جميل مانع البزوني
الشباب والاهتمام بالشكل
بواسطة جميل مانع البزوني, 29th January 2017 عند 04:14 PM (331 المشاهدات)
الشباب والاهتمام بالشكل
منذ أن بدأ المسير نحو كربلاء قبل أسبوع والخواطر تمر على بال أحمد وهو يستعد للمشاركة في الخدمة التي تعود على المساهمة فيها في كل عام.
لكن أحمد في أيامه الطبيعية يهتم كثيراً بشكله ويعيره كثيراً من الوقت، ويختار ملابسه بعناية،كما جرت عادته منذ سنوات، وهذه المناسبة فيها أعمال كثيرة وتحتاج الى جهد كبير، ولا يبق هناك مجال للاهتمام بالشكل، وفي كل عام يستعد بملابس جديدة ومنظر جميل لكنه ينسى في كل عام ذلك ويبدأ العمل دون أن يجد الوقت الكافي للاهتمام بشكله، وبعد ان ينتهي الموسم الحسيني يعود ليتخذ قراراً جديداً بالتعويض في الموسم القادم، ويفشل في كل عام في تنفيذ ما خطط له وتعود الحسرة عليه من جديد ...
وخلال تلك السنوات التي مرت على أحمد في الخدمة لم يتوقف يوماً على سبب إصراره على هذا الاهتمام بالرغم من أنه رأى الكثير من الشباب المؤمن من شتى الدول، ومع ذلك لم يلتفت الى هذا الأمر عندما كان يراهم ويرى أوضاعهم وما يلبسون أثناء الزيارة.
وفي هذا العام كان يوجد معه في الخدمة شاب من دولة أجنبية وأصله من العراق، وكان يعيش في الخارج، واختار هذه السنة أن يشارك في الخدمة مع الشباب الموجودين في الموكب الحسيني، ولما كان هذا الشاب من دولة اجنبية فان الفرصة كانت مؤاتية جدا حتى يناقش أحمد معه هذه المسالة لأنه يعلم أن الاهتمام المذكور بالشكل هو ثقافة سبق الغرب الى الإهتمام بها، وأن صديقه الأجنبي سيبين له الهدف من الإهتمام والغاية وتأثير عدم الاهتمام بالشكل على وضعية الشاب في نظر أبناء المجتمع.
وبينما كان أحمد وصديقه الأجنبي (حسن) يعملان في الخدمة قال له أحمد: انني أرغب أن تكون معي في غرفة الاستراحة؛ حتى نتحدث في بعض الأمور.
رحب حسن بالفكرة لأنه أيضا كان راغباً في التعرف على خصوصيات المجتمع في هذه البلاد، وبعد انتهاء الأعمال الخاصة بالموكب واستقر المقام بالصديقين في مكان النوم والاستراحة بادر أحمد بالسؤال قائلا: إن الشاب في الغرب حسب معلوماتي لا يعاني من مشاكل في المجتمع، ويعيش بصورة طبيعية دون أن يواجه مشاكل كما هو حال الشاب في مجتمعاتنا الشرقية؟
استغرب حسن من هذا الكلام ورد قائلا: من قال لك هذه المعلومات غير الصحيحة؟
قال أحمد: هذا ما نعرفه نحن الشباب عن المجتمع الغربي؛ ولذلك نتمنى أن نكون هناك حتى نكون معهم وننعم بما ينعمون به من أمور جيدة.
قال حسن: إن كلامك هذا مجرد إعلام ليس له واقع دقيق صحيح فإن بعض الأمور التي نحصل عليها في الغرب غير موجودة في مجتمعاتكم الا اننا في نفس الوقت نعاني من أمور لا تخطر على بالكم ونحسدكم أيضا لأنكم بمنأى عن تلك الأمور.
قال أحمد: أنتم تحسدوننا هذا أغرب ما سمعت في حياتي!
قال حسن: اسمع في كل مجتمع توجد مشاكل تختلف عن المشاكل التي تعرفها بقية المجتمعات، أنت الان قد ترى الشباب في فرنسا مثلا وتعتقد أنه لا يعاني من مشاكلك، وهذا قد يكون فيه شيء من الواقع، لكن الشاب في فرنسا يعاني من مشاكله الخاصة به، وهكذا ترى الشاب في الخليج وتعتقد أنه لا يعاني من مشاكلك، وهو أيضا في نفس الوقت يعاني من مشاكل خاصة بمجتمعه ويكفي أن أقول لك أن الشاب في كل مجتمع توجد ما تعيقه عن ممارسة حياته الطبيعية، فلا الشاب الأوربي مرتاح من مشاكله، ولا الشاب المسلم في بلاد الشرق الأوسط كذلك، نعم يمكن أن تقول إن بعض المجتمعات توفر بعض الأماكن لاحتضان الشباب وشغل أوقات الفراغ، لكن هذا أيضا يجري على أساس قانوني وليس امراً مبذولاً لكل انسان، فالمجتمعات التي توفر الوسائل والتقنيات لا توفر الإنسان الذي يفكر كما تفكر ويرغب كما ترغب ويعتقد كما تعتقد.
