جميل مانع البزوني
كيف تسعد الانسان الشاب
بواسطة جميل مانع البزوني, 29th January 2017 عند 04:07 PM (423 المشاهدات)
كيف تسعد الإنسان الشاب
كانت السعادة منذ القدم حلم الإنسان في هذه الأرض، وقد بحث عنها الإنسان بكل وسيلة أتيحت أمامه، حتى نظر الفلاسفة بل وحلموا بوجود عوالم يحكمها العقلاء، وتسود فيها السعادة، وكتب البعض منهم في بيان سر السعادة في هذه الدنيا وأصبحت تؤلف القصص في سبيل إقناع الإنسان بإمكانية الوصول الى السعادة. وكان المفروض أن تبقى السعادة هدفا مستقلا عن بقية الأهداف التي يبحث عنها البعض لكنها اقترنت بالبحث عن اللذة العابرة التي كان البعض قد جعلها هدفه في الحياة؛ فانبثقت من هذا مذاهب عديدة مزجت بين السعادة واللذة فصارا أمرين متلازمين ولم تخل حتى الكتابات القديمة من زمن اليونان من وجود توجه نحو اللذة كمذهب فلسفي من زمن قدماء فلاسفة اليونان الى الآن. وأصبحت القضية أكثر وضوحا عندما خرجت بعض الشعوب من الحروب الدامية، وصار البحث عن الانفلات والخروج من قيود المجتمع مطلبا إنسانيا لفئة كبيرة من أبناء المجتمع الإنساني، وظهرت مذاهب متعددة في توظيف هذه الأفكار للخروج بمنهج واحد يمثل الحلم الإنساني. وكانت الحصة الأكبر من أبناء المجتمع الباحثين عن السعادة المجردة أو الممتزجة باللذة هم الشباب؛ لان أحلامهم لم تتوقف يوما عند حد وكانوا دائما وقود الحروب وضحية المجتمع الأولى على مر الزمان، ومن الطبيعي أن يبحث الشباب عن السعادة في كل مكان وتحت كل حجر. وعندما ينظر الإنسان الى الشباب الباحثين عن السعادة لا يجد أمامه كتلة متوافقة من المطالبة الواعية، فقد يجد البعض من الباحثين عن السعادة بمعناها العام، وهو أن يحكم عقلاء القوم الحياة فتصبح حياة الإنسان حياة العقل والوعي، وهذا الأمر قد عبرت عنه الكتابات كثيرا قديما وحديثا وكانت السعادة في هذا التوجه تعني الفضيلة وحكم الفضلاء في المجتمع. وقد يجد البعض الآخر من الناظر الى القضية بصورة شخصية ولا يعنيه من السعادة إلا إشباع الرغبة، وهم نسبة لا يستهان بها من المجتمع الإنساني قديما وحديثا، وهكذا تتنوع التوجهات نحو هدف واحد ظاهرا لكنه مختلف واقعا ، وليست المشكلة في تحقيق تلك الأهداف في الخارج، بل في معرفة حقيقة السعادة التي يتباكى عليها الإنسان منذ قديم الزمان، وهذه المعضلة الإنسانية لم تجد طريقها الى الحل بالرغم من سعي الإنسان الدائم في البحث عن أي اثر لهذا الهدف. ولما كانت الأهداف الإنسانية تتأثر بتوجهات الإنسان وأفكاره أخذت السعادة طابعا متنوعا ومختلفا من مكان لآخر ؛ بسبب توجهات المجتمع ورغباته الضيقة. ومن غير الممكن الآن جمع الناس على تعريف أو حقيقة موحدة لفكرة السعادة بعد أن تنوعت المذاهب الاجتماعية في تصوير السعادة للإنسان وكثرت النظريات التي تدعي احتكار حقيقة السعادة. وعندما ينظر الإنسان الى الشباب يجد البحث الدائم عن السعادة بمختلف تصويراتها الإنسانية القادمة من المجتمعات المختلفة والتي أصبح من البعيد أن تجد هناك اتفاق بين اثنين على تصوير موحد لهذه الفكرة. ولذا ينبغي أولا أن نصور للشاب مفهوم السعادة بعيدا عن الذاتية والرغبات الخاصة؛ لان اختلاط المفاهيم في هذه المسالة وغيرها في ذهن الشاب سيجعل المهمة عسيرة لإقناعه بخدمة بعض الأهداف مهما كانت تلك واضحة وجلية. لكن المهمة تحتاج الى تخلية ذهنية الشاب من الأفكار التي علقت بذهنه وجعلت مفهوم السعادة غائما ومشوشا وبعيدا عن الواقع،ثم تحليتها بالمعاني الصحيحة. وينبغي قبل الخوض مع الشاب لإقناعه بالمعاني الصحيحة للسعادة التي يحلم بها أن نسعى الى الحصول على ثقته في قدرتنا على التشخيص؛ لأنه من الصعب علينا أن نضرب عصفورين بحجر واحد، فقبل أن نتقدم لبيان المفاهيم لابد أن تكون لنا مكانة ومقبولية في ذهنية المتلقي، وهذا المتلقي يفر بطريقته الخاصة، ومن الواجب علينا أن نفهم كيف يستقي أفكاره وتتكون قناعاته في الحياة، ونجاحنا في هذه المهمة يتوقف بصورة كاملة في هذه المرحلة التي تعتبر تأسيسا لأرضية الانطلاق نحو تصحيح المفاهيم. واليوم تبدو أمامنا مهمة البحث عن المفاهيم الصحيحة سهلة بحكم استقلال المصادر التي نحتكم إليها في هذه الأمور ولذا ينبغي لنا أن نجعل هذه الخصوصية من أهم منطلقات التصحيح وأسسه. وهذه الرغبة الشبابية في الحصول على السعادة رغبة مشروعة جدا ولابد أن يفهم الشاب ذلك أيضا، لكننا سنطالبه بالكف عن البحث يمينا وشمالا والاقتصار في البحث عن طريق المنابع النقية التي كانت ولا زالت تمثل الفكر الأصيل في بيان مفاهيم الحياة المختلفة. وسيكون العمل عند تجاوز هذه المرحلة أمرا سهلا لان القناعة التي سيصل إليها الشاب ستجعل طريقه في البحث سهلا بحكم التعرف على أهمية السعادة في حياة الإنسان وفق المنظور الديني الذي تكفل بسعادة مزدوجة فلم يتحدث عن سعادة الدنيا بل أضاف إليها سعادة الآخرة. وهذه هي الميزة التي حفظت للدين مكانته في حياة الإنسان وجعلته يبقى وفيا له بالرغم من كل الصعاب التي يواجهها الإنسان الشاب المتدين؛ وذلك لان حلم الحفاظ على السعادة المزدوجة ليس أمرا موجودا في كل المدارس الأخرى فهي تؤكد على جوانب وقتية ودنيوية في الوقت الذي تكفل الدين بالسعادة وهي الاطمئنان النفسي في الدنيا وبسعادة أخرى وهي الفوز يوم الحساب بجزاء موضوعي ليس له نهاية.
جميل مانع البزوني