حسن هاشم
النظام السياسي العراقي ما بين الديمقراطية والمذهبية الكاتب شجاع محمود خلف
بواسطة حسن هاشم, 13th June 2019 عند 06:29 PM (580 المشاهدات)
الكاتب: شجاع محمود خلف
((النظام السياسي العراقي ما بين الديمقراطية والمذهبية))
لا زال الغموض، والتناقض يحيط بالنظام السياسي العراقي الذي بُنيَّ بعد الإحتلال الأمريكي للعراق عام(2003م)، ويدور هذا التناقض حول الخيارات التي يتبناها، بمعنى هل يتبع الخيار الديمقراطي أم المذهبي، وبشكل عام لا يمكن أن تلتقي الديمقراطية والمذهبية؛ لأنَّ كلاً منهما له أفكار مختلفة، على الرغم من ذلك إلتقتا في النظام السياسي العراقي وتحديداً في المواد الدستورية التي صاغتها أحزاب الإسلام السياسي التي سيطرت ولا تزال تسيطر على المشهد السياسي العراقي. فهي لا تريد التفريط بالديمقراطية في الوصول للسلطة، وبنفس الوقت لا تتخلى عن المذهبية للبقاء للسلطة لأطول فترة ممكنة، إذ نجحت جماعات الإسلام السياسي في الإعتماد على المذهبية في تحشيد الشارع والحصول على أصواتهِ متخذة من المذهبية غطاءً لها.
يمكننا في هذا الصدد نحدد مواطن الغموض، والتناقض التي يعاني منها النظام السياسي وذلك من خلال مواد الدستور العراقي الدائم، إذ تشير المادة(1) من الدستور العراقي بأن جمهورية العراق دولةٌ إتحادية واحدة مستقلةٌ ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوريٌ نيابي(برلماني) ديمقراطي. وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق، كما تشير المادة(2) اولاً الفقرة(ب)، والتي تتحدث بالنص عن لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادىء الديمقراطية.
يلاحظ من خلال هاتين المادتين: أن النظام السياسي نظام ديمقراطي بإمتياز، والديمقراطية كما عرفناها تؤمن بوجود الجميع بغض النظر عن خلفيات الأفراد القومية، والمذهبية، والعرقية؛ لكن الدستور ذاته الذي يعود ويتحدث في مواده عن مبادئ تتناقض مع الإتجاه الديمقراطي، حينما تشير المادة(2) اولاً: "الإسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدر أساس من مصادر للتشريع"، وفي الفقرة(أ) من ذات المادة تشير إلى: "لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام".
تكمن المشكلة هنا في التشريعات القانونية ذات الطابع المذهبي التي تسنها أحزاب الإسلام السياسي بالإستناد على هذه المادة، وهذا ما بدى واضحاً من خلال القانون الجعفري سابقاً، وقانون الأحوال الشخصية المعدل الذي وافق عليه البرلمان من حيث المبدأ مؤخراً، ويتحدث هذا القانون في أحد مواده ولا سيما في المادة(اولاً) الفقرة(أ) والتي تنص على: "يجوز للمسلمين الخاضعين لأحكام هذا القانون تقديم طلب إلى محكمة الأحوال الشخصية المختصة لتطبيق الأحكام الشرعية للأحوال الشخصية وفق المذهب الذي يتبعونه".والمادة(ب) والتي تنص على: "أن تلتزم المحكمة المختصة بالنسبة للأشخاص الوارد ذكرهم في الفقرة(أ) من هذا البند عند إصدار قرارتها في جميع المسائل التي تناولتها نصوص قانون الأحوال الشخصية رقم(188) لسنة (1959م) المعدل"، وغيرها من المسائل المتعلقة بالأحوال الشخصية بإتباع ما يصدر عن المجلس العلمي الإفتائي في ديوان الوقف الشيعي، والمجلس العلمي الإفتائي في ديوان الوقف السني وتبعاً لمذهب الزوج يصح أن يكون سبباً للحكم.
نرى أن هذا القانون يربط محكمة الأحوال الشخصية بالمجلس العلمي للإفتاء في ديوان الوقفين الشيعي والسني وهذا مخالف للنظام الديمقراطي الذي يقوم على أساس إستقلال السلطة القضائية؛ كما يشرعن هذا القانون وجود المذاهب بصفة مؤسسية، ويستمر وجود المذهبية في الدستور لتطال القوات المسلحة وتحديداً في المادة(9) اولاً الفقرة(أ) والتي تشير بالنص: (تكون القوات المسلحة العراقية والأجهزة الأمنية من مكونات الشعب العراقي بما يراعي توازنها وتماثلها دون تمييز أو إقصاء ...)، وكذلك تشير المادة(49) أولاً: "يتكون مجلس النواب من عدد من الأعضاء بنسبة مقعد واحد لكل مائة ألف نسمة من نفوس العراق يمثلون الشعب العراقي بأكمله يتم إنتخابهم بطريقة الإقتراع العام السري المباشر، ويراعى تمثيل سائر مكونات الشعب فيه". ويلاحظ وجود المذهبية في المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات، والمحكمة الإتحادية، والهيئات الدبلوماسية، وقبل كل هذا تقسيم الرئاسات الثلاث بين المكونات بالإستناد على على المذهبية، حتى أصبح عُرفاً؛ مع العلم أن الدستور لم يشر بمادة واحدة عن تقسيم الرئاسات على أساس مكوناتي، ومن ثم كل هذا المواد والأعراف السائدة تتنافى مع الإتجاه الديمقراطي الذي أشار إليه الدستور في المادة الأولى والتي أشرنا إليها سابقاً.
إذ نرى إنَّ النظام السياسي، أو أحزاب الإسلام السياسي تعتمد على المذهبية كأسلوباً للتفكير، ومنهجاً لعملها السياسي، وفي الوقت عينه لا تتخلى عن الديمقراطية كوسيلة للوصول للسلطة، ولا يمكن للنظام السياسي أن يحقق أهدافه ووظائفه في المجتمع ما لم يتم التخلص من التناقض الذي يعاني منه النظام السياسي.