عبدالله يوسف نافع

الوجوه المتغيرة للقدر: كيف تكتب السياسة قصائدها على جدران الخراب؟

تقييم هذا المقال
بواسطة عبدالله يوسف نافع, منذ يوم مضى عند 10:52 PM (122 المشاهدات)
السياسة ليست مجرد لعبة قرارات أو اجتماعات مغلقة، إنها الشعر المظلم الذي يكتبه القدر على جسد الأمم. إنها الحروف غير المرئية التي تُكتب بالدم والعرق، حيث يتلاشى الأبطال وتولد الأساطير من رماد المدن المحترقة. إنها المرآة التي تعكس ضعف الإنسان وطموحه الجشع في آن واحد.

في السياسة، لا توجد نهايات سعيدة؛ هناك فقط بدايات جديدة مكسوة برماد المآسي. القادة الذين نحفظ أسماءهم لم يُسطروا أمجادهم إلا فوق جراح أجيال، ولم يبنوا مستقبلًا إلا على أنقاض ماضٍ مستباح. هكذا كان غاندي يقف أعزل أمام الإمبراطوريات، وبهذا التناقض ذاته، كان تشرشل يتحدث عن الشجاعة بينما تئن أوروبا تحت وطأة الحرب.

ولكن السياسة ليست فقط حكاية القوة، بل حكاية الفراغ الذي تتركه خلفها. إنها العبث الذي يجعلنا نتساءل: لماذا نُعيد تشكيل الخرائط مرارًا ونحن ندرك أن الأرض واحدة؟ لماذا نصنع الأعداء من الجيران، بينما تتكسر أحلام الشعوب على صخور المصالح الضيقة؟

السياسي العظيم هو من يفهم أن السياسة ليست مجرد قرارات حاسمة، بل هي صراع دائم بين الأخلاق والضرورة. إنه من يعرف كيف يتحدث بلغة العواصف، وكيف يزرع بذور الأمل في تربة الجوع والخوف. لكن في الوقت ذاته، هو من يدرك أن يديه ستتلطخان بالوحل، لأن الطريق إلى المجد السياسي دائمًا ما يمر عبر المستنقعات.

السياسة تُعيد صياغة الإنسان. إنها تسلبه يقينه وتجعله يرى العالم من زاوية لا يمكن لغيره رؤيتها. السياسي هو الذي يرى الحروب كفرصة للسلام، ويرى في الانهيارات الاقتصادية ميلادًا لعصر جديد. إنه الساحر الذي يُعيد ترتيب الفوضى لتبدو كأنها خطة محكمة.

ولكن خلف هذا السحر يكمن الثمن. كم من قادة رسموا حدود بلادهم بدماء شعوبهم؟ وكم من خطابات عظيمة غطت على أصوات الجوع والبؤس؟ السياسة تُغري الجميع، لكنها تُعاقب كل من يقترب منها. إنها ميدان لا ينجو منه أحد، لا الأبطال ولا الضحايا.

في النهاية، السياسة ليست سوى مرآة تعكس حقيقتنا كبشر: صراع بين الطموح والخوف، بين البناء والهدم، بين البحث عن الخلود وقبول الفناء. إنها أغنية حزينة نُعيد تكرارها جيلاً بعد جيل، ونحن نعلم أننا لن نصل أبدًا إلى نهايتها.
التصانيف
غير مصنف

التعليقات

تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال