حسن هاشم
شيء عن حادثة القصر المكلاوية هاني مسهور منتج أخبار الموقع الإلكتروني - شؤون يمنية
بواسطة حسن هاشم, 11th June 2021 عند 05:34 AM (235 المشاهدات)
مع مجيء الشيخ القدال باشا إلى حضرموت في عام 1939 تبدل حال حضرموت، فالرجل السوداني المعلم جاء إلى حضرموت يحمل مشاعل النور للشعب الحضرمي فهو يعتبر واضع أسس التعليم وهو حجر زاوية من زوايا حضرموت.
في عهده أخذت حضرموت تتلمس طريقها، وكان سكرتير الدولة القعيطية أي بمثابة رئيس وزراء الحكومة، وبرغم أن الحالة العامة في تقدم من ناحية الوعي السياسي، إلا أن الفئة المتنورة كانت تقدم كامل فروض الولاء والطاعة للسلطان الذي لم يمانع من ناحيته بإنشاء الأحزاب والتكتلات التي كانت متواضعة في تركيبتها.
كانت النخبة الحضرمية تشعر بمرارة الوجود البريطاني وأن المستشار هو الحاكم الفعلي للبلاد الحضرمية، وكانت هذه النخبة تعيش أفكاراً تطلعية لتوحيد السلطنتين القعيطية والكثيرية في دولة واحدة، وهذا ما قام به عمر سالم باعباد بتبنيه وتقديمه للمشروع السياسي بل أنه قدم أول دستور وطني في عموم شبه الجزيرة العربية ونشرته صحيفة الطليعة المكلاوية، وواجه باعباد مطاردة من السلاطين بإيعاز من المستشار البريطاني، وكانت تلك بذرة زرعها باعباد بعد جهد عظيم بذله من خلال زياراته لعدد من مدن حضرموت في الساحل والوادي ولاقت دعوته كثير من الترحيب عند النخب الحضرمية.
أما الوجه الآخر فكان دعاة الانفصال وكانت أيضاً هذه دعوة تلقى رواجها عند أصحاب المصالح الاقتصادية في المكلا وسيئون على حد سواء، هذا ما كان عليه الحال في عام 1950 ونتيجة لهذا الواقع حدثت في المكلا حادثة القصر عندما أراد السلطان القعيطي تعيين القدال باشا سكرتيراً للدولة ظهر الحزب الوطني رافضاً هذا التعيين بحجة أن القدال ليس حضرمياً وهذا المنصب يوجد من أبناء حضرموت منّ يستطيع أن يتولاه، بكامل سلبيات الفكر السياسي كان الطرح النخبوي الحضرمي في تعبير واضح عن تردي الحالة السياسية الحضرمية، ومع هذا نجح الحزب الوطني في حشد الجماهير للتظاهر والمسير إلى القصر السلطاني لممارسة الضغط اللازم على السلطان صالح القعيطي، ونظراً أن التعبئة للجماهير كانت قد بلغت أقصى ما يمكن أن تكون فلقد تجاوزت تلك الحشود المحاذير وحاولت اقتحام القصر السلطاني لتصل الأحداث إلى مقتل أثنى عشر رجلاً وإصابة العشرات بجروح.
تلك الحادثة ليست مجرد حادثة تلوكها ألسنة الحضارم في مجالسهم ومقايلهم، بل هي حادثة وأن حاول البعض تفريغها من مضامينها السياسية تبقى حادثة تاريخية تعطي كامل المشهد الحضرمي السياسي بسلبياته وإيجابياته في توقيت زمني ملائم فالحادثة وقعت قبل ثورة مصر 1952، وهذا يعني أن حضرموت كانت في مسارها السياسي الصحيح نحو الاستقلال الوطني وأن الصراع بين دعاة الوحدة الحضرمية والانفصال كان سينتهي عند فرض إرادة الشعب الذي لم يكن يوماً قابلاً بالتجزئة المفروضة عليه من قبل البريطانيين، وحضرموت لن تنفر في واقعها أبداً عن حدودها الطبيعية التي كانت في عهد السلطان بوطويرق، إذن كامل المعطيات كانت ترسم مدلول واضح ناحية استقلال حضرموت بالجغرافيا الممتدة من باب المندب إلى المهرة، فماذا حدث في 17 عاماً بين حادثة القصر وسقوط المكلا بيد الجبهة القومية؟
الخطأ الجسيم في ذلك التوقيت الزمني هي أن الحزب الوطني وضع كل مرتكزاته السياسية تحت المظلة السلطانية، هذا الخطأ في نواة التكوين السياسي كان له تبعات جسيمة أخرى، فما أعقب حادثة القصر هو أن الحزب الوطني تخلى عن الجماهير، والجماهير وجدت نفسها أمام ظاهرة صوتية، فالرغبة الكامنة كانت الاستقلال السياسي لكن خشية النخبة الحضرمية من سطوة الحاكم كانت هي الهوة التي لم تردم فوقعت فيما بعد أن النخبة تغرد خارج مضمون الضمائر الحضرمية عند عامة الناس، فكان من السهل زرع الخوف والخشية حتى انتزاع حضرموت الكبرى كلها في الثلاثين من نوفمبر 1967 وإخضاعها للهيمنة.
نعم كانت فوضوية فكرية ولم يكن وعياً سليماً حاضراً في أذهان النخب التي أخذت تخاطب نفسها ولا تخاطب السلطان بوجوب الخضوع لإرادة تحرر الشعب، فالحزب الوطني الذي كان جديراً بأن ينتهز تعيين سكرتير الدولة كحالة سياسية تعامل مع الحالة على أنها مطلب نخبوي وصراع بين أهل المكلا، وهنا واقع مؤلم ولا شك في ذلك، فلقد كانت فرصة مواتية لفرض الإرادة السياسية الحضرمية خاصة وأن الشروط لتحقيق ذلك كانت متوفرة بضعف بريطانيا وحشد الجماهير ووجود المظلة السياسية الحزبية، إفراط الحزب الوطني من خلال عناصره في الولاء والطاعة للسلطان "المعظم" كان عنصر الضعف الذي يجب أن يوصف حقاً بالفوضوية السياسية.
أن استيراد التاريخ الحضرمي المكلوم يطرح ذاته عند وقائع الأحداث وما أدت إليه، فما بعد الحادثة تلاشى الحزب الوطني وانتهى فلقد انكشف أن السياسة ليست مطالب اجتماعية وإصلاحية واقتصادية، السياسة هي تحقيق الاستقلال للأرض والناس ثم تأتي عناصر الأوضاع الأخرى المكونة للوطن، الحاصل النهائي من هذا الاستيراد التاريخي يبقينا عند حقيقة أن الناس مؤمنين بحقهم في وطنهم، وأن على الصفوة الفكرية ايجاد الحلول السياسية الصحيحة لخلق الواقع الوطني لهذه الجماهير التي وجدت نفسها وحيدة بلا سلاح وفي باحة القصر السلطاني تتلقى الرصاصات في صدور عارية وبطون جائعة، واقعة لها ما لها وعليها ما يجب أن نراه بعين تقرأ في الألفية الثانية.
استيراد حادثة القصر المكلاوية من الذاكرة السلطانية القعيطية ليس مجرد بذخ فكري او سخاء في زمن شحيح بالأمل في تحسين الحالة السياسية بمقدار ما هو تذكير لأجيال بماضيها وما فيه من اضاءات، فالمعلم السوداني مازال ساكناً في العقول الحضرمية برغم تعاقب الأجيال والاحترام والتقدير للسلطان المعظم مازال ساعياً بين الناس، الأهم هو استذكار التاريخ لاكتشاف أن البلاد الحضرمية لم تكن عدماً بل كانت حية ولها حكاياتها السياسية التي مازالت تؤثر وتتأثر في زمنها ومكانها وامتدادها نحو عدن كطبيعة حضرمية لم تنفك بالتشبث بهذا الجزء من الأرض في تكوين شبه جزيرة العرب.