مـصطفى
ديستوبيا الحياة العراقية - اعتلالات واختلالات
بواسطة مـصطفى, 8th January 2021 عند 10:27 PM (623 المشاهدات)
ديستوبيا الحياة العراقية
- اعتلالات واختلالات
حين تتفكّر بكل هذا الخراب الموجود من حولك، يُخال لك أنه لا حل إلا بوجود شرطة ذوقية كما هي شرطة للآداب، فلا بد من معايير معينة يخضع لها كل ما هو عام، للحد من التشوهات الموجودة في كل مكان والتي هي من فواعل الاعتلالات النفسية، فالمدن العراقية عامةً والجنوبية خاصةً، لا تختلف عن أي مدينة أشباح هوليودية، بيوت تشبه كل شيء كريه، سواء تلك الخاصة بالفقراء او حتى الأغنياء، فقد تجد أشكال وألوان وزخرف وأنارات مبتذلة ومكلفة في الوقت نفسه لا غرض منها إلا القول أن لدي الكثير من المال أو التعبير عن المكانة وما شابه، على اعتبار أن أشكال البيوت تعبر عن مكانة الفرد في المجتمع، وكل ذلك طبعا يعكس الذوق الشخصي الرديء، فأنت بالمقابل ستجد النساء، بألوان ماكياج تشبه الزينة الأفريقية؛ تشكيلة عجيبة من الألوان الصاخبة، وقد لا تدل على أي جمال بل العكس، مجرّد بهرج. أما الشبّان، فلا يختلف الأمر كثيرًا، ولكن نظرًا لعدم إمكانية استخدامهم الماكياج فقد تجد ذلك في ملبسهم عادة، الملوّن والمزكرش كما لو أنه دعاية أصباغ.
وبكل الأحوال فثمّة فوضى في كل شيء، أشكال البيوت، المتاجر الكبيرة والصغيرة والمطاعم وغير ذلك، كل شيء فوضوي، ديكورات غير مناسبة تمامًا، ولافتات تجارية قروية، تجاوزات تكاد تكون في كل مكان على الشارع او الرصيف وهذا الأخير، وأعني الرصيف هو دائما في طليعة المحتقرين ممن لا يأبه لوجودهم أحد وهو يشبه أي عراقي تقريباً، إضافةً إلى عناوين متاجر مثيرة للغثيان ولا علاقة لها بأيِّ مما يحتويه المتجر، بل هي مجرد تعبير وإشهار أو اعتزاز بالهوية الفرعية، او تعبير عن اضطرابات نفسية، فبركات فلان هي توسلية اضطرابية خفية، يراد منها الرزق او الحماية، وهذه الاضطرابية هي انعكاس للتخلف وسوء الفهم السائد للمفاهيم الاقتصادية والأمنية، وكذلك سوء الفهم لوظيفة الإله أو المقدّس، فهو يُمنح -وأعني المقدّس-، الوظيفة وحسب الحاجة، فالطالب الكسول يمنح شارب العباس أو ضلع الزچية، وظيفةَ المُصحح، الذي سيساعده على اجتياز هذه المرحلة او تلك، بينما غشاش آخر يمنحه وظيفة الرزّاق، وهكذا دواليك، وهذا من جانب العناوين الدينية إما تلك العشائرية فهي تدل على ترييف واضح، حيث تعبر بصراحة عن اعتزاز بالهوية القبلية وهذا الاعتزاز على حساب الهوية الأم فمحلات الطائي والشمري، هي اشهار وتباهي بالهوية القبلية، في العراق المتمدن، وهذا الإعتزاز يختلف عمّن يعتز بأصوله وحسب، فهو يشبه المباهلة والتحذير أحيانًا، فأنا من آلبو محمد اخوة باشا، ويردح حيل الما شايفها.
كذلك الأمر مع الهويات المستحدثة، كالصدرية والدعوچية وغيرها، وصور الزعامات والسادات التي تملئ الأرصفة كما البيوت كما الرؤوس، فهذه أيضًا تعبّر عن الإعتزاز خصوصاً عند من يشعرون بالتهديد أو يرغبون بالتعبير عنه، الى جانب ذلك فهي تعبير عن الاستحواذ، وكما عند عصابات الطبقة الدنيا في بعض مدن أمريكا اللاتينية، حيث كل دربونة لها رموز وشعارات معينة تُكتب بالكرافيك عادةً، أشارة إلى أن هذه المنطقة لعصابة الدرة أو غيره، وقد تجد ذلك عند بعض الأسود أيضًا، حيث تحدد منطقة نفوذها من خلال برازها، وبالتالي وعن طريق الرائحة ترسل أشارة إلى أي دخيل أن هذه المنطقة خاصة بي، فالأمر كذلك بالنسبة للصور فالصور تشبه تلك الرائحة، فهذه منطقة قوّتي، لا تقترب منها، ولربما مدينة العمارة نموذج رائع للتعرف على هذا الأمر..
على العموم، نحن نعيش في فوضى هائلة، ولا أظن أنّ لهذه الفوضى من نهاية، وعودة على شرطة الذوق لمعالجة الاختلالات، فهذه "فكرة غبية" إلى حد ما، فحتى لو سلّمنا بضرورة وجود شرطة للذوق، فهذا يجب أن يسبقه سؤال، وهو هل توجد شرطة كفوءة أصلاً ؟!
وعن نفسي لا اظن أصحاب الكروش والأسنان الصفراء فاقعة اللون بإمكانهم معالجة اختلالاتهم، لكي نعتمد عليهم في معالجة الخلل المجتمعي، فالرگعة زغيرة والشگ أچبير..