دعني اعطيك مثلاً واقعياً هل تعرف الالحاد؟ قد تكون لم تسمع به وهو أن يكون الإنسان بلا دين ومنفلت ليس لديه ضوابط ولا قيود وهذا النوع من السلوك منتشر جدا بين الشباب الغربي وان الشاب المسلم الغربي عليه أن يتعامل مع هؤلاء وتصرفاتهم، وربما يكون هو الشخص المسؤول عن المكان وتحمل كل تصرفاته التي تعتبر حرية شخصية من دون أن يكون لك حق الاعتراض أو المطالبة بالتبديل فتكون مجبراً على معاشرة أمثال هؤلاء وهم كثر في الجيل الحالي بكل ما في سلوكياتهم من شذوذ في نظر الانسان صاحب الدين والعقيدة هل كلامي واضح؟
استمع احمد لكلام صديقه وهو يعيش في حالة من الدهشة والاستغراب لكنه قال متسائلا: لكني لا أسمع شكاوى لمثل هذه الحالات التي تتكلم عنها؟
قال حسن: هذا طبيعي لأن المجتمع متقبِّل لحالة الالحاد التي يعيش فيها الإنسان في الغرب، بل يعتبر سلوك الملحد أكثر انسجاماً مع المجتمع من سلوك المسلم؛ لأن المسلم يبقى شخصاً يمثل القلة والملحد يمثل الكثرة، والناس لا تستغرب المنتشر بل تستأنس به وتستغرب من غيره خصوصاً مع وجود الافكار المشوهة عن الاسلام والمسلمين.
قال أحمد: انا في الحقيقة استفدت كثيراً من هذه المعلومة لكني كنت راغباً في سؤالك عن قضية كانت تشغل بالي والآن جاء الوقت للسؤال عنها وهي أهمية الاهتمام بالمظهر بالنسبة للشاب فهل هذه القضية مهمة عندكم؟
أجاب حسن: شكل الشاب في الغرب من الأمور التي يهتم بها الفارغون من الشباب، فتجد أنهم يقضون أوقاتاً طويلة في وضع بعض المساحيق على وجوههم، بل وتبديل تلك الوجوه بين فترة وأخرى، والظهور بألوان شعر غريبة؛ للفت نظر المجتمع وهذا كله بسبب الفراغ الذي يعيش فيه الشاب والشابة أيضا وأنت ترى كيف أن بعض الشباب يبدل شكله بين ليلة وضحاها، وفي الحقيقة هذه القضية من القضايا الثانوية عند الشباب الذين ينشغلون بالأعمال المهمة أو يعملون أثناء الدراسة من أجل تحسين الأوضاع الاقتصادية؛ لذلك ترى أن بعض الغربيين يظهر بشكل طبيعي جدا فيما ترى شخصاً آخر يظهر بمظهر غريب وربما مضحك، وأصبحت قضية تغيير الشكل مشكلة كبيرة لأنها اخذت أشكالاً خطيرة ووصلت الى تغيير البعض لجنسه بحجة الرغبة في التغيير أو بحجج واهية منها الشعور بالميول العاطفية للجنس الآخر أما أنتم هنا فتعيشون بصورة طبيعية ونحن نحسدكم على هذا بالتأكيد.
اخذ أحمد يستمع للكلام بكل اهتمام، وفي هذه اللحظة حمد الله تعالى على ما هو فيه من نعمة وعرف أن ما كان يظنه خيراً له ما كان الا مجرد أوهام كان يعتقد أنه فقدها وفي الحقيقة كان يعيش الواقع الصحيح ويحاول الخروج الى عالم الوهم وشكر صديقه الغربي وأخذ يعتز بنفسه لأنه يرى صاحبه كيف ينظر الى الأمور وعرف أن ما فيه من نعمة تجعله يغض النظر عن التفكير بشكله بعد الآن.
جميل مانع البزوني