جلال زيد

ملامح شهيد / جلال زيد

تقييم هذا المقال
بواسطة جلال زيد, 5th January 2018 عند 06:12 PM (466 المشاهدات)
بسم رب الشهداء


ملامح شهيد

( ملاحظة هذه القصة حقيقة وقد كتبها أخو الشهيد )


في أحد القرى الريفية اليمنية المعانية .. وفي أحد البيوت التي تضج بالجراح والآلام .. وتلتحف رداء الفقر والبؤس .. ويعج بالصراعات والمكابدة والمعاناة .. وفي عام 1995 م تقريبا ..
هناك تفتحت حدقات هارون وارتفع أصوات بكائه في عنان السماء .. واشرق بوجهه على الأرض ليبدأ مع هذا الاشراق حياة ملؤها العناء والعناء والعناء ..
الوالدة : يالله ما ابها هذه الصورة وما أجمل ما حملت به .. الله .. ماهذا بشر كأنه كوكب دري ..
النساء : ماشاء الله ماشاء الله مبارك لكم مولدكم الجديد ..
الوالد : الحمد لله الذي سهل لزوجتي ولادتها في البيت ولم يعكرها .. فأنا لا أدري من أين اتي بالمال لكي اسعفها ..

تمر ايام الطفولة .. وكلما مر يوم زادت فيه المعاناه .ِ. وزاد هارون إشراقا وجمالا ..
تملكت به طباع الخشونة والصلابة ..
حتى إذا بلغ مبلغ من العمر ..
الوالدة : يا علي ابنك مريض مريض جدا .. ماذا نفعل أصبح لا يحرك يده اليسرى أصيب ولدي بالشلل ماذا نفعل ..
الوالد : اتق الله واستعيني به وقولي يا الله
سأرى من أين سنقترض مالا لكي نذهب له إلى المشفى ..
مرت الساعات والأيام وحالة الطفل تزداد سوءا يوما بعد يوم ..
اخذه والداه إلى المستشفى .. وهناك كانت الصدمة

الطبيب : حالة ابنكم خطيرة جدا .. قد يصاب بالشلل النصفي وقد يموت .. ولايوجد لدينا طبيب مختص هنا عليكم الذهاب به إلى العاصمة ..
الوالدين : يالله تعلم حالنا وفقرنا من أين سنتدبر المال .. يالله ارحمنا لضعفنا وارحمنا لفقرنا وعجزنا ..

اليوم التالي :
سهل الله مبلغ بسيط للأسرة واخذا صغيرهما للعاصمة .. وهناك كانوا يذهبون بالطفل إلى المستشفى ويعودون به إلى أحد منزل اقربائهم لكي يناموا وأيضا يدخروا مالهم ..

بدأ الصغير يشرق من جديد بعد أن كادت شمسه تغرب إلى الأبد .. وفجأة وفي أحد الأيام وفي ظلمة الليل اشتد المرض به وهو في المشفى كاد يفقد حياته ..
ولكن الحمد لله لقد نجا ..
في صباح ذلك اليوم اخبر والدته قصة عجيبة يقول الشهيد : كنت مريض جدا وكدت أموت .. حتى أنني رأيت أشخاص ( شيب ) لهم لحىً بيضاء ولباس ابيض ووجوههم تشع بالنور .. وهم يتقدمون نحوي .. كلما كانوا يقتربوا كانت عيني لاترى وجووهم بسبب نورهم ..
فجأة ..صرخ أحدهم من بعيد هااااي توقفوا ليس هذا ليس هذا إنه ذلك العجوز .. وحينما ذهبوا ابتعد الألم وخف المرض كثيرا .. وفي الصباح سمعت أن رجلا عجوزا كان في المستشفى قد توفي ..

العودة للحياة
شفي من مرضه أخيرا .. بعد أن اجتهد أهله في تحصيل نفقات علاجه ..
بدأ الدراسة .. أصبح نموذج يضرب به في الذكاء والفطنة والأدب .. وكان من أفضل الطلاب في المدرسة ..

كبر وكان كلما يكبر كانت تكبر معه همومه واوجاعه ومسؤلياته .. وكلما كان يكبر كانت تكبر شخصيته الرزينة والهادئة ويكبر معها غموضها ..

بعد سنوات ..

وبدايات انطلاق شرارات الثورة .. التحق هارون بصفوف الثوار ليأخذ دورة ثقافية ومن ثم يشغر مكان الفراغ في أحد المؤسسات الحكومية ويعمل كجندي بسيط فيها ..
حدثت له قصة غامضة جدا في مكان عمله .. لا يعرف تفاصيلها إلا هو ومن كان معه ..
التحق بالقوات التي طهرت محافظة أب .. ومن ثم عاد إلى موطن رأسه ليعود لعمله السابق..
استشهد أحد زملائه الأفذاذ .. حينما كانوا يقومون بدورية في مديرية جهران لتأمينها ..
وهنا زادت المعاناه وازداد الألم ...
التحق بصفوف النخبويين ليتدرب .. فأخذ عدة دورات كانت اهما
العسكرية والخاصة والتأهيل .. والاشراف .. وفي كل دورة كان الشهيد من أبرز واوئل المتميزين ..
شارك في كثير من الجبهات والمحاور كان أهمها جبهة صرواح وميدي .. حيث كان الشهيد مشرف لفصيل ..
الجدير بالذكر والملفت في حياة الشهيد السعيد أنه حينما كان يعود كان يضع سلاحه في البيت ولا يتكلم بما يحدث له مطلقا .. مهما كانت المعاناة ..
وأذكر مثالا واحدا حين كان في جبهات الشرف مع أحد ابناء قريته وبعض زملائه .. تعرضوا لقصف شديد واصيب الجميع .. واستشهد أحد زملائه أما هو فقد اخذته الضربة إلى جوار حجر ليضرب بها رأسه ويصاب بعدد الشضايا ويفقد الوعي .. ويختفي ..
أما ابن قريته بعد ذهاب الطيران وخلو السماء منها كان يبحث جاهدا .. يبحث ويبحث فلا يجد شيء ..
وعاد إلى قريته حاملا خبر شهادته ..
لتضج القرية بخبر شهادة أحد أبنائها .. وبعد مرور نصف شهر تقريبا يعود البطل حيا سالما إلى قريته
وفي اثناء زيارته للبيت
أبي : اطلب منك أن تزوجني كي أكمل ديني والقا ربي متزوجا .. وقبل أن استشهد ..
كرر هذا الكلام لوالدته .. وهنا فعلا .. ربطت الأم والأب بطنيهما بحجر .. وشمر كلاهما ساعديه وبالذات والدته .. وأخيرا تزوج .. وتزوج ..
أمي : بني إياك أن تلهيك زوجتك عن الجهاد في سبيله ..
هارون : أنا يا أمي أكاد اطير من هنا فوالله لم ولن يطيب لي نوم منذ أتيت من الجبهة مكاني هناااااك هنااااك

زوجته : بالله عليك ابقى معي أكثر الا تخجل ماذا اقول لاسرتي حين تذهب سيقول الجميع ذهب وتركها ولم ينتهي شهر العسل بعد ..
شهر أو شهر ونصف من زواجته .. التحق من جديد إلى الجبهات ولكن قبل هذا أخذ دورة جديدة ( صواريخ موجهة وكورنيت ) نال استحسان الجميع كما في كل الدورات السابقة فهو كان متميز جدا جداً .. وعُلقت صورته كما عُلقت في بقية معسكرات التدريب على أنه من الشباب المتفوقين ..
عاد بعد شهر تقريبا إلى البيت .. واستقبله الجميع بمشكلة جديدة في البيت مع زوجته وخلافات عائلية .. يضطر بعدها لترك البيت مع زوجته ..
شهر ونصف قضى معها آخر أيامه مع زوجته .. ليعود إلى جبهات القتال .. وهذه المره سيذهب سيذهب ولن يعود .. امه وإخوته .. كانوا يتوقعون شهادته .. فهم كانوا يروا الشهادة في عينيه ..
وذهب ..
في جبهة البقع ..
زحف كبير تقدمه تمشيط مدفعي وجوي من قبل العدو السعودي على منطقة نجران بالكامل ..
اخذ بندقه وقبضته وبعض الصواريخ الموجهه .. ويصعد فوق أحد جبال البقع العاتية ..ليكون في مقدمة المعركة ..
أحد المجاهدين : هارون جهز رسولك هذه آلية عسكرية ..
هارون: ( وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى )
سدد نحو تلك الآلية .. وحولها إلى رماد
الله أكبر الموت لأمريكا الموت لإسرائيل اللعنة على اليهود النصر للإسلام
زميله : وهذه إليه ثانية ..
هارون : كرر ما قاله ..
وثالثة ورابعة .. وو..
هارون : نفذت الذخيرة مني أحتاج إلى تغطية .. زميله : معنا الله يا أخي .. يواجهون ببنادقهم أحدث الاليات المجهزة بأحدث الاسلحة والمدرعة ..
قوات العدو : إلى مركز العمليات .. هنالك تمركز لعنصرين أو ثلاثة في أحد نقاط الجبل لديهم عدة صواريخ وقد احرقوا عتادنا ومنعوا تقدمنا .. أرسلوا لهم هدية ..

الأم : كنت أصلي صلاة المغرب والعشاء وبعد أن انتيهت من صلاتي بدأت أدعو لولدي وللمجاهدين .. وفجئة وإذا بي أرى ولدي حاملا بندقيته وقبضة إطلاق الصواريخ مع أحد زملائه في جبل اسود .. وكان يقفز بين احجارها ... وبعدها رأيته يسقط ففزعت كثيرا وانشق قلبي .. وانشلت حركتي .. فعلمت حينها بأن ابني قد استشهد .

شعر هارون بقرب شهادته ... وقف وتوجه نحو زميله وابتسم .. ليفارق هذه الحياة..

أمنيات الشهيد الثلاثة

حدثتني زوجته أنه قال ..
زوجتي : لقد حقق الله لي امنية من ثلاث أمنيات كان إحداها أن اتزوج وها أنا ذا وبقيت اثنتين أن أصبح ابا لولد اسميه ( زيد ) والثالثة أن استشهد ..

وفعلا تزوج .. والآن زوجته حامل .. ننتظر أن تضع وليدها .. واستشهد ..

هنيئا له الشهادة هنيئا أبا زيد...
( أنتم السابقون ونحن اللاحقون )


#جلال_زيد
الكلمات الدلالية (Tags): جلال زيد
التصانيف
غير مصنف

التعليقات

تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال