‫مــراد الـســامعي‬‎

(تفخيخ المستقبل...)

تقييم هذا المقال
بواسطة ‫مــراد الـســامعي‬‎, 28th December 2017 عند 09:39 PM (373 المشاهدات)
"تحدث في العالم أشياء لا تصدق، فهناك بالضبط على ضفة النهر الاخرى توجد كل أنواع الأجهزة السحرية؛ بينما نواصل نحن العيش كالحمير" هكذا تحدث(بوينديا) بحرقة (لأرسولا) في مطلع رواية (مئة عام من العزلة) (لماركيز)
كان (بوينديا) يحاول جاهدا اللحاق (بالغجر) ويريد أن يسبقهم بأفكاره، لكن المحيط هو من قضى على دأبه.

على الضفة الاخرى، بالضبط حيثما نقف نحن تماما، هناك أشياء كثيرة لا تصدق، دمرت المدارس، والجامعات، وما بقي منها، فإما ثكنات عسكرية، وإما ثكنات طائفية سياسية.
نحن لا نعي ما يحدث حولنا، أو ربما نعي ولكن لا نملك من الأمر زمامه.

المدارس في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون تعيش مرحلة مخزية لا تقل عن المدارس في المناطق التي يسيطر عليها الطرف الآخر.
في إحدى المرات سمعت أمرأة تحدث جارتها كيف أن المعلمة في المدرسة نعتت ابنتها بالجبانة، والعميلة، وألفاظ أخرى بذيئة كونها امتنعت عن الخروج في مظاهرة (سياسية) دعت إليها مديرة المدرسة بطلب (منهم )، بعد ذلك أشارت المعلمة أن الأمر اختياري، وليس اجباري وبهذا كانت تنتظر من هي العميلة التي ستمتنع هي الأخرى عن الخروج؛ مع العلم أن الطالبات أعمارهن أقل من خمسة عشر عاما، أما البنين فلا نقاش في الأمر.

كان لـ(بوينديا) أفكار جنونية وهو يتابع الفلك، فكانت (أرسولا) تتهمه بالجنون، وتأمره أن يبتعد بأفكاره دون تلويث عقول الصغار؛ كأن يقول لهم مثلا: " إن الأرض مدورة مثل البرتقالة " وكما جرت العادة وتجري كان مجرد الحديث في هذا الأمر كفرا، وفسقا ، وزندقة حتى حين؛ وحتى اللحظة ما زالت الأفكار في صراع دائم لكن دائما ما ترجح كفة العلم في مثل تلك الصراعات.

إن الأشياء التي نفعلها نحن لا تمت لذلك بصلة فهي على النقيض تماما، وهي أفكار سندفع ثمنها الكثير فوق ما دفعناه، وما ندفعه، فالطريق التي يلقنون فيها الأجيال الناشئة الغباء المدروس، والمجد ، والخلود للسلطان، ويوزعون الجهل بالعدل على مستوى المدرسة، والجامعة، ويعلمونهم كيف تحدث الخوارق، والتسليم لذلك، دون مناقشة أمر الخارقة، فهذا سيجعلنا نضطر للسير حفاة على الزجاج المهشم، في أرض زلقة، وحارة.


العزلة التي نعيشها نحن لا يمكن أن تقارن بشكل من الأشكال بعزلة (موكوندو)، فمئة عام من العزلة، ربما تكون كفيلة بتفتحهم، وانفتاحهم على العالم، أو انقراضهم، لكن حينما يرتبط الأمر بتلقين خاطئ، ووهمي للأجيال القادمة، حتى يصل إلى الجامعات، ومرتاديها من الطبقة الأكثر تفاعلا، وفعالية في المجتمع، ففي هذه المرحلة يكون المستقبل مفخخا تماما، وقابل للتفخيخ، لنحصل في نهاية المطاف على صدق نبوءة (ماركيز) في جملته الأخيرة من ذات الرواية " لأن السلالات المحكومة بمئة عام من العزلة ليست لها فرصة أخرى على الأرض"

مـــراد السامعي
التصانيف
غير مصنف

التعليقات

تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال