حسن هاشم
لعنة الملائكة قصة قصيرة للكاتبة والتشكيلية شارا رشيد
بواسطة حسن هاشم, 15th August 2018 عند 12:18 AM (553 المشاهدات)
أكملت يومها المعتاد الذي يمر منذ أكثر من عقدين بنفس أيقاعه السريع دون أن يخطأ تكرار تفاصيله . أستيقظت (حياة) باكراً تعد الشاي والأفطار ممزوجاً بحرصها على تفادي تأخر أي من أفراد عائلتها عن موعده, غادر الجميع وباشرت هي بغسل الصحون و الأكواب وتنظيف الطاولة , ثم أسرعت تغير ثيابها وتضع على وجهها كمية من مساحيق التجميل كافية لأخفاء آرق ليلتها الماضية , هي دائماً تصل الى عملها في الوقت المحدد دون أدنى تأخير, وتجتهد في تأديته بأخلاص وتفاني كبيرين أكسبها محبة وأحترام زملائها وزميلاتها ,لم تكن وظيفتها خارج المنزل تختلف كثيراً من حيث التفاصيل وتكرارالروتين عن ما تؤديه داخله , فالمربية في رياض الأطفال ماذا عساها أن تقدم سوى الخدمة والرعاية لهؤلاء الصغار وأحاطتهم بالعناية والمحبة , وربما كان لوظيفتها تلك مزايا جعلت من حياتها الأسرية التي تتسم بالعطاء ونكران الذات المستمر صيغة مقبولة تماماً معظم الوقت ,أو ربما كان أحدهما أمتداداً للآخر . عادت بعد الثانية ظهراً الى بيتها تستبق خطواتها بغية الوصول قبل الزوج والأولاد ,فليس من المستحب أن ينتظرها الآخرون بجوعهم وتعب يومهم ,أعدت لهم الغداء وقدمته لا تنتظر كلمة شكربقدر ما يهمها أن ينهوا طعامهم بسرعة ليتوفر لها وقت قصير تقيل فيه وتنزع عنها تعبها لتعاود أكمال يومها بالتنظيف وغسل الملابس حتى يحين وقت الغروب ,وقتها المحبب الذي لا تتنازل فيه لأحدهم عن سقي حديقتها الصغيرة المسيجة بشجيرات الآس والياسمين ,تتفقد أصص الأزهار الموزعة بأنتظام في الأركان والزوايا , تحش العشب وتنظفه من الأوراق المتساقطة ,يرافق ذلك أستماعها لأغاني عراقية قديمة تنبعث من راديو صغيرتضعه على طاولة أتخذت من وسط الحديقة موضعها كانت قد ورثته عن أبيها الذي كان مغرماً بزهور حسين وسليمة مراد ولميعة توفيق ولا ينفك يردد :(هذا الحلو كاتلني يا عمة...) متى ما لمح جارتهم أم نيران الأرملة ذات الأربعين تمر من قبالة بابهم تمسك بيد أبنها الصغير ذو الخمسة أعوام ,حيث كان يسمع وقع خطاها متى ما مرت فيسارع الى الباب يفتحه ويتطلع الى قوامها الممشوق وطولها الفارع وبياض عنقها ووجهها الذي ينافس البدرفي ضيائه كما كان يصفها كل مرة تمر فيه من قبالتهم تقصد السوق أو تزور فيه أحدى جاراتها في الحي , فلا يسعها وأخوتها الآخرين سوى الجلجلة بضحكاتهم ورميه بنظرات ملئها المحبة , يسكبون له أستكان الشاي الذي أعتاد أن يشربه في حديقة المنزل مكانه المفضل من الدار.لم تكن تشعر بمضي الوقت وهي تستعيد تلك الأيام التي ذهبت الى غير رجعة ,أما مسلسل العاشرة فلا يفوتها حتى وأن كانت أكوام الملابس تتنتظر من يكويها ,فالدراما اليومية صار هاجسها اليومي حالها في ذلك حال معظم النساء قريناتها ,لم يكن لـ (حياة) ما تفعله خلال يومها أكثرأهمية من أداء واجباتها المنزلية وممارسة أمومتها الفذة التي طالت ذاتها ورغباتها وقضت على كل ما هو خارج دائرة البيت والعائلة والزوج.أنقضى يومها مثلما تنقضي الحياة برمتها بحسب ما كانت تقول ,دخلت الحمام لتأخذ دشاً ساخناً تنزع به تعب يومها ,ومن ثم قصدت غرفتها وتهاوت على الفراش لتحضى بساعات نومها , لكن واجباً آخيراً كان ينتظرها , الواجب الذي يحميها من لعنة الملائكة حتى الصباح ,أبتسمت في وجهه وقامت بذلك على أتم وجه وبتفان عال, وكأنها جندي مخلص كرس حياته لخوض تلك المعركة .