عماد نوير

اللهجة المغاربية بين الغرابة و القرابة!

تقييم هذا المقال
بواسطة عماد نوير, 22nd March 2019 عند 11:36 PM (1073 المشاهدات)
اللّهجة المغاربية بين الغرابة و القرابة!
__________________________________
لنقل اللهجة و لا نقول اللهجات، و لتكن لهجة مغاربية قبال اللهجة الشرقية!
و حيث نعلم إن في البلد الواحد لهجات شتّى، تختلف الجنوبية منها عن الشمالية، كما الغربية عن الشرقية، و كذا الجبلية و الساحلية و الصحراوية، و تختلف المسميات نظرا لاكتسابها لونا جغرافيا و تاريخيا و تجمعا قبليا حسب ماهية و الشّكل الديموغرافي و الطوبوغرافي لكل بلد.
لذا دعونا نغض النظر عن الاختلافات الداخلية للهجات البلد الواحد، بل لنكن أكثر توسّعا و نندفع بعمق نحو حجب الفروقات بين دول متجاورة، مستفيدين من انسجامها و إمكانية تقاربها دون عناء يذكر، عكس الطرف البعيد الذي سيكون هو الآخر متقاربا مع جيرانه بصورة لينة، نسبة إلى أسباب كثيرة سنتطرق لها إن شاء الله.

تلميح هام
المغرب العربي حضارات متعاقبة لعل أبرزها و أكثرها وجودا الأمازيغية، فهي صبغة البلاد الأعم، و هي الأصل الأول الذي مازالت إلى اليوم تنتشر انتشارا كبيرا في كل البلدان المغاربية، قومية و لغة و عادات أمازيغية راسخة منذ آلاف السنين.
لكن الفتح العربي في زمن الأمويين، جعل البلاد تأخذ سمة عربية و طابعا إسلاميا، فبلاد الأمازيغ عرّبها الإسلام، لتنصهر في بوتقة دين محمد النبي العربي صلوات ربي عليه و على آلائه.

رأي شرقي
لا نود أن يكون القياس في قرب اللهجة من اللغة العربية، هو الانحياز للطرف الشرقي، و لا يكون المعيار في الوضوح لصالحه، و اعتبار اللهجة المغاربية تبدو غريبة عن أهلها، أو أنها تكاد تفقد هويتها الأم، فقط لأنني كشرقي لا أمتلك أدوات الانسجام السريع مع ثقافة هذه اللهجة.
و لن تكون تساؤلاتنا إلّا من قبيل التقريب و ترغيب من يستشعر بصعوبة فهم هذه اللهجة و إمكانية التكلم مع متحدثيها دون الاستعانة باللغة الفصحى، و كسر الحاجز النفسي الذي يجعل المرء يعلن سلفا بعدم قدرته التأقلم و مجاراة المقابل و العجز عن الفهم من لهجة مليئة بمفردات غريبة لم تألفها أذنه و لم تتكيف مع ترديدها لفترة وجيزة.
و للحق و الإنصاف، هل اللهجة المغاربية تبدو عصيّة الفهم على الشرقي! و هل إن مفرداتها في غاية الصعوبة من حيث إمكانية الحفظ.؟
و قبل الإجابة على ذلك لابد أن ننوه إلى أن اللهجة كلما ابتعدت عنك جغرافيا قلّت حظوظها في التأثير عليك، عكس التي تقرب منك أكثر فأكثر!
فالتأثير لا يقتصر على السفر و الاختلاط و التزاوج و تشابك العلاقات الذي بدوره سوف يكون حافزا و سلاحا قويا للاندماج في فهم متساو للهجات متعدده، بل أن الأمر يتعدى هذه المصاديق، فكلما قل حضورها في الشارع و التلفاز و علاقات النت و التسيّح الديني و التسيّح النزهوي، كلما صارت خاملة نسبة إلى نشاط غيرها من اللهجات الأكثر قربا!
فالدراما التلفزيونية و الأفلام السينمائية من الدول المجاورة سوف تكون مصدرا مهما جدا في فهم المفردات حين سماعها باستمرار، و هذا ما نراه من انتشار اللهجة السورية من خلال الدراما المكثّفة و هيمنتها على المسلسلات المدبلجة، فصار العرب يتفاهمون في كثير من الأحيان بهذه اللهجة دون أن يبيتوا الأمر لها.
و كذا الأمر لللهجة المصرية التي سيطرت أفلامها و مسلسلاتها على الوسط الفني العربي، و هذا الأمر لا يمكن نكرانه، حتى غدت القاهرة كعبة الإبداع الفني، و لا تمر الشهرة إلّا من خلالها، خصوصا المغرب العربي، فما كان لوردة الجزائرية أن تسطع في سماء الفن و تخلد في قلوب الملايين لو لم تنطلق من مرفأ الفن المصري بلهجته السهلة الخفيفة الجميلة، و كذا الحال لعزيزة جلال و سميرة سعيد و علية التونسية و غيرهم مما لا تحضرني الأسماء التي زيّنت سماء الفن العربي.
و يبقى السؤال مكررا هل اللهجة المغاربية صعبة على الأخ الشرقي؟
سيكون الجواب بوثوق الإيجاب حتما، و يدعّم ذلك بأن اللهجة المغاربية هي خليط متجانس من لغة عربية مندثرة و لغة فرنسية حيّة، و إن المفردات الفرنسية تغلب على المجمل في أي محادثة، و هذا الأمر لا يمكن تجاهله أو نكرانه، مع فارق عدم التضخيم كما تحضرني هذه المزحة الشائعة التي أسمعتني إيّاها دكتورة جزائرية تجيد معظم اللهجات العربية بطلاقة، حيث كان موضوعنا هذا الذي بين يدينا الآن، قالت:
يُحكى أن مصريا سأل جزائريا؛ هل صحيح أنكم تدخلون الكلمات الفرنسية في محادثاتكم بكثرة، فأجابه الجزائري مستنكرا على الفور؛ جامي Jamais!
مثال فكاهي يرسخ فكرة عند العرب أن اللهجة المغاربية هي لهجة فرنسية إن صحّ التعبير..
و يحضرني أيضا أني قرأت قبل أيام تغريدة لرجل خليجي ينعت اللهجات المغاربية بأنها ليست عربية و لا تصلح للتفاهم بين الشرق و الغرب ما لم تكن الفصحى حاضرة!
فكان الرد المغاربي جميلا و مثلجا، حين ذكّرهُ بأن مَنْ يمتع المشاهدين في قنوات بي ان سبورت هم الشوالي و خليف و جادة و الدراجي و غيرهم، و صارت كلمة برشا و بزاف من الكلمات الشائعة التي تطرب لها الآذان حين التعليق.

تأثير الاحتلال
رغم أن الاحتلالات قد أثّرت كثيرا على اللغة العربية في الأجيال اللاحقة، إلّا أنها كانت عصيّة على الطمس و الاندثار، و مثال ذلك الجزائر التي قد تكون الدولة الوحيدة التي مورس بحقها الفرنسة بدرجة مئة بالمئة، حيث ألغيت اللغة العربية و حل محلها الفرنسية في دوائر الدولة، لتأتي على البلاد حقبة مظلمة، كان لابد من التصدي لها و الحفاظ على أرث الأجداد، فحافظ الجامع و الكتاتيب و الغيرة العربية المتمثلة في العائلة المحافظة، و العصيان ضد المحتل و ركب موجة الثورة حتى التحرير، عاملا مهما في إبقاء نكهة اللغة العربية حتى في لهجة تعج و تغرق في مفردات فرنسية..
و هذا ما لم ينجُ منه دول المشرق العربي أيضا، مع فارق ظرفي مختلف، فالتأثير على أوجه دون حبس اللغة العربية في صدور الأجداد كما في المغرب العربي.
فدخلت كثيرا من الكلمات التركية و الفارسية و الانگليزية في لهجتنا حتى يومنا هذا، و دون لوم أي مغاربي لو أنه استصعب كلمة چرباية أو قريولة (سرير) أو چمچة (مغرفة) أو چطل (شوكة) ( فرشيطة) أو خاشوگة (ملعقة)!!
لابد أن تكون غريبة على مسامعه و لابد أن تكون صعبة الحفظ عليه أيضا لو أني طالبته بذلك، لن تكون سهلة عليه أيضا أن يعرف كلمات خليجية كقولنا وايد ( كثير، بزاف) أو بطّل (افتح، حل) أو لا تحاتي (لا تقلق) أو سجّيت (نسيت).

العالم قرية
الحداثة بدأت تكبر خطواتها بطريقة مخيفة، حتى كاد الغرب يختلط بالشرق و كل جالس مكانه لا يبرحه، و منذ أن دخل النت كل بيت صار الغريب قريبا، و الصعب صار سهلا، و التعلم صار سمة ملحّة كونك تكلم كل يوم أخوة من بقاع شتى، كان التفاهم معهم في يوم من الأيام من المعضلات الجسام!
رأيت في اليوتيوب قناة لفتى جزائري يحكي بإيجاز قصته في تركيا مع الجاليات العربية من العراق و سوريا و الأردن و غيرها من المشرق، حيث كان يقول بأنه يتحدث التركية و يتفاهم مع الأتراك و يبقى أمر اختلاطه مع العرب صعبا، فحين يتكلم الحضور جميعا يبقى هو صامتا، حيث لا أحد يستطيع أن يفهم لهجته لصعوبتها، و الذي أثارني و أضحكني في المقطع الذي قدمه، أنه كان تحت عنوان اللهجة الجزائرية من كوكب آخر، هكذا كان يُنظر إلى هذه اللهجة و هكذا كان التوجس مسبقا منها.!
كنتُ قبل ست سنوات أعتبر كل اللهجات المغاربية إنما لغات أخرى لا يمكن لي أن أفهم منها شيئا ما لم يتم ترجمته للفصحى.!
لم تتسنَ لي الفرصة لزيارة المغرب العربي، و ملامسة طيبة أهله عن قرب، لكنني استطعت أن أكون على دراية الزائر و المقيم من حيث فهم اللهجة، و إمكانية قد تبدو نسبية التحادث بها كتابة، و قد توافينا الشجاعة للخوض فيها نطقا..!
و يبقى مشروع زيارة المغرب عامل وقت لا أكثر، حتى يعطف علينا الوضع السياسي و الأمني و الاقتصادي الذي يمر به البلد حاليا.
رأيت في اليوتيوب أيضا قناة لفتاة عراقية كرّست مواضيع قناتها لنشر اللهجة الجزائرية للمجتمع العراقي، و محاولة تقريب بين الشعب المغاربي و شعب الرافدين من خلال مقارنات بين اللهجتين و العادات الشعبية للبلدين، و لا ننسى أن نذكر بأن لهجتها الجزائرية كانت رائعة ما جعل الجميع يحكم على أنها جزائرية و تدّعي عراقيتها، و مما ذكرته أنها لم تزر الجزائر بعد..!

جذور لغوية
أخي المغاربي
الأصل باق ذو جذور عميقة، لم يستطع الفرنسي و الإيطالي أو يقتلعها رغم جبروته و غطرسته، و نكهة اللغة الأم التي حفظتها المعاجم تفوح من مفردات قد تبدو لوهلة غريبة، لكنها حتما جاءت من أصول تشرّف و محل فخر.!
و أول المفردات هدر، و هو الهذر، و هو الكلام الكثير بلا معنى، و الهدر الكلمة الأكثر شيوعا للكلام في المغرب العربي من جذر الفعل هذرَ.
((خلينا لعجوز، خلينا نهدرو، هههه))
و كلمة بزّاف هي الأخرى شائعة و كثيرة الاستخدام، و هي من كلمة جزاف التي تعني لغويا الشيء الذي لا يعلم كيله أو وزنه، و الذي لا يعلم عواهنه.
((راني نحب العراق بالزّاف))
برك.. و كذا هذه الكلمة التي تعطي معنى(فقط) أو توقف، و هي و لا شك جاءت من البركة، البركة تعني إيحاء للتوقف عن الزيادة في الشيء.
((كتبتلك باش نقولك نحبك يا جدك))
زعما هذه الكلمة من جذر الفعل زَعَمَ يزعم، و هي من الكلام الفصيح وهو الظّن و الاعتقاد و القول..!
و هناك الكثير الكثير الكثير من المفردات التي تنتسب إلى قلب اللغة العربية، ككلمة فلوكة و هي الفلك التي تعطي معنى قارب أو سفينة، و كلمة نسقسيك، و جاءت من الاستقصاء أو السؤال و التأكيد بجدية في السؤال.!
و الأمثلة كثيرة و قد ذكرتها مقالات كثيرة تعرض اللهجة المغاربية إلى كل الأخوة العرب.

سؤال مشروع
عندما تحضر مشكلة عدم الفهم بين عربيين في مكان غريب عن كليهما سواء، تكون الفصحى هي الفيصل، و لكن عندما تكون اللهجة محل احترام لكل طرف تجاه الآخر، تنشأ العلاقة الودودة ذات الأخاء الصادق، حيث تحمل اللهجة كل ذكريات المرئ و عاداته و كينونة شخصه، خزين أمثاله الشعبية، و تراث غنائه، و ترانيم أمه في الليالي الطويلة، و أهازيج الأعراس و الأفراح، و فيها تغزّل بالحبيبة، و فيها أقسم لها ولاء الوفاء و فيها سمع منها ما أفرح فؤاده و أدمع عينيه.
من هنا يكون الجواب حين يسأل أحدهم ما الفائد من هذه الهذرة الطويلة، و ما الهدف من مقالة لها مختصرات في النت، الأمر لا يعدو محاولة لتعلم لهجة فقط، لكنها محاولة لتقارب حقيقي و روحي بين شعوب مازال الكثير يعتقد بعدم إمكانية الانسجام العفوي العربي معهم، فالكلام بلهجة المقابل، أو على أقل تقدير فهم سريع و بديهي لما يقال، هو إشارة جادة و صادقة لتقبّل الآخر أخا و صديقا و نديما، تشاطره أحزانه عندما يعبّر عنها بعفوية لهجته، و مشاركته أفراحه بالصيغة ذاتها..!

مصب واحد
تطرقنا إلى تشابه الظروف و الأسباب التي جعلت اللهجات شرقا و غربا تمتلئ بمفردات كثيرة لحضارات و لغات تحيط بها، فالخليج و وادي الرافدين و بلاد الشام و مصر و المغرب كلها أثقلت بمفردات تختلف من بلد لآخر لاختلاف البلدان المؤثرة بها..
فالخليج و العراق لم تتأثر بالفرنسية مثل الفارسية و التركية و الإنجليزية، و بلاد الشام و مصر تأثرت بالتركية و الفرنسية و الإنجليزية، و المغرب العربي تأثر بالفرنسية بشكل عام و الإيطالية و التركية و الأمازيغية..
و يبقى الجميل بالأمر اشتراك الشرق و الغرب بمفردات محلية، كلّ يعجب إذ يراها عند الآخر، و لابد أن يكون الجامع هو الأصل العربي العميق لها.
كقولنا شويه في العراق و هي ذاتها في الجزائر و المغرب و تونس، أو كلمة نوض التي تعني انهض التي يشترك بها العرب جميعا كونها فصيحة و لكنها قليلة الحظ أمام انهض..!
و يبقى هناك من المفردات التي تشترك في الشبه و تختلف في المعنى و الاستعمال، مثل كلمة زوالي التي تعني البائس الفقير في الغرب، و تعني مجموعة فرش في بلاد الرافدين.
و الخلاصة
اللهجات المغاربية ليست مرعبة كما كنّا نتصور، و إن إمكانية التفاهم بها و مجاراة المتحدث بها أمرا في غاية اليسر إن كان المرئ جادا في تعلّم هذه اللهجة أو تلك.

خاتمة
و لا نتمناها خاتمة حقا، بقدر ما سنجعلها خاتمة لهذا المقال (برك) الذي سوف نرى مثله أو شيء ذا صلة ذات يوم.
قرأت في الابتدائية في سبعينيات القرن الماضي:
بلاد العرب أوطاني
من الشام لبغدان
و قرأنا أيضا:
و إذا ثارت بوهران يد
قصفت رعدا ضواحي يثرب
و مازلنا تحاول جاهدين رغم المحاولات التي اجتهدت في تصديع الجدار الواحد بطرق شتى، و نكره التطرّق لها من باب المضي قُدما نحو الحب و الوئام و لا غيره.
مازلنا نحاول أن نكون واحدا محبا، لا متعددا كارها غيّب حكمتة و استفحل جهله.

مودّتي و التحيّات
عماد نوير


التصانيف
غير مصنف

التعليقات

تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال