علاء
النهي عن تقبيل الأيادي
بواسطة علاء, 17th September 2010 عند 02:58 AM (2080 المشاهدات)
لماذا نهى السيد الشهيد الصدر عن (عادة) تقبيل الأيادي ؟
ليس بوسع أي شخص أن يدعي بـأنه ضليع باستنباط الحكم الشرعي من مصادره الأصلية ، وليس للبعض أو الأعم الأغلب أن يدعي بأنه خبير بالبحث عن الأدلة ، فأغلبنا بالكاد يستطيع فك رموز الفتاوى في الرسائل العملية التي تعنى بالعبادات والمعاملات ، لما تحتويه من (طلاسم) تبدأ بـ (الأحوط) و (الأحوط وجوباً) و (على الأظهر) و (على الأقوى) وغيرها من المصطلحات الفقهية التي اكتنـزت بها الرسائل العملية ، والتي يراد منها مخاطبة ذوي التخصص من طلبة العلوم الدينية داخل الحوزة العلمية وخارجها ، ذلك لأن كتب العبادات والمعاملات (الرسائل العملية) تتضمن كفلين من الخطاب ، أولهما لطلبة الحوزة العلمية ، حيث من الطبيعي أن يتم تدريس هذه (الرسائل العملية) في أروقة الحوزة العلمية ، لتكون هذه المصطلحات الفقهاتية بمتناول يد الطلبة الحوزويين ، وثانيهما أن هناك – في الرسائل العملية - خطاب آخر للعامة أو ما يسمون بـ (المقلدين) .
وكما هو معلوم ، فإن المضان الشخصي في التعبد وتطبيق الأحكام الشرعية لدى جميع (المكلفين) ينقسم الى ثلاث طبقات ، فإما أن يكون الشخص المكلف (مجتهداً) يمتلك القدرة على استنباط الحكم الشرعي من مصادره وأدلته الشرعية ويتصدى للإفتاء ، أو يكون (محتاطاً) لا يتبع مجتهداً معيناً لأنه يمتلك الأدلة الشرعية ويقوم بتنفيذها واقعياً على العبادات والمعاملات موضوعة الإبتلاء ، أو يكون (مقلداً) يستغني عن تتبع الأدلة بما يرده من فتاوى جاهزة من قبل المرجع المجتهد ، وذلك أضعف الإيمان .
ولذا ، نجد أن هناك الكثير من طلبة الحوزة العلمية ومن ذوي التخصص يقومون بشرح مندرجات ما يرد في كتب العبادات والمعاملات للمتلقي (المكلف) البسيط وبشكل مبسط ، وآخر هذه المنجزات هو مجموعة (الكتيبات) المبسطة التي اضطلع السيد (هادي الدنيناوي) من مكتب السيد الشهيد الصدر بكتابتها وطباعتها بأسلوب مبسط لشرح كتاب (منهج الصالحين) المتضمن لفتاوى السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر في حقل العبادات والمعاملات ، لغرض تبسيطها ولجعلها في متناول فهم المتلقي البسيط ، وهو منجز لا يمكن الإستهانة به على صعيد الثقافة (الفقهية) المجتمعية ، وهو نوع من أنواع نزول (الفقه) الى المجتمع كخطوة واعدة لإستكمال مشروع السيد الشهيد في جعل (الفقه) في متناول يد الجميع .
وكون الشخص (مكلفاً) و (مقلداً) ، ولم يتسع وقته في أن بتصدى لدراسة علم الأصول والدراية والمنطق واللغة والتفسير ، وبسبب انشغاله عن العلوم الدينية التي هي من أشرف العلوم الإنسانية ، ولكونه قد آثر أن يستغني عن علوم الفقه بعلوم أخرى ، فقد يستغني عن معارفه (الفقهية) بمعارف أخرى ، متكئاً على جهد (المجتهدين) في توضيح أحكام دينه ، واستنباط خطواته في التعامل مع العبادات والمعاملات التي تشتغل بها ذمته في حياته اليومية .
وهنا ، فمن الطبيعي أن يتعامل (المكلف) مع الفتوى بطريقتين لا ثالث لهما ، فتارة يقبل الفتوى أو الحكم الشرعي كما هو ، وإن تعارض مع مصلحته الشخصية ، أو أفسد انتفاعه بشئ أو بمشروع معين ، ويعمل بهذه الفتوى حرفياً ، بقناعة أو بدونها ، ودون البحث عن دليل ، شعوراً منه بأن هذه الفتوى مجزية ومبرءة للذمة أمام الله .
وتارة أخرى يقوم (المكلف) بسماع الفتوى ، وتبنيها ، ودعمها مجتمعياً ، فيعمل بها ، ويقوم بالترويج لها ، ونشرها ، وحث الناس على تطبيقها ، وتهيئة وسائل إعلامه الخاصة البسيطة لإيصالها الى النفوس والعقول ، حين يجد أن هذه الفتوى تطابق مزاجه ومتبنياته وطموحاته .
إن من أهم ما أطلقه السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر (عليه صلوات من ربه ورحمة) هي منع أتباعه وغيرهم من (تقبيل ياليد) ، معتبراً أن هذه (العادة) تدخل ضمن محكومية (الحرمة الأخلاقية) و (الكراهة الشرعية) ، وحاجباً ومانعاً أيديه من التقبيل أمام أتباعه بادئاً ذي بدء ، متأكداً بأن هذا المنع سيمتد من النور الى دهاليز أخرى قد تكون مظلمة .
وفي الحقيقة فإن هذا المنع يعد الأكثر كسراً للعرف ، والأشد مخالفة للمشهور ، والأوضح جرأة على (عادة) درج عليها المجتمع منذ كم وكم من العقود ، وربما أن هذا المنع هو الذي فتح عليه فوهات بنادق التخرص داخل وخارج الحوزة العلمية ، وامتد بتأثيره على طبقات المجتمع ، وكان مثاراً للحوار والنقاش والتضارب بالآراء والأيدي أحياناً ، لما يمثله من تهديد (لقدسية) مصطنعة كان البعض قد اتكأ عليها ليحول أفراد وأبناء الشيعة الى (توابع) يرون السعادة كلها في الإنحناء بحضرة الغث والسمين من المعممين لتقبيل أياديهم ، ضناً منهم بأن تقبيل اليد فيه رضا الله ونيل إحسانه .
وبالتالي ، فقد كانت موضوعة (عدم تقبيل اليد) من المهام التي تبناها أتباع ومقلدو السيد الشهيد ، وبدأوا بالترويج لها ، ونشرها ، والحث على العمل بها ، ذلك لأن المجتمع الشيعي (العراقي) خصوصاً ، والمجتمع الشيعي (عموماً) كان قد اكتنـز وعيه و (لا وعيه) بمقولات (ثورية) أمثال (هيهات منا الذلة) ، وبالتالي ، فعملية وعادة تقبيل اليد لا تخرج عن كونها (ذلة) ولو بالعناوين الثانوية .
لقد استفاق أتباع محمد الصدر على فتوى خطيرة ، وأحبوها ، واعتمدوها ، ونشروها ، وتبنوها ، رغم أن الكثير منهم حاول أن يطبق هذا التوجه مع الجميع إلاّ مع السيد الشهيد نفسه ، وحاول الكثير منهم – وكاتب المقال منهم - أن يسرق لحظة انشغال من السيد الشهيد ليقبل يده بطريقة أو بأخرى ، ولكنه (عليه صلوات من ربه ورحمة) لم يكن ليسمح لأحد بالعودة الى هذه العادة السيئة والمنكرة ، وكان يبدي استهجاناً لهذه (العادة) ، بل كان ينهر كل من يلح على تقبيل يده (رحمه الله) .
إن عادة تقبيل اليد – بأحسن حالاتها – لا تعدو كونها عادة سيئة ، خاضعة لـ (الحرمة الأخلاقية) فضلاً عن كونها (مكروهة شرعاً) لأنها تبتز الإنسان قيمته الإجتماعية ، وتضعه في موضع لا يخلو من مقبولية الإنحناء والتذلل للآخر ، في نفس الوقت الذي لا تخلو من منح الآخر شعوراً بالتسلط والقداسة والترفع إن لم يكن الكبرياء ، ومن الصعب أن يقتنع ذو لب بأن من يسمح بتقبيل يده لا يشعر لحظة التقبيل بالألق والترفع والكبرياء ، وهذا ما قلناه وأثبتناه في كتابنا (صناعة الآلهة عند الموحدين) .
إن عادة تقبيل اليد معروفة في كل الأوساط الدينية ، وهي شائعة في التعامل مع رجال الدين من مختلف الطوائف والفرق الإسلامية ، ولدى المسيحيين واليهود والصابئة والإيزيدية وغيرهم ، وهي منتشرة عند زعماء القبائل ورؤساء العشائر ممن لم تنفع معهم – حتى الآن - مفردات كتاب السيد الشهيد الموسوم بـ (فقه العشائر) ، وهي متفشية عند رجال (المافيا) ، وعند أعضاء المحافل الماسونية ، وآباء وأبناء منظمة (بناي برات) اليهودية ، على اعتبار أن تقبيل اليد نوع من أنواع التبجيل للآباء الروحيين .
وهي لم تكن معروفة لدى المسلمين إلاّ في أزمنة متأخرة ، حيث لم يصل الى أسماعنا من الروايات ما يدل على أن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) أو أحداً من الأئمة الأطهار ، أو أحداً من الصحابة المخلصين ، أو حتى التابعين لهم بإحسان ، قد سمح لأحد أن يقبل يده ، ولذا ، فعادة تقبيل اليد تعد من (المستحدثات) شأنها شأن (اللطم) والتطبير وغيرها من (العادات) التي لم تكن ... ثم كانت .
لقد كان السيد الشهيد الصدر محمد محمد صادق يحمل مشروعاً ثورياً مجدداً (داخل الحوزة العلمية) ، وقد ارتأى أن يبدأ بمشروعه من داخل المجتمع ، ومن طبقاته ، عكس الثورات التي تبدأ بتغيير السلطة والإنقلاب عليها والإستحواذ عليها ، ومن ثم النـزول الى طبقات المجتمع .
وليس المقصود بذلك أن السيد الشهيد أراد أن يقوض صرح الحوزة العلمية ، بل أراد أن يبدأ بالتغيير والتجديد من خلال المجتمع ، وأراد أن يصفع (عرور) وأشباهه من الحاقدين الفاسدين صفعة تنبههم الى أن ما طرأ من مفاسد على بعض السلوكيات الشيعية فإنها (مقصودة) ومدروسة ومحسوبة ، وإنما مصدرها أعداء التشيع ، وآلة الحقد الصهيونية ، ولئن كانت الحوزة العلمية الشيعية مخترقة ، فلقد تم اختراق حتى جيوش ومنظومات وحوزات الأنبياء مع وجود الوحي وأخبار السماء .
لقد كان الولي المقدس محمد محمد صادق الصدر متأكداً بأن الوعي المجتمعي سيمتد من المجتمع البسيط الى أروقة الحوزة العلمية ، وسوف يدفع القيمين على الحوزة العلمية نحو التغيير والتجديد والتخلص من البراثن (الهجينة) التي علقت بثقافة التشيع والتي لم تلتفت الحوزة العلمية الى خطورتها .
ولم يكن السيد الشهيد غافلاً عن ضرورة البدء بخطوات التغيير داخل الحوزة نفسها ، حيث أن السيد الشهيد لم يكن مهتماً بموضوعة (الفتاوى) وطباعة رسالته العملية إلاّ كي تكون جواز مرور داخل الحوزة العلمية ، لأنه أراد أولاً أن يضع له متكئاً داخل الحوزة العلمية ، ومنها ينطلق الى مشروعه الإصلاحي المجتمعي ، ولذا نجد أنه قد بدأ - مع أول بوادر التفاف أتباعه من حوله - باقتناص ما درج عليه العلماء والمجتمع من (فتاوى) تمس حياتهم اليومية فبدأ بمناقشتها وتسليط الضوء عليها ، وربما مخالفتها بموجب ما يمتلكه من أدلة (عقلية أو نقلية) .
إن منع تقبيل اليد تعد خطوة بالإتجاه الثوري الذي يعيد للإنسان شعوره بالرفعة وعدم الإنحناء ، بل ربما سيكون أو كان سبباً من أسباب اعتداد الإنسان بنفسه وشعوره بالـ (لافرق) بين بني الإنسان ، وإذكاء الإحساس لدى الفرد بأن وظيفته هي استقامة القامة مع أي فرد آخر ، وهي خطوة (تأهيلية) للمجتمع لقابلية التصدي للطغمة الحاكمة ، والتصدي لآلة السلطة الديكتاتورية في زمن غياب وتغييب كرامة المواطن وقيمته الإجتماعية ، بالإضافة الى خلق فهم جديد للبيت الشعري الذي يقول :-
(ويدٌ تُكبـّل وهي مما يُفتدى ..... ويدٌ تـُقَبـَّلُ وهي مما يـُقطعُ) .
إن منع تقبيل اليد كان الخطوة الأولى لدى أبناء المجتمع للتفريق بين (العلمية والعدالة) ، ووسيلة من وسائل البحث عن مبدأ المساواة ، وهي قبل كل شئ تمثل بداية الجرأة في البحث عن مزايا ومواصفات وتواريخ الأشخاص قبل البدء بإضفاء صفة القداسة عليهم .
وهنا ينبغي لـ (عرور) ونظراءه في قناة صفا الفضائية - وغيرها من قنوات (لردة الطائفية) المقيتة أالتي تسعى أن تكون الحرب العالمية الثالثة (حرباً طائفية) بين المسلمين - أن يفهموا بأن التشيع يعني الثورة على كل ما يمكن أن ينتهك كرامة الإنسان ، والتشيع يعني الإنفلات من سطوة سلطة الكهنوت الغبية ، والتشيع معناه (أن لا قدسية) في الروايات إلاّ لكتاب الله ، والتشيع معناه أن (لا قدسية) للرجال – غير الرسول الأعظم وأهل بيته - قبل أن يتم وضعهم على طاولة التشريح والتجريح والبحث والتمحيص ، وهذا معناه أن (لا صلاة) وراء كل (بر وفاجر) ، وعليه أن يعي بأن ليس من شأن الشيعة أن يصلّوا مأتمين بـ (اللوطي) و (اللص) و (الخائن) و (العميل) و (السوقي) و (المتآمر) لمجرد أنه قال :- قد قامت الصلاة.
راسم المرواني