مـصطفى
رساله ثانيه
بواسطة مـصطفى, 19th October 2020 عند 07:23 PM (453 المشاهدات)
ومن يربط الكلب العقور ببابه فعقر جميع الناس من صاحب الكلبِ
واكب الكلب حياة الصحراء من أقدم العصور، واستفاد منه الأعراب والبدو - في الجاهلية وفي كل بادية بعدها - في الحراسة والصيد ومكافحة الذئاب، وغيرها من المهام.. كالطرد والصيد..
وقد عرف العرب أنواع الكلاب وطباعها، من (السلق) إلى الجعري) ومن الكلاب المبقعة إلى السود.. إلى مختلف أنواع الكلاب، ومنها الكلب العقور..
ولكن المهم هو أنهم عرفوا طباع الكلاب المختلفة وطريقة حياتها فرمزوا بها لأشياء كثيرة حسب المواقف، وقد وردت تلك الرموز في أشعار العرب وأمثالهم..
هناك جوانب يذكر فيها الكلب كرمز على كرم صاحبه، أو رمزاً للوفاء أحياناً، وهذا ما سوف نذكر شواهده في مقال قادم إن شاء الله..
ولكن معظم ما لاحظه العرب على حياة الكلاب وسلوكها جعلهم يتخذونها رموزاً لمساوئ الأخلاق كالشر واللؤم والبخل والنجاسة (بمعناها المعنوي والحسي) وغير هذا مما قد يرد تباعاً..
(عمل الشر طبيعة)
هناك من البشر من يحب الشر طبيعة وسجية، فهو شرير بطبعه، يهوى السباب، والنميمة، والغيبة، والهجوم على الناس دون جرم اقترفوه..
وهذا النوع الرديء من الناس.. والسيئ جداً.. وهو بحمد الله قليل جداً ولكنه مؤذٍ شديد الايذاء.. يرمز العرب له بالكلب العقور، وهو الكلب (المستغلث) بالتعبير الشعبي.
قال الشاعر العربي عن واحد من هؤلاء:
يسطو بلا سببٍ
وتلك طبيعة الكلب العقور!
وهو رمز موح.. مقنع.. وتشبيه فريد في بلاغته.. فإن الكلب العقور يعض كل من صادفه حتى ولو لم يهاجمه من صادفه.. ففي داخله مرض يجعله يعض من أوقعه سوء حظه في طريقه.. وبعض الناس في قلوبهم مرض من هذا النوع.. فهو يعضون كل من يصادفون.. إلا من يخافون منه تماماً..
الكلب العقور يرمز به للرجل الشديد الوقاحة.. المنزوع الحياء.. المحب للشر.. السليط اللسان.. المؤذي بقوله أو عمله.. أو بهما معاً.. ويرمز به للسفيه الذي تلذ له السفاهة.. ويطلق الكلام الجارح على عواهنه.. وكأنه ذلك الكلب العقور..
فالسفيه يخطئ على من لم يخطئ عليه.. ولا يردعه عقل عن ارسال الكلام البذيء..
وخير علاج للسفيه هو عدم الرد عليه:
إذا نطق السفيه فلا تجبه
فخير من إجابته السكوت
فإن كلمته فرجت عنه
وإن خليته كمداً يموت!
فإن السفيه يزيد "نباحه" إذا رد عليه، وتركه حقراناً يقتله!
والسفيه قد يرعوي ويعقل مع الأيام إذا لم تكن حماقته ضربة لازب، أما الإنسان الشرير طبيعة وسليقة - رجلاً كان أو امرأة - فالغالب أنه لا يتوب عن شره، وهو مصاب بالشخصية (السيكوباتية) كما يقرر علماء النفس، ولا علاج لهذه الشخصية المرضية الخطرة جداً على المجتمع..
والرمز لهذه الشخصية بالكلب العقور الذي يعقر من يجد بلا سبب وصف في محله، ولكن كثيراً من أصحاب الشخيصة (السيكوباتية) مخادعين.. أذكياء.. ناعمين في الظاهر ومنافقين.. ويعملون الشرور والجرائم بدهاء خبيث، والأصح أن يرمز لهؤلاء بالأفعى كما قال الجاهلي:
إن الأفاعي وإن لانت ملامسها
عند التقلب في أنيابها العطب
وكما قال حميدان الشويعر:
تموت الأفاعي وسمها في نحورها
وكم من قريص مات ما شاف قارصه
وجريس هنا بمعنى "قريص" أو من "الجرس" بمعنى الكلام حين يفتري الشرير على البريء كلاماً ينسبه إليه قد "يوديه في داهية".
"تحديد المسؤولية"
ويرمز العرب بالكلب لتحديد المسؤولية وهذا موضوع عميق وهام، ومنه قول الشاعر:
ومن يربط الكلب العقور ببابه
فعقر جميع الناس من صاحب الكلب
فالمسؤول عن أي عمل يهم الناس إذا وضع بينه وبينهم رجلاً يعطل مصالحهم أو يفسد ويؤذي فإن المسؤول الحقيقي هو من وضعه.. أما هذا الذي يباشر الشر فليس إلا كلباً لذلك الرجل..
وقريب منه قول الأعرابي يوصي ابنه:
"يا بني، إن لكل قوم كلباً فلا تكن كلب قومك"!
فبعض الناس تجد في مجلسه أو مكتبه رجلاً طويل اللسان وقحاً مستعداً للعض والهجوم ينتظر أن يؤشر له صاحب المجلس بالنباح على فلان أو فلان من الجالسين (عند اللزوم) فلا يصدق حتى ينطلق بالنباح دفاعاً عن ولي نعمته كما يفعل الكلب، والعاقل إذا واجه موقفاً كهذا لا يشاتم هذا الصفيق الموعز له بل يلتفت إلى ولي نعمة هذا الصفيق فيقول له: (امنع عني كلبك!) ويشير باصبعه لذلك الصفيق باحتقار!
والعامة يقولون عن مثل هذا:
"كلب مأمور!"
(لا يضر السحاب نباح الكلاب)
ويضرب هذا المثل للرجل النبيل يغتابه بعض الحاسدين أو الحاقدين.. وهذا داء في بعض الناس قديم.. قيل لمسلم بن الوليد:
مَنِ السيد فيكم؟
فقال:
هو الذي إذا أقبل هبناه، وإذا أدبر اغتبناه..
الحسناء لا تعدم ذاماً، والناجح لا يعدم حساداً، ولكن هذا لا يضر الناجحين بل يدل على نجاحهم وحسد الفاشلين لهم فاعمل حفلة إذا نبحتك الكلاب!
يقول حميدان:
وهو مثل شط النيل ما هوب نقعه
إلى غط فيه والغ قيل ناجسه
والولوغ من صفات الكلب!
(اعوج من ذنب الكلب)
وكلمة (اعوج) أي مائل غير مستقيم، ويشمل هذا المعنى: المصر على الخطأ، والمعاند، وهو مثل شعبي وقد يكتفى بعبارة (ذنب كلب) للدلالة على عدم الاستقامة، وخاصة العودة إلى العادة الرديئة التي نهي عنها فوعد بذلك وسرعان ما عاد لها.. فإن ذنب الكلب لا يستقيم أبداً.. ولو وضعته في الجبس سنة ثم فككته عاد لاعوجاجه فوراً!
(نباح الكلب)
وترمز العرب لعدة أمور بنباح الكلب، ومنها:
1- الجبن: فالمثل الشعبي يقول (الكلب الذي ينبح ما يعض) وهذا صحيح فأخطر الكلاب وأشجعها أقلها نباحاً، وكذلك من يهدد ويتوعد قلما يفعل، ويقول الجاحظ عن الكلب الكثير النباح: "يدل على جبن الكلب كثرة نباحه فإنه يفزع من كل شيء وينبحه، والبرذون ربما رمح البرذون مبتدئاً، وقلق وصهل صهيلاً في اختلاط وليس ذلك من فضل قوة يجدها في نفسه على المرموح ولكنه يكون جباناً فإذا رأى البرذون الذي يظن أنه يعجز عنه أراه الجبن أنه واقع به فعندها يقلق، وإذا قلق رمح، وهذه العلة تعرض للمجنون فإن المجنون ربما وثب على من لا يعرفه وليس ذلك إلا أن المرة أوهمته أنه يريده بسوء وأن الرأي أن يبدأه بالضرب!!" كتاب الحيوان 155/1/ويقول المثل العربي "الكلب إذا أسن كان نباحه أقوى" وهذا بسبب ضعف جسمه!
ويقول الشاعر:
إذا الكلب لا يؤذيك إلا نباحه
فدعه إلى يوم القيامة ينبح!
ويقول الآخر:
ولو أن كل كلب عوى ألقمته حجراً
لأصبح الصخر مثقالاً بدينار
وهذا رمز للحاسدين والحاقدين الذين ينتقدون بسبب الحسد.
2- الازعاج والتنكيد:
قال شاعر في زوجته:
من منزلي قد أخرجتني زوجتي
تهر في وجهي هرير الكلبة
أم هلال أبشري بالحسرة
وابشري منك بقرب الضرة
وفي العامية يقولون عن المزعج السباب "يلطلط بلسانه مثل الكلب!".
فيرمز للمزعج طويل اللسان بأنه كلب نباح!
وكان حميدان الشويعر يعمل في مزرعته وهو مسن وابنه الشاب يراقبه ولا يساعده فقال:
مانع عندي ومقابلني
مثل كلب في منفوحه!
لا عاوني ولا ابعد عني
مثل ذيب مد شفوحه!
وهناك أسطورة شعبية بعنوان (كلب منفوحة) تقول: إن كلباً في منفوحة نهض صباح العيد وتمطى ثم قال في نفسه عيد الرياض أكثر لحماً وعظاماً من عيد منفوحة.. وأخذ يركض للرياض فوجدهم قد تعيدوا وفاته عيدهم، فرجع ليلحق بعيد منفوحة ففاته أيضاً..". هذه اسطورة قديمة حين كانت منفوحة بلدة صغيرة.. مستقلة عن الرياض.. وربما ضرب المثل في سوق الأسهم لمن باع سهماً واشترى بقيمته آخر فارتفع ما باع وانخفض ما اشترى!!