نسغ المعاني !
ضريبة الوعي !
بواسطة الخيزران !, 30th August 2023 عند 01:44 AM (2120 المشاهدات)
..
هل يندم الإنسان على وعيه ؟!
لا يُمكن لعاقلٍ في لحظات اتزانه النفسي أن يندم على ما اكتسب من وعي مهما كانت تبعات وتداعيات ذلك الوعي مكلفة ثقيلة لأن الوعي هو طوق النجاة الوحيد الذي يمكن أن يُنجيك من الغرق في وحل ومهلكة السلوك / الاختيار / القرار غير الصائب والمدروس، ربّما في حالات الأسى والتشويش التي تعقب معرفة حقيقة مُرّة أو تزامن قفزة وعي عسيرة قد يندم المرء آنيًا ويُثني على سابق جهله وذلك يعود لشعوره العميق بالألم جراء معرفته بالعواقب الجسيمة لما كان يستلذ به ويستغرق فيه أو لادراكه سطحيّة وتفاهة نمط الحياة الذي يعيشه ولا يقوى على الانقلاب عليه أو لتكدّس الشعور بالاحباط في داخله نتيجة البون الشاسع في الهم والهمة بينه وبين محيطه وغياب اللغة المشتركة وكذلك لأنه لا يستطيع محو وعيه أوالعيش مجددًا بلامبالاة جهله الأول ولذلك نجد الشكاية تصدر من بعض المدركين في لحظات ضعفهم كما أتفق كل من دوستويفسكي وسيوران وكافكا على أنّ الوعي لعنة أو مرض أو تعاسة طوعيّة، حتى أنّ مولانا الرافعي رحمه الله أكّد هذا المعنى بقوله" إن دقة الفهم للحياة تفسدها على صاحبها كدقة الفهم للحب، وإن العقل الصغير في فهمه للحب والحياة هو العقل الكامل في التذاذه بهما."وهذا يقودنا إلى حقيقة أن للوعي مرارة وآلام وهذا برأيي ثمن زهيد قُبالة لذة النّجاة التي يجيء بها الوعي، وقد أفرد ابن الجوزي في كتابه صيد الخاطر فصلاً بديعًا بعنوان ( لا لذة لكامل عقل ) جاء فيه: " متى تكامل العقل؛ فقدت لذة الدنيا، فتضاءل الجسم، وقوي السقم، واشتد الحزن؛ لأن العقل كلما تلمح العواقب، أعرض عن الدنيا، والتفت إلى ما تلمح، ولا لذة عنده بشيءٍ من العاجل، وإنما يلتذ أهل الغفلة عن الآخرة، ولا غفلة لكامل العقل " ولأجل ذلك أجدني أتفق كثيرًا مع وليام فوكنر حين قال :" إذا خُيّرتُ بين الإحساس بالألم واللاشيء فسأختار الألم " وهذا بظني لأنه أدراك بطريقة ما أن المعاني لا تولد ولا تستنبط إلا بالمعاناة !
..