مـصطفى
تقريبا انتهى الشعر
بواسطة مـصطفى, 30th April 2020 عند 03:54 PM (346 المشاهدات)
لقد انتهى تقريبا الشعر؟!
هذه حكاية تقول وتعكس خيال صاحبها.
حين ينتهي القلب فوق هذه الأرض...قل لن تسرقه الأشجار ولن تأخذه مداميك الجدران.. ولا الحديد..عندها فقط سيموت الشعر الذي من جانب آخر ترتفع كلماته إلى صاحبها الإلهي، فيقع فارغ اليدين في أرضه من دون روح.
الشعراء في هذا الزمان حتى إن كان ينطبق عليهم " فين كلامكِ من كلام امرئ القيس" يبقى شيء أخير يعزيهم أنهم يعيشون حياتهم متدفقة بالمشاعر كاملة غير ناقصة...لا ينقصها سوى الفلوس!
أرسلت إلى منذر المصري رسالة مرحة كما هو اسلوبه فدعوته بحبيب الملايين. يعود الجواب منه يقول الملايين ليتها فلوس! نعم فالكتّاب- الشعراء العرب في أزمة لا حل لها إلا بالتخلي عن الجلوس إلى طاولة الكتابة. أزمة كبيرة وهم مازالوا يناضلون كمؤمنين حقيقيين يبذلون من أجل ذلك الغالي والرخيص- قل لم يعد يملكون الغالي فيبذلون ما ظل لديهم من رخيص... ما يملكون. وهذا الحد هو احد العوامل التي تساهم في بطئ الحركة الإبداعية وتخلفها- أرجو أن يقول الواقع غير ذلك!
حين قرأت دعاية ديوان منذر "الشاي ليس بطيئا... نحن سريعون" أوقفني العنوان كي أقول لنفسي والله هذا آخر الشعر! وكنت قد اطلعت على مقالة أو مقالتين لمنذر في جريدة كيكا ولم تستوقفني فتأكدت ظنوني أن الشاعر وكتابه زوبعة تنتهي عما قريب. أقيس نفسي الآن بمقدار التسرع الذي يخوض في الجهل. وهي حالة عامة لا يسلم منها أحد!
جريدة الحوار المتمدن الآن فينشر فيها منذر سبعة أجزاء من شايه واحدة وراء الأخرى مع تقديمه لها وكل مرة في الحوار المتمدن أجد هناك حلقة الشاي ليس بطيئا... حتى حملت نفسي على قراءتها.
أريد أن أتذكر كيف بدأ تعلقي؟ لا أعرف. لم يكن هناك عتبة عبور بل كان درج تدرج رأيت نفسي كما يرى النائم في نهاية الدرجات أنني أمام شاعر يفتح هوة في النفس ويغلقها...يحفر حفرته ثم يردمها. كان هناك شيء مختلف في شعره وأردت أن أنقب عن الشيء المختلف فقلت له في الرسالة الأولى هناك هوة في شعرك أريد أن أفهمها أو أحسها ورجوته أن يرسل لي بعض أعماله.
الشعر العربي المعاصر. أطال الله في عمر سعدي يوسف. هذا الشاعر العراقي الذي فتح مادة الشعر وتنسمها ثم راح ينشر روحها على مهل.
بالنسبة لي كنت قد قرأت....قلت لنفسي سوف امسك سر تقويم للفلك 2001 فقرأتها مرات على مدار شهر كامل كي أتعرف على تضاريس قصيدة ادونيس المذهلة: لا أسمع صوتها ماذا تقول هذه الأبجدية؟ يشك الشاعر في الغابات التي تفترش حقولها وينزل عليها صواعقه- قصيدة طويلة والربط بين مقاطعها يحتاج لاستيعابه إلى شمس المعارف.
أما الأمر مع محمود درويش وقصائده التي لا تحتاج إلى تحويلات لا بلاس كي يتم استيعابها، كانت هناك فسحة النفس مع شعره. شاعر يحول الزجاج إلى ماء.
في مصر. لقد ظل البعد عاملا والشعراء.. ربما هناك... لم أمسكهم على الشبكة كي احكم. إنني قارئ بطيء كسل لا أعرف الناس. أما في المغرب العربي...لقد منحني أحمد بوزفور في قصصه ( الشعرية) القصيرة مشاعر أن في هذا البلد البعيد أدب يكاد يقدم من جديد فتوحاته الصوفية التي تقول الحلم والحلول وكانت قصيدة أحلام مستغانمي الطويلة جاءت على شكل رواية مخاتلة لغة الجسد. يولد هناك أدب حقيقي يمّيل كفة الميزان نحوه. أما الشعر في المغرب العربي ...!
هل لي أن أكتب أكثر وأمد جهلي على طاولة النقد.. نقد القراء لي..لكن المسألة التي تدفعني هو أنني قارئ أيضا وإن كنت لم أسمع أو اقرأ عن شاعر هام فهو عطل في جهاز الثقافة العربي عطل شراكة وتوصيل... وبالتأكيد سيكون هناك ألوف مؤلفة مثلي...لم يسمعوا. ورغم ذلك فأن الأمر لا يمنعني من الكتابة عن الشعر العربي المعاصر.
هذا جهل بالتأكيد! فأنا لست مختصا ولم أراسل دور الكتاب والشعراء كي أضع قراءة متواضعة عنهم.
إنني فقط أقرأ الشعر العربي المعاصر في نفسي. أقول ما هو المانع من الكتابة عن نفسي؟
ستصيب هذه الرمية وإن أخطأت فأنها تخطئ في الكم وليس في النوع. لا تحضرني كل الرموز إلا أن ما أملكه كافيا لرسم علامة في المدى.
الآن.
يضع أزفولد شبنغلر في كتابه الموسعي تدهور الحضارة الغربية أبو النواس في أعلى درجات الشعر العربي المدني فهو قد أغلق طقوس قفا نبكي وبالتالي فتح الأبواب على مصاريعها لشعر عربي حديث يناسب قبة الجامع وتطاول مآذنه يناسب بالتالي رمز الكهف الباطني الذي استمدت منه الحضارة العربية روحها. لقد فعل ابو النواس الفتح الشعري في مدنية بغداد المدينة العربية مشعاع العالم آنذاك وجاء بمبدأ آخر يقرأ النفس العربية التي تمدنت وابتعدت عن البداوة. لقد كان ابو النواس سلما شعريا مشى على البعد الهندسي الثالث كي يأتي من بعده رينيه ديكارت مضيفا محورا ثالثا لقصة أقليدس.
كي يظهر أبو النواس، مثله، كان يجب أن يكون هناك حاجة عالمية تمور فيها قدرة الحضارة والمدنية. فهو الشاعر العربي الأول بامتياز. ليس المتنبي ولا المعري اللذين نلمس في أشعارهما كتابات اليونان وفلسفتها. فأبو النواس كان إذن القلب الشعري الذي حمل دماء صافية طازجة أول القطف يدخل في بستان العرب ساخرا من قفا نبك.
للأدب العظيم روح تولد من ديوان الحضارة التي أول ما تخطو في صيغ شعرية وتراتيل دينية تتلى حول المزارع والحقول. وإن اعتمدنا هذه النظرة فأنه لا نصيب لنا نحن العرب في أدب هذه الحقبة. لن تشير أعمالنا إلى الروح التي سكنت وتسكن الأرض الآن. فأدبنا لا أهمية له حيث لا يعكس مجتمعا مدنيا يكتب التاريخ الحديث. أدبنا سيشير إلينا نحن كي يكتب تاريخنا الهامش المضطرب الذي بالعرف ليس تاريخا أبدا لأنه لا ينقل حالة الإنسان فوق هذه الأرض. نحن المجتمعات الثالثة مخلفات أو بقايا حد التفاعل العالمي.
إذا ماهو حال الشعر العربي المعاصر، الأدب العربي بشكل عام؟
نعرف عن الغرب، وأننا نعرف عنهم أكثر مما نعرف عنا. ونحن لا نعرف أين مواقعنا. قراءة للحدث السياسي والأدبي في القرن الفائت يؤكد ذلك.
لو نتصفح الجرائد العربية، مواضيع الثقافة، نرى الدخول الأوربي فيها أما في الصحف الأجنبية الغربية فالجواب معروف يندر وجود دراسة عن عمل ثقافي من الشرق سوى دراسات سياسية لها علاقة بالوضع العام في المنطقة. هذه ليست مفاجأة فالكل يعرف هذه الحقيقة وهذه المعرفة دفعت الكثيرين إلى ترجمة أعمالهم أو الكتابة بلغة الغرب!
في هذا الزمن. الآن. حيث لا حضارة أصلا وكان كما قال شبنغلر الذي مد نسغه في جذور ابن خلدون، قال بأن سيف الحضارة يهبط الآن ( والكلام في العام 1927) وهو لن يمر إلا عبر مراقبة الإشارة وتجارب التقنية. لن يأت فاوست آخر.
من هذه النظرة فكلنا، كل العالم، إذن لن نكتب تاريخا أدبيا عظيما كما كتبه ابو النواس والجاحظ وفي ألف ليلة وليلة أو كما كتبه غوته.. كلنا في سلة واحدة. تاريخ الأدب العالمي -المعاصرة- قد أنكتب. فلماذا أبحث عن الجديد والخارق وعن مكر مفر مقبل مدبر؟
امرؤ القيس والشعر العربي الذي نصفه بالجاهلي كان هو الحالة الزراعية التي أغفلها إزفولد شبنغلر وبالتالي ما أهله كي يطلق على الحضارة العربية بأكملها بأنها حضارة كاذبة. لقد اعتمد على الزراعة كأساس لانطلاق أية حضارة: فأين الزراعة –زراعتنا في البادية؟