علاء

النهي عن تقبيل الأيادي

تقييم هذا المقال
بواسطة علاء, 17th September 2010 عند 02:58 AM (2080 المشاهدات)
لماذا نهى السيد الشهيد الصدر عن (عادة) تقبيل الأيادي ؟



ليس بوسع أي شخص أن يدعي بـأنه ضليع باستنباط الحكم الشرعي من مصادره الأصلية ، وليس للبعض أو الأعم الأغلب أن يدعي بأنه خبير بالبحث عن الأدلة ، فأغلبنا بالكاد يستطيع فك رموز الفتاوى في الرسائل العملية التي تعنى بالعبادات والمعاملات ، لما تحتويه من (طلاسم) تبدأ بـ (الأحوط) و (الأحوط وجوباً) و (على الأظهر) و (على الأقوى) وغيرها من المصطلحات الفقهية التي اكتنـزت بها الرسائل العملية ، والتي يراد منها مخاطبة ذوي التخصص من طلبة العلوم الدينية داخل الحوزة العلمية وخارجها ، ذلك لأن كتب العبادات والمعاملات (الرسائل العملية) تتضمن كفلين من الخطاب ، أولهما لطلبة الحوزة العلمية ، حيث من الطبيعي أن يتم تدريس هذه (الرسائل العملية) في أروقة الحوزة العلمية ، لتكون هذه المصطلحات الفقهاتية بمتناول يد الطلبة الحوزويين ، وثانيهما أن هناك – في الرسائل العملية - خطاب آخر للعامة أو ما يسمون بـ (المقلدين) .

وكما هو معلوم ، فإن المضان الشخصي في التعبد وتطبيق الأحكام الشرعية لدى جميع (المكلفين) ينقسم الى ثلاث طبقات ، فإما أن يكون الشخص المكلف (مجتهداً) يمتلك القدرة على استنباط الحكم الشرعي من مصادره وأدلته الشرعية ويتصدى للإفتاء ، أو يكون (محتاطاً) لا يتبع مجتهداً معيناً لأنه يمتلك الأدلة الشرعية ويقوم بتنفيذها واقعياً على العبادات والمعاملات موضوعة الإبتلاء ، أو يكون (مقلداً) يستغني عن تتبع الأدلة بما يرده من فتاوى جاهزة من قبل المرجع المجتهد ، وذلك أضعف الإيمان .

ولذا ، نجد أن هناك الكثير من طلبة الحوزة العلمية ومن ذوي التخصص يقومون بشرح مندرجات ما يرد في كتب العبادات والمعاملات للمتلقي (المكلف) البسيط وبشكل مبسط ، وآخر هذه المنجزات هو مجموعة (الكتيبات) المبسطة التي اضطلع السيد (هادي الدنيناوي) من مكتب السيد الشهيد الصدر بكتابتها وطباعتها بأسلوب مبسط لشرح كتاب (منهج الصالحين) المتضمن لفتاوى السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر في حقل العبادات والمعاملات ، لغرض تبسيطها ولجعلها في متناول فهم المتلقي البسيط ، وهو منجز لا يمكن الإستهانة به على صعيد الثقافة (الفقهية) المجتمعية ، وهو نوع من أنواع نزول (الفقه) الى المجتمع كخطوة واعدة لإستكمال مشروع السيد الشهيد في جعل (الفقه) في متناول يد الجميع .

وكون الشخص (مكلفاً) و (مقلداً) ، ولم يتسع وقته في أن بتصدى لدراسة علم الأصول والدراية والمنطق واللغة والتفسير ، وبسبب انشغاله عن العلوم الدينية التي هي من أشرف العلوم الإنسانية ، ولكونه قد آثر أن يستغني عن علوم الفقه بعلوم أخرى ، فقد يستغني عن معارفه (الفقهية) بمعارف أخرى ، متكئاً على جهد (المجتهدين) في توضيح أحكام دينه ، واستنباط خطواته في التعامل مع العبادات والمعاملات التي تشتغل بها ذمته في حياته اليومية .

وهنا ، فمن الطبيعي أن يتعامل (المكلف) مع الفتوى بطريقتين لا ثالث لهما ، فتارة يقبل الفتوى أو الحكم الشرعي كما هو ، وإن تعارض مع مصلحته الشخصية ، أو أفسد انتفاعه بشئ أو بمشروع معين ، ويعمل بهذه الفتوى حرفياً ، بقناعة أو بدونها ، ودون البحث عن دليل ، شعوراً منه بأن هذه الفتوى مجزية ومبرءة للذمة أمام الله .

وتارة أخرى يقوم (المكلف) بسماع الفتوى ، وتبنيها ، ودعمها مجتمعياً ، فيعمل بها ، ويقوم بالترويج لها ، ونشرها ، وحث الناس على تطبيقها ، وتهيئة وسائل إعلامه الخاصة البسيطة لإيصالها الى النفوس والعقول ، حين يجد أن هذه الفتوى تطابق مزاجه ومتبنياته وطموحاته .

إن من أهم ما أطلقه السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر (عليه صلوات من ربه ورحمة) هي منع أتباعه وغيرهم من (تقبيل ياليد) ، معتبراً أن هذه (العادة) تدخل ضمن محكومية (الحرمة الأخلاقية) و (الكراهة الشرعية) ، وحاجباً ومانعاً أيديه من التقبيل أمام أتباعه بادئاً ذي بدء ، متأكداً بأن هذا المنع سيمتد من النور الى دهاليز أخرى قد تكون مظلمة .

وفي الحقيقة فإن هذا المنع يعد الأكثر كسراً للعرف ، والأشد مخالفة للمشهور ، والأوضح جرأة على (عادة) درج عليها المجتمع منذ كم وكم من العقود ، وربما أن هذا المنع هو الذي فتح عليه فوهات بنادق التخرص داخل وخارج الحوزة العلمية ، وامتد بتأثيره على طبقات المجتمع ، وكان مثاراً للحوار والنقاش والتضارب بالآراء والأيدي أحياناً ، لما يمثله من تهديد (لقدسية) مصطنعة كان البعض قد اتكأ عليها ليحول أفراد وأبناء الشيعة الى (توابع) يرون السعادة كلها في الإنحناء بحضرة الغث والسمين من المعممين لتقبيل أياديهم ، ضناً منهم بأن تقبيل اليد فيه رضا الله ونيل إحسانه .

وبالتالي ، فقد كانت موضوعة (عدم تقبيل اليد) من المهام التي تبناها أتباع ومقلدو السيد الشهيد ، وبدأوا بالترويج لها ، ونشرها ، والحث على العمل بها ، ذلك لأن المجتمع الشيعي (العراقي) خصوصاً ، والمجتمع الشيعي (عموماً) كان قد اكتنـز وعيه و (لا وعيه) بمقولات (ثورية) أمثال (هيهات منا الذلة) ، وبالتالي ، فعملية وعادة تقبيل اليد لا تخرج عن كونها (ذلة) ولو بالعناوين الثانوية .

لقد استفاق أتباع محمد الصدر على فتوى خطيرة ، وأحبوها ، واعتمدوها ، ونشروها ، وتبنوها ، رغم أن الكثير منهم حاول أن يطبق هذا التوجه مع الجميع إلاّ مع السيد الشهيد نفسه ، وحاول الكثير منهم – وكاتب المقال منهم - أن يسرق لحظة انشغال من السيد الشهيد ليقبل يده بطريقة أو بأخرى ، ولكنه (عليه صلوات من ربه ورحمة) لم يكن ليسمح لأحد بالعودة الى هذه العادة السيئة والمنكرة ، وكان يبدي استهجاناً لهذه (العادة) ، بل كان ينهر كل من يلح على تقبيل يده (رحمه الله) .

إن عادة تقبيل اليد – بأحسن حالاتها – لا تعدو كونها عادة سيئة ، خاضعة لـ (الحرمة الأخلاقية) فضلاً عن كونها (مكروهة شرعاً) لأنها تبتز الإنسان قيمته الإجتماعية ، وتضعه في موضع لا يخلو من مقبولية الإنحناء والتذلل للآخر ، في نفس الوقت الذي لا تخلو من منح الآخر شعوراً بالتسلط والقداسة والترفع إن لم يكن الكبرياء ، ومن الصعب أن يقتنع ذو لب بأن من يسمح بتقبيل يده لا يشعر لحظة التقبيل بالألق والترفع والكبرياء ، وهذا ما قلناه وأثبتناه في كتابنا (صناعة الآلهة عند الموحدين) .

إن عادة تقبيل اليد معروفة في كل الأوساط الدينية ، وهي شائعة في التعامل مع رجال الدين من مختلف الطوائف والفرق الإسلامية ، ولدى المسيحيين واليهود والصابئة والإيزيدية وغيرهم ، وهي منتشرة عند زعماء القبائل ورؤساء العشائر ممن لم تنفع معهم – حتى الآن - مفردات كتاب السيد الشهيد الموسوم بـ (فقه العشائر) ، وهي متفشية عند رجال (المافيا) ، وعند أعضاء المحافل الماسونية ، وآباء وأبناء منظمة (بناي برات) اليهودية ، على اعتبار أن تقبيل اليد نوع من أنواع التبجيل للآباء الروحيين .

وهي لم تكن معروفة لدى المسلمين إلاّ في أزمنة متأخرة ، حيث لم يصل الى أسماعنا من الروايات ما يدل على أن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) أو أحداً من الأئمة الأطهار ، أو أحداً من الصحابة المخلصين ، أو حتى التابعين لهم بإحسان ، قد سمح لأحد أن يقبل يده ، ولذا ، فعادة تقبيل اليد تعد من (المستحدثات) شأنها شأن (اللطم) والتطبير وغيرها من (العادات) التي لم تكن ... ثم كانت .

لقد كان السيد الشهيد الصدر محمد محمد صادق يحمل مشروعاً ثورياً مجدداً (داخل الحوزة العلمية) ، وقد ارتأى أن يبدأ بمشروعه من داخل المجتمع ، ومن طبقاته ، عكس الثورات التي تبدأ بتغيير السلطة والإنقلاب عليها والإستحواذ عليها ، ومن ثم النـزول الى طبقات المجتمع .


وليس المقصود بذلك أن السيد الشهيد أراد أن يقوض صرح الحوزة العلمية ، بل أراد أن يبدأ بالتغيير والتجديد من خلال المجتمع ، وأراد أن يصفع (عرور) وأشباهه من الحاقدين الفاسدين صفعة تنبههم الى أن ما طرأ من مفاسد على بعض السلوكيات الشيعية فإنها (مقصودة) ومدروسة ومحسوبة ، وإنما مصدرها أعداء التشيع ، وآلة الحقد الصهيونية ، ولئن كانت الحوزة العلمية الشيعية مخترقة ، فلقد تم اختراق حتى جيوش ومنظومات وحوزات الأنبياء مع وجود الوحي وأخبار السماء .

لقد كان الولي المقدس محمد محمد صادق الصدر متأكداً بأن الوعي المجتمعي سيمتد من المجتمع البسيط الى أروقة الحوزة العلمية ، وسوف يدفع القيمين على الحوزة العلمية نحو التغيير والتجديد والتخلص من البراثن (الهجينة) التي علقت بثقافة التشيع والتي لم تلتفت الحوزة العلمية الى خطورتها .

ولم يكن السيد الشهيد غافلاً عن ضرورة البدء بخطوات التغيير داخل الحوزة نفسها ، حيث أن السيد الشهيد لم يكن مهتماً بموضوعة (الفتاوى) وطباعة رسالته العملية إلاّ كي تكون جواز مرور داخل الحوزة العلمية ، لأنه أراد أولاً أن يضع له متكئاً داخل الحوزة العلمية ، ومنها ينطلق الى مشروعه الإصلاحي المجتمعي ، ولذا نجد أنه قد بدأ - مع أول بوادر التفاف أتباعه من حوله - باقتناص ما درج عليه العلماء والمجتمع من (فتاوى) تمس حياتهم اليومية فبدأ بمناقشتها وتسليط الضوء عليها ، وربما مخالفتها بموجب ما يمتلكه من أدلة (عقلية أو نقلية) .

إن منع تقبيل اليد تعد خطوة بالإتجاه الثوري الذي يعيد للإنسان شعوره بالرفعة وعدم الإنحناء ، بل ربما سيكون أو كان سبباً من أسباب اعتداد الإنسان بنفسه وشعوره بالـ (لافرق) بين بني الإنسان ، وإذكاء الإحساس لدى الفرد بأن وظيفته هي استقامة القامة مع أي فرد آخر ، وهي خطوة (تأهيلية) للمجتمع لقابلية التصدي للطغمة الحاكمة ، والتصدي لآلة السلطة الديكتاتورية في زمن غياب وتغييب كرامة المواطن وقيمته الإجتماعية ، بالإضافة الى خلق فهم جديد للبيت الشعري الذي يقول :-

(ويدٌ تُكبـّل وهي مما يُفتدى ..... ويدٌ تـُقَبـَّلُ وهي مما يـُقطعُ) .

إن منع تقبيل اليد كان الخطوة الأولى لدى أبناء المجتمع للتفريق بين (العلمية والعدالة) ، ووسيلة من وسائل البحث عن مبدأ المساواة ، وهي قبل كل شئ تمثل بداية الجرأة في البحث عن مزايا ومواصفات وتواريخ الأشخاص قبل البدء بإضفاء صفة القداسة عليهم .

وهنا ينبغي لـ (عرور) ونظراءه في قناة صفا الفضائية - وغيرها من قنوات (لردة الطائفية) المقيتة أالتي تسعى أن تكون الحرب العالمية الثالثة (حرباً طائفية) بين المسلمين - أن يفهموا بأن التشيع يعني الثورة على كل ما يمكن أن ينتهك كرامة الإنسان ، والتشيع يعني الإنفلات من سطوة سلطة الكهنوت الغبية ، والتشيع معناه (أن لا قدسية) في الروايات إلاّ لكتاب الله ، والتشيع معناه أن (لا قدسية) للرجال – غير الرسول الأعظم وأهل بيته - قبل أن يتم وضعهم على طاولة التشريح والتجريح والبحث والتمحيص ، وهذا معناه أن (لا صلاة) وراء كل (بر وفاجر) ، وعليه أن يعي بأن ليس من شأن الشيعة أن يصلّوا مأتمين بـ (اللوطي) و (اللص) و (الخائن) و (العميل) و (السوقي) و (المتآمر) لمجرد أنه قال :- قد قامت الصلاة.
راسم المرواني
التصانيف
غير مصنف

التعليقات

  1. الصورة الرمزية امير النحل
    السلام عليك أخي ابو حسين الكريم
    اريد ان اناقشك بعيدا عن الحاقدين على السيد الصدر ق وبعيدا عما ذكرتهم من المبغضين وغيرهم وأسألك
    وانا احب واجل جميع علمائنا هو ما هو مستند السيد لحرمة تقبيل الأيدي وانا أرى ان الكثير بل اكثر من الكثير من علماء الشيعة الامامية يقبلون بتقبيل اياديهم قربة لله وتأسيا برسوله الأكرم فماذا تقول لعلماء الطائفة الشيعية .
    سأعطيك مستند السيد الصدر ومستند العلماء بعد ان تعطيني مستند السيد للفتوى
    وان الدين لايقاس بالعقول
    ولا خلاف بيننا يااخي علي موضوعك جيد يحتاج ان اجيب عليه تأملت بموضوعك جيداً واشكرك كثيرا اخوك ابو الحسن
    الله يحرسك ويحفظك في امان الله
  2. الصورة الرمزية علاء
    أخي الكريم أبو الحسن ... والله أفرحت قلبي و أثلجته و أنا أقرأ ردك الرائع
    و أهلا بك ...
    سأوجز لك بعض النقاط
    بالنسبة لصاحب المقال هو ليس بمعصوم و كتابته تحتمل الخطأ والصواب
    أما بخصوص العلماء ..فأقول علمائنا تيجان رؤسنا و على العين و الرأس
    أما بالنسبة لتقبيل اليد فهذه موجز بسيط مما ذكره السيد محمد الصدر عن تقبيل اليود و ما ورد عن المعصومين عليهم السلام

    قال: ((وقع في يدي قبل ايام، وانا اتامل ماذا ينبغي ان اقول في خطبة صلاة الجمعة.وقع في يدي كتاب الاكليل لابي محمد الحسن اليماني المعروف بابن الحائك الهمداني، وهو كتاب يحتوي اكثره على ما يسميه المؤلف، بالقبوريات، وهي اخبار وقصص عن قبور قديمة حصل الكشف عنها. وقد الفت نظري احد تلك الاخبار، صفحة 138 من الكتاب يقول فيه: (فيه عبرة اريد ان اعرضها عليكم)
    روى هشام عن ابيه عن صالح الكلبي عن ابن عباس قال: ذكرنا احاديث القبور في مجلس رسول الله (صلى الله عليه واله)، فانشعبت منا فيه فنون كثيرة فلم يبق فينا احد الا حدث حديثا. فاقبل رجل من جهينة، فلما رآه رسول الله (صلى الله عليه واله)، قال: اتانا من يُحدث فيحسن. فلما جاء سلم ثم جلس، فقال: افيكم رسول الله (صلى الله عليه واله) (حيث انه لايعرف رسول الله لانه جالس بين الناس كاحدهم، وفي رواية اخرى يدخل الداخل يقول: من منكم محمد؟ هكذا فقط، من دون تكبر اطلاقا. لانه يلبس كما يلبس الاخرون، ويتكلم كما يتكلم الاخرون، ويمشي كما يمشي الاخرون. على كل حال). فلما جاء سلم ثم جلس، فقال: افيكم رسول الله؟ قلنا نعم ها هو ذا، فقام اليه مسرعا فقبل يده، فقبضها عنه رسول الله (صلى الله عليه واله)، ثم قال: (ان هذه حمقة من حمقات الاعاجم). (ربما الاكاسرة أو القياصرة أو المتنفذين منهم، كانوا يفعلون هذا الفعل، وطبعا تعