على الفلاسفة ان لا يشغلوا انفسهم كثيرا بما هو فعلي.فاهتمام الفيلسوف ينصب على ما هو ممكن او ما يمكن تصوره و يعتد هذا على تصوراتنا و طرق انسجامها مع بعضها كما هي في اللغة.ما يمكن تصوره و ما لا يمكن تصوره ، ما يعطي معنى و ما لا يعطي معنى يعتمد على قواعد اللغة – قواعد النحو.
بيد انه و في كتابه "دراسات فلسفية" القسم 90 يقول :
دراستنا هي دراسة نحوية.مثل هذه الدراسة تسلط الضوء على مشكلتنا عبر توضيح سوء الفهم. سوء الفهم بخصوص استعمال الكلمات المسبب ، بين اشياء اخرى، من مقايسات معينة بين اشكال التعبير في حقول مختلفة من اللغة.ان العلاقة المعقدة بين اللغة و شكل الحياة يعني ان المشاكل الناشئة عن اللغة لا يمكن اهمالها فهي تؤثر في حياتنا و تجعلنا نعيش حياة مرتبكة، و ربما نعود الى جادة الصواب لكن ليس هنالك ضمان في ان لا نضل ثانية و بهذا المعنى لا يمكن ان يكون ثمة تقدم في الفلسفة.
اما فيما يخص المعنى يقول فتغنشتاين في "دراسات فلسفية" في القسم 43 " معنى كلمة ما هو استعمالها في اللغة" و يتضح ان فتغنشتاين لا يقدم نظرية عامة في ان "المعنى هو الاستعمال" كما يحلو للبعض ان يفسر الامر بهذه الطريقة.و كان فتغنشتاين يحذر من وجهات النظر القائلة بان معنى كلمة ما هي شيء ما تسميه الكلمة - و في هذه الحالة يمكن هدم او سرقة معنى الكلمة . كما انه يحذر من الموقف القائل بان معنى كلمة ما هو احساس سايكولوجي و بالتالي فكل مستعمل للكلمة يعطيها معنى مختلف طالما ان للمستعملين احاسيس مختلفة و مثم يصبح التواصل صعبا ان لم يكن مستحيلا. فمعرفة معنى كلمة ينطوي على اشياء عديدة: الاشياء التي تشير اليها الكلمة(ان وجدت) هل هي عامية دارجة ام لا، الى اي قسم من الكلام تعود الكلمة و هل تحمل معني اضافية و ان كان الامر كذلك فماهي هذه المعاني الاضافية و هلم جرا. و عموما فمعرفة استعمال الكلمة يعني معرفة معناها ، فمعنى أية كلمة هو مسألة ما نفعله بلغتنا، و ليس شيئا مخبوء داخل ذهن او دماغ الانسان، و لا يعد هذا هجوما على علم الاعصاب بل هو تمييز للفلسفة(التي لابد وان تهتم بالتحليل اللغوي او المفهومي) عن العلم(الذي يهتم بالكشف عن الحقائق).
حين يقول احدهم شيئا فأن ما يعنيه لا يعتمد فقط على ما يقال فحسب بل على السياق الذي يقال فيه ، وتكتسب الكلمات و الايماءات و التعبيرات حياة حينما تكون داخل لعبة لغوبة وثقافة و شكل للحياة. فالصورة تعني شيئا ما حين تعني شيئا لأحدهم فمعناها ليس خصيصة شيئية للصورة بالطريقة التي يكون حجمها و شكلها ، و كذا الامر ينطبق على الصورة الذهنية. من هنا المح فتغنشتاين الى انه " ان دقق الرب في اذهاننا فلن يتمكن من ان يجد هناك ما كنا نتحدث عنه" فكل صورة داخلية تحتاج الى تأويل .
يصبح الاتصال مستحيلا بلا المشاركة بمواقف معينة حول الاشياء الموجودة حولنا و بلا مشاركة الاحساس بالصلة و الاستجابة بطرق متشابهة. يرى فتغنشتاين ان الاتفاق الذي يحصل بيننا في معظم الاحيان حول بعض المسائل كالألوان مثلا هو جزء من مفهومنا عن اللون مثلا . ان الانتظام في استعمال مثل هذه المفاهيم او التصورات و الاتفاق على تطبيقها هو جزء من اللغة و ليس شرطا ضروريا منطقيا مسبقا . فنحن لا يمكن ان نفصل الحياة عن مفهومنا عن اللون. و هذا يثير مسألة العلاقة بين اللغة و اشكال او طرق الحياة، فهل يمكن لشخص واحد فقط ان يملك لغة خاصة به.
عادة ما يستعمل اصطلاح " الفرد المتوحد" في الجدل الفلسفي في القرن العشرين و مع هذا المصطلح الذي يطلق على الفرد الذي يعيش طوال حياته منعزلا متوحدا بعيدا عن المحيط الاجتماعي يأتي اصطلاح " اللغة الخاصة" التي ينميها الافراد المتوحدين بقواعد خاصة . لقد استعمل فتغنشتاين هذا التعبير في سياق اخر مختلف و ذلك لتسمية اللغة التي تشير الى الاحاسيس الخاصة. ومن حيث التعريف لا يمكن فهم هذه اللغة الخاصة الا من قبل مستعملها و الذي يعرف الاحاسيس التي تشير اليها هذه اللغة. و لنتصور مع فتغنشتاين رجلا يقرر كتابة حرف (س) في يومياته كلما كان لديه احساس معين. و ليس لهذا الاحساس تعبير طبيعي، و لا يمكن تعريف (س) بالكلمات.ان الحكم الوحيد فيما اذا كان (س) يستعمل بشكل صحيح هو مخترع "س" و المعيار الوحيد للصحة هو ان كان يشعر بنفس الاحساس ام لا. و ليس ثمة معايير لان يكون نفسه الا انه يبدو نفسه. ان ما تدعى لغة خاصة ليست لغة على الاطلاق و هذا لا يعني ان اللغة الخاصة مستحيلة لكن بعض الاشياء التي تقال عن اللغة ليست مترابطة منطقيا فاذا ما تصورنا عالما من الاشياء الخاصة(الاحاسيس) و افعال داخلية للمعنى، سنرى اننا نصور اما ان يكون لغة عامة منتظمة او سلوك غير قابل للفهم.لكن هذا الامر لايمكن ان يجعل من فتغنشتاين من اصحاب المدرسة السلوكية فهو لم ينكر في اي من كتاباته وجود الاحاسيس او الخبرات ففي القسم 293 من " دراسات فلسفية" يقول فتغنشتاين " اذا فسرنا قواعد تعبير عن الاحاسيس بموجب انموذج " الشيء و الدلالة" فان الشيء يخرج عن الاعتبار بوصفه غير ذي صلة" . و هذا لا يعني ان الالم مثلا ليس ذي صلة بل اننا ينبغي ان لا نفسر قواعد تعبير عن الاحاسيس بموجب انموذج " الشيء و الدلالة". واذا ما قيض لنا ان نفهم تصورا مثل الالم ينبغي ان لا نفكر بالالم على انه شيء خاص يشار اليه بطريقة ما بالكمة العامة "الم" فهو ليس شيئا كما هو الحب و الديمقراطية و القوة و الشجاعة. لايقدم فتغنشتاين اجابة بل نوع من العلاج الفلسفي يقصد منه توضيح ما يمكن ان يكون مبهما.
يعد كتاب سول كريبكة الموسوم"" Wittgenstein on Rules and Private Language من اهم الاعمال التي تناولت موضوع قواعد اللغة الخاصة. فكريبكة قد تأثر أيما تأثر بفكرة ان أي شيء يمكن ان يحسب على انه مكمل لسلسلة ما او يتبع قاعدة ما بنفس الطريقة. كل شيء يعتمد على كيفية تأويل القاعدة او السلسلة و اية قاعدة للتأويل ستخضع نفسها الى نوع من التأويل و هكذا. ان ما يعد على انه يتبع قاعدة معينة لا يتحدده القاعدة نفسها بل ما يتقبله مجتمع لغوي ذو صلة على انه يتبع قاعدة ما.لذا ان كان اثنين زائد اثنين يساوي اربعة ام لا ، لا يعتمد على قاعدة الجمع التجريدية بل على ما نقبله نحن و خصوصا اصحاب الاختصاص. و بذا استبدلت شروط الصدق بشروط قابلية الجزم او التوكيد. و بعبارة اخرى، ما يعتد به ليس ما هو صادق او كاذب بالمعنى المستقل عن مجتمع مستعملي اللغة بل ما تقبله او تجعل الاخرين يقبلوه. لقد افاد كريبكة في نظريته هذه من فتغنشتاين و ليست تأويلا لافكار فتغنشتاين. وهذه النظرية تعتمد على الجملة الاولى من القسم 201 من " دراسات فلسفية" و التي تقول " كانت هذه هي مفارقتنا:لا يمكن تحديد مسار فعل بواسطة قاعدة،لان كل مسار فعل يمكن ان ينجز لينسجم مع القاعدة".
يطرح فتغنشتاين سؤالا لقرائه للنظر بفيلسوفين احدهما مثالي والآخر واقعي ، والذين يربون اطفالهم ليشاركوهم بمعتقداتهم الفلسفية. يؤمن المثالي أن الاشياء المادية توجد فقط طالما ان الحواس تدركها؛ و الحديث عن الاشياء المادية التي لا تدركها الحواس هو مجرد وسيلة للتنبوء بالملاحظات المستقبلية.ويؤمن الواقعي ان الاشياء توجد مستقلة عن قابليتنا في ادراكها بحواسنا. و يقترح فتغنشتاين بأن الفيلسوفين سيعلمان اطفالهما كيف يستعملان المفردات بالطريقة نفسها ما عدا ان احد الاطفال سيعلم ان يقول " الاشياء المادية توجد مستقلة عن ادراكاتنا الحسية" و الاخر سيعلم انكار هذا. ان كان هذا هو الاختلاف الوحيد بين الطفلين، فان فتغنشتاين يقول"الا يكون الاختلاف ،مجرد صرخة حرب؟" وبالنسبة اليه من اجل فهم استعمال كلمة ما بالطريقة ذات الصلة بالفلسفة من الضروري فهم دور الجمل ،التي تشتمل على الكلمة، في حياتنا. و رأى فتغنشتاين ان تلك الجمل التي يعبر الفلاسفة فيها عن كشف حول الواقعية و المثالية لا تلعب دورا في حياتنا، فليس للجمل الماورائية استعمال من ثم ليس ثمة ما يفهم فهذه الجمل مجرد سلسلة من الكلمات بلا معنى، بل هي مجرد صرخات حرب و عندها يدرك الطرفان ان ليس هناك شيء للعراك بشأنه و عندها يتوقفان عن القتال.