حسن هاشم
الجمهور بين لغة الجزارين و"هاشتاغ" العدالة سناء الجاك كاتبة وصحافية لبنانية
بواسطة حسن هاشم, 16th July 2021 عند 04:23 AM (244 المشاهدات)
ولعانة" على ما يقول اللبنانيون على منابر "فيسبوك" و"تويتر" وغيرهما من منصات التواصل الاجتماعي.
حملات الكترونية يشنها "الناشطون" مع هاشتاع "أسقطوا الحصانات" يتم تنظيمها للضغط ودعم القضاء ليحاسب المسؤولين العالمين بوجود نيترات الأمونيوم التي أدت إلى جريمة العصر وأطاحت بنصف بيروت قبل حوالي العام، وسط تشكيك سلطوي بمجريات التحقيق قاده الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله، شكل خريطة طريق للتمترس خلف المواقع بغية تجنب إخضاع فريق عمله من السياسيين والأمنيين للقضاء.
في المقابل، جيوش إلكترونية تشحذ أسلحتها الكلامية وتصوب وتسدد وتشعل الجبهات بين أطراف المنظومة السياسية.
وتحديدا على جبهتي مؤيدي رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره جبران باسيل من جهة، يقابله فريق الرئيس الملف تشكيل الحكومة سعد الحريري من جهة أخرى، حيث يدور السجال السياسي على إيقاع مفردات الجزارين.
وعلى أرض الواقع تستقطب لغة الجزارين جمهورا أوسع من جمهور الـ"هاشتاغ" المطالب بالعدالة.
عدا ذلك. لا شيء. فالأرض لا تواكب ضرب الشعوب في صميم أمانها الاقتصادي والاجتماعي والأمني. سواءً في لبنان أو سوريا أو العراق واليمن.
والشوارع لا تشهد إلا قلة قليلة تتحرك، غالباً بإيعاز وبخطوط حمراء مرسومة من قوى الأمر الواقع التي تحركها لتسجيل المواقف وبعث الرسائل إلى المنظومة التي تدار بآلة تحكم معروف مربطها. أو يقتصر الأمر على التنفيس. وغضب ساعة ولا كل ساعة.
على الأرض لا شيء، لأن "الثوار" صاروا فقط "ناشطين" يواصلون "ثورتهم" على "جدران تويتر"، ليتركوا الشارع لمن يتحكم بالشارع. فلا وقاحة المسؤولين المتحصنين بمواقعهم والمستعصين على المحاسبة استوجب دفع هؤلاء "الثوار" المرابطين على تخوم صفحاتهم الإعلامية إلى مغادرة منازلهم. ولم يحفِّزهم على العصيان إنهيار مقومات الحياة بحدها الأدنى.
قد يقول قائل إن القتل والرصاص المطاطي والتهويل بالفتنة الطائفية والتجويع والأزمات العيشية المتلاحقة، كلها عوامل أدت إلى تفريغ الشارع وإخماد إحتمال الثورة، ليس فقط في لبنان، ولكن في سوريا والعراق واليمن.
لكن كلمة ثورة بحد ذاتها يفترض أن تشكل هذه التحديات، حافزا لها للإندفاع أكثر فأكثر. والمنظومة الإستبدادية الحاكمة، إينما وُجِدت لن تُسلِّم الى المحتجين السلطة لأن بعض الشعارات عبر مواقع التواصل الإجتماعي وبعض التحركات أقلقتها.
ففعالية العالم الإفتراضي لا تكون باستقطاب أكبر عدد من "اللايكات" على تعليق في صفحة، ليحسب صاحبها أنه أصبح ثائرا طليعيا ويقود الانقلاب المطلوب بإتجاه التغيير والتخلص من منتهكي حقوقه.
والثورة على وسائل التواصل الاجتماعي، مهما كان مضمون التعليقات والتغريدات، لم يعد يتجاوز دورها "التنفيس"، وهذا هو المرتجى لأهل المنظومة من الفاسدين والفاشلين والمُجرمين. والإعتماد على هذا الوسائل لن يُحقق أي نتائج تلبي الطموح الشعبي.
قد يقول قائل إن الثورات الدموية يدفع ثمنها المواطنون، وتحديدا أصحاب النوايا الوطنية الصافية، لكنها قد لا تغير شيئا في النهاية لأن أنظمة المنطقة هي لعبة بيد القوى الإقليمية والدولية ترسم قواعدها وتلتفت على ثوراتها وتدمرها من داخلها. لذا الشارع يخدم المخطط القادر على إختراقه، بوسيلة أو بأخرى.
وقد يرى البعض أن وسائل التواصل الاجتماعي تؤدي إلى انخفاض الروابط والعلاقات بين المشاركين. وهذا يعني أنه يمكن للمستخدمين خلق شعور سياسي، بينما يفشلون في ذلك على أرض الواقع.
وغني عن التذكير أن مواقع التواصل لا يُمكن أن تكون السبب الأول في التحول الديمقراطي خاصّة أن الحكومات الاستبدادية والفاسدة تستخدم هي الأخرى نفس هذا المواقع للترويج لما تقوم به. هذا فضلا عن مراقبة المواطنين وتشديد الخِناق عليهم.
والمؤسف أن هذه الحكومات تجد في هذه الوسائل منصة لتطل عندما يرفضها الشارع ويهتف ضدها، مدعية العفة ومصادرة مطالب المواطنين ومتهربة من مسؤولية فسادها واستبدادها. كما أن السياسيين يوظفون "تويتر" لغايات بأنفسهم، كلٌ وفق ادبياته وسلوكياته.
فالوضع في لبنان والدول التي صار يشبهها وتشبهه، لا تكفيه حملات تتبناها الشبكات الاجتماعية التي ساهمت بدور ما في التعبئة السياسية والاجتماعية، إلا أن كلمة الحسم ليست الا في الشارع أو في صناديق الإقتراع، ليتمكن الشعب أي شعب من الوصول إلى ما يطمح له.
والعالم الفعلي هو غير العالم الإفتراضي. والسلطة بمن يسيطر عليها ومن يستفيد منها من لبنان إلى سوريا إلى العراق إلى اليمن تجيد وبمهارة خطيرة ومجرمة إزاحة الثائرين والناشطين القادرين بتعليق أو تغريدة إحداث تأثير وتحريك رأي عام، ليبقى في الساحة فقط ناشطو الصف الثاني.
فما بين اغتيال لقمان سليم وهاشم الهاشمي روابط كان يجب قطعها وإخماد أنفاس أصحابها برصاص جاهز وبجريمة مخطط لها وتنتظر فقط ساعة الصفر. ولا فعالية للتجييش والإعتراض بـ"هاشتاغ" يعبر عن الغضب والرفض لأن مفاعيله ستبقى معلقة على جدار إفتراضي في عالم إفتراضي في حين أن الرصاص هو من يصنع العالم الواقعي.