حامد نور العوادي
السفر
بواسطة حامد نور العوادي, 15th December 2012 عند 11:40 PM (499 المشاهدات)
يجد الناس في الأسفار والرحلة إلى الأمصار فرصة للاستجمام والراحة من متاعب الحياة ومشاغلها ، وسبيلاً إلى الوقوف على عجائب البلدان ، وبدائع الأوطان ، ومصارع الأمم الغابرة ، مما يزيد العبد يقيناً بعظمة خالقه وبديع صنعه ، كما قال ربنا في محكم كتابه : { وفي الأرض آيات للموقنين } ( الذاريات:20) ، وقال أيضاً : { قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين } ( الأنعام : 11 ) .
وإذا كان الترحال من جملة الحاجات البشرية التي لا غنى عنها ، فقد وضعت الشريعة له من الضوابط والآداب التي تجعله لا يخرج عن إطار التعبّد لله جلّ وعلا.
فعند العزم على المسير ، جاءت السنّة النبوية بالإرشاد إلى صلاة الاستخارة ، وقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يعلّم أصحابه الاستخارة في الأسفار بل في شؤون الحياة كلّها ، كما جاء في حديث جابر رضي الله عنهما قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كما يعلمنا السورة من القرآن " رواه البخاري .
والاستخارة سنّة نبوية يعلم منها المسافر إن كان الخير في بقائه أو رحيله ، وفيها تربيةٌ للمسلم أن يربط أمورها كلّها بخالقه ومدبّر أموره ، فلا يُقدم على شيء ولا يتأخّر عنه إلا بعد أن يستخير الله ويفعل ما ينشرح له صدره ، ثم إن في الاستخارة إبطالٌ لما كان يفعله أهل الجاهليّة من زجر الطير أو سؤال الكهّان والعرّافين ، أو غير ذلك من أنواع الدجل والخرافة .
ومن وصايا النبي – صلى الله عليه وسلم – للمسافر تعهّد المركبة وإعداد العدّة ، اختيار الرفقة الصالحة ، والسفر مع الجماعة ، والنهي عن الوحدة ، حمايةً من الأخطار المحتملة ، ووقاية من كيد الشيطان ووسواسه ، فقد جاء في الحديث الصحيح : ( لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم، ما سار راكب بليلٍ وحده ) رواه البخاري ، وهذا هو المقصود من قوله – صلى الله عليه وسلم – في الحديث الآخر : ( الراكب شيطان ، والراكبان شيطانان ، والثلاثة ركب ) رواه أبو داود والترمذي ، يقول الإمام الخطابي : " معناه أن التفرد والذهاب وحده في الأرض من فعل الشيطان ، وهو شيء يحمله عليه الشيطان ويدعوه إليه ، وكذلك الاثنان ، فإذا صاروا ثلاثة فهو ركب : أي جماعة وصحب ".
ومن سنن النبوة الإمارة في السفر باختيار من يتولّى شؤون الرحلة ويحدّد مسيرتها ، وقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يأمر أصحابه إذا ارتحلوا أن يجعلوا عليهم أميراً، حتى يكون رأيهم واحداً، ولا يقع بينهم الاختلاف، وكل ذلك حرصاً منه عليه الصلاة والسلام على لزوم الجماعة وتجنب أسباب الفرقة.
وكان من هدي النبي – صلى الله عليه وسلم – أيضاً السفر يوم الخميس في أول النهار، فعن كعب بن مالك رضي الله عنه قال : " لقلَّما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إذا خرج في سفر إلا يوم الخميس " رواه البخاري ، ويكون خروجه أوّل النهار ووقت البكور لفضله وبركته ، كما قال – صلى الله عليه وسلم - : ( بورك لأمتي في بكورها ) رواه الطبراني .
كما ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – جملة من الأذكار والأدعية التي يقولها المسافر ، وتكون بإذن الله سبباً في حفظه وتوفيقه ، منها أن يقول إذا ركب على دابته، واستقر عليها : ( الحمد لله، سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا الى ربنا لمنقلبون، ثم يقول: الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، سبحانك إني ظلمت نفسي، فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ) رواه أبو داود ثم يقول: ( اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا ، واطْوِ عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر ، والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وَعْثَاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب، في المال والأهل ) رواه مسلم ، وفي رواية الإمام أحمد : ( اللهم اقبض لنا الأرض ، وهوّن علينا السفر ) ، وله أن ينوّع في الدعاء فيقول : ( اللهم اصحبنا في سفرنا ، واخلفنا في أهلنا ، اللهم أني أعوذ بك من الحور بعد الكور ، ودعوة المظلوم ، ومن سوء المنظر في الأهل والمال ) رواه الترمذي ، والمقصود بالحور بعد الكور : فساد الأمور بعد صلاحها .
ومما ورد عن النبي – صلى الله عليه وسلم - من الأذكار أثناء المسير التكبير عند الصعود والتسبيح عند الهبوط ، ففي حديث جابر الطويل في صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال: ( كنا إذا صعدنا كبرنا، وإذا نزلنا سبحنا ) رواه البخاري ، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان إذا قفل – أي : رجع - من غزو أو حج أو عمرة ، يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات" رواه البخاري ، وكان عليه الصلاة والسلام يوصي بذلك ، كما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال : " يا رسول الله ، إني أريد أن أسافر فأوصني " ، فقال له : ( عليك بتقوى الله ، والتكبير على كل شرف ) .
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل قرية أو شارف على دخولها، قال:- ( اللهم رب السماوات السبع وما أظللن ورب الأرضين السبع وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما ذرين، فإنا نسألك خير هذه القرية، وخير أهلها، ونعوذ بك من شرها، وشر أهلها، وشر ما فيها ) رواه النسائي .
ومن سنن النبي – صلى الله عليه وسلم – الاستعاذة عند النزول في أرضٍ من شرّ ما فيها من المخلوقات الضارّة ، فكان يقول : ( أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ) رواه مسلم .
وفي وقت السحر كان النبي - صلى الله عليه وسلم – يقول : ( سمع سامع بحمد الله ، وحسن بلائه علينا ، ربنا صاحبنا وأفضل علينا ، عائذا بالله من النار ) رواه مسلم ، ومعنى الدعاء : شهد الناس على حمدنا لله تعالى على نعمه وأفضاله وحسن بلائه ، اللهم صاحبنا في السفر ، وأجزل علينا نعمك ، واحفظنا من كل سوء ، وأعذنا من النار .
فإذا عاد المسافر إلى وطنه ، ورجع إلى أهله، دعا بنحو ما دعا به عند خروجه ، ويزيد عليه قوله : ( آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون ) رواه البخاري .
ومن الهدي النبوي الدعاء للمسافرين عند وداعهم ، والوصية بتقوى الله عزوجل ، كما ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه كان يدعو للمسافر بقوله : ( أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك ) رواه الترمذي ، ودعا عليه الصلاة والسلام لأحدهم فقال : ( اللهم اطو له الأرض ، وهوّن عليه السفر ) رواه الترمذي ، وجاء إليه رجل فقال : يا رسول الله ، إني أريد سفرا فزودني ، فقال له : ( زوّدك الله التقوى ، وغفر ذنبك ، ويسر لك الخير حيثما كنت ) رواه الترمذي .
وإذا كان السفر قطعة من العذاب -كما صحّّ بذلك الحديث – فقد جاءت الشريعة بالتخفيف في الأحكام والترخيص في العبادات ، من ذلك قصر الصلاة الرباعية ركعتين والجمع بين الصلاتين ، والفطر إذا شق الصوم، والمسح على الخفين مدة ثلاث أيام بلياليهن ، ولم يحفظ عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه صلّى في أسفاره السنن الرواتب، إلا سنة الفجر والوتر، فإنه لم يكن يدعهما في حضر ولا سفر.
ومن جملة التخفيفات التي حفلت بها السنّة : إباحة الصلاة على الراحلة للمسافر في النفل دون الفريضة ، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي في السفر على راحلته حيث توجهت به ، يومئ إيماء ، صلاة الليل إلا الفرائض ، ويوتر على راحلته " رواه البخاري .