(المتدفق)
ذاكرة الشظايا..
بواسطة زاهــــد, منذ 2 يوم عند 05:36 PM (125 المشاهدات)
في زوايا الرأس حيث يسكن الألم، وفي ثنايا الذاكرة حيث تتراكم الذكريات المؤلمة، تكمن قصصٌ لا تُروى إلا بصعوبة. هذه ليست مجرد كلمات تُكتب، بل هي شظايا روحٍ تحاول أن تتنفس وسط ركام من الذنب والأسى. هنا، حيث يختلط الواقع بالهلوسة، والحياة بالموت، تبدأ رحلةٌ داخل عقلٍ يعاني من جراحٍ لم تندمل، وذكرياتٍ لم تُدفن بعد.
نوبات ألم شديد تضرب في زوايا رأسي، كأنها عزيف جن لم يحتمل ضيق جمجمتي فيضرب بكل ما أوتي من قوة على جدرانها من اجل احداث فجوة فيها ليتخلص من ضيق المكان الذي حشر نفسه فيه . بعد هذه النوبة امر بحالة من اللا رغبة ، اللامبالاة ، وعدم الاهتمام بكل ما حولي . اشعر اني مبتور من هذا العالم، ولا انتمي له، وحيدا لا صلة لي بأحد. مثل عجوزٍ هَرِم يسير بين حافتي الحياة والموت،لا يبالي ببهرج العالم وبريقة لأنه في كل خطوة يظنها الأخيرة التي ستوصله إلى حتفه. تستمر هذه النوبة في احيان الى عدة ايام ، لا اعلم هل انا فاقد للوعي ام لا ، هل كنت في عالم اخر، ام كنت اعيش في وهم وتخيلات،،،، بين خليط من الهلوسات والكوابيس اترنح، مثل ثملٍ مازالت نشوة الخمر تضربُ في رأسهِ، بينما أنا على هذه الحال. تمر علَّيَ كثيرٌ من الوجوه ،التي اعرف بعضها ،هناك ذاك وجه أخي، الذي يصغرني بخمس سنوات، نعم استطيع ان اميزه من بين كل الوجوه، نعم هو!! الذي قُتل أثناء الانفجار الذي وقع عندما كُنت معه في السوق. اه !! ولكن كيف لجسده الذي تمزق اشلاء، أن يعود هكذا سليما، سوى من بعض الندوب. انظر في وجهه ،سألته عن ذاك الجرح الغائر الذي في جبينه اين اختفى ؟؟ ذاك الجرح الذي لم يشوه وجه ااخي حسب بل كأنه شوه وجه حياتي كلها، فكل آلآمه التي لم يسعه أن يشعر بها لأنه فارق الحياة حتى قبل ان يهدأ صوت الانفجار ،مازالت توخز في قلبي، توخز وجداني، الذي يهمس كل يوم في اذني مذكرا اياي بتحمل ذنب موته ،لأني كنت انا من أصرَّ ان اصطحبه الى ذلك المكان المشؤوم. تأنيب الضمير بات أشبه بوحشٍ نهم، يأكل كل شيء جميل في حياتي، و يحوله الى حزن مستمر. في كل وخزة امد يدي الى وجهي، اتلَّمس مكان الجرح عساه ان التأم ، اوه مازال غائرا حتى ان العظام مازلت ناتئة ، اشعر بنزيف الدم يتسربل من بين اصابعي، اشعر بالالم ينسكب في كل اعضاء جسدي في كل مرة يغالطني هذا الاحساس المؤلم حين يصور الآم ومعاناة وجراح اخي كأنه ثوب عذاب وجب ان يتقمصه جسدي، من اجل التكفير عن ذلك الذنب أو الخطأ الذي اقترفته. كانت لهفتي ان اعانق اخي ان اضمه الى صدري كما كنا نفعل في صباح كل عيد، او عندما كان يمرض كنت اواسيه بقبلات على ذاك الجبين الذي هشمه الانفجار ، مازالت تلك الصور تمثل حالات عذاب نفسي والم لي. كنت مندهش من جفائه لي رغم ان قلبي يتقطع من غصة الشوق له فهو غير مبالي ب توسلاتي له ان يقترب، غير مكترث في اجابة كل تسألاتي عن احواله. على صوت صرير باب الغرفة الذي فتحه احدهم، هكذا أعود لواقع الحياة . اول سؤالي كان عن ملاكي، أين انتِ يا امي؟؟ , لم اراك منذ فترة؟؟ ، من دون ان تجيبني ارى الدموع تنساب من عينيها وهي تحضنني وتقول اني احبك ، ولكن انت عذابي الذي لا ينتهي ، ثم حدثتها عن أخي وعن جراحه التي لم يعد لها أثر . ثم سألتها بلهفة عن كل الذين احبهم واشتاق اليهم وكأن زمنا طويلا لم اراهم فيه . أأخذ هاتفي واتصل بهم واحدا واحدا ،اعاتبهم، اوبخهم، على اهمالهم لي وعدم سؤالهم عني ، كل واحد منهم يبحث عن عذرٍ يبرر لي عدم زيارته لي او سؤاله عني. وعندما انتهي من هذا الأمر ،أعود اقلب الهاتف اجد هناك الكثير من المكالمات الفائته ، من كل هؤلاء الذين وبختهم ، بعضها مضى عليها أكثر من يومين وبعضها قبل ساعتين من الآن. ما هذه الورطة التي انا فيها ؟ ولماذا لا يقول كل هؤلاء أنهم اتصلوا بي؟ اليوم عدت من عيادة الطبيب حيث قبل أن نخرج منه همست أمي في اذنه كلاما لم اسمعه ،، وعندما انتهت نظر الي ،، انها الشظية التي مازالت مستقرة في رأسه ، وفي طريق العودة إلى منزلنا تلمست مكان تلك الشظية، وفي قلبي عتاب لها ، لماذا لم تتوغل في رأسي أكثر، لماذا لم تختار مكان اخطر ،، ربما خلصتني من هذا العذاب المستمر. لكن لا إجابة تأتي، سوى صمت طويل يثقل روحي، كأن العالم بأسره توقف عن الحركة، كأن الموت نفسه ينتظر قراري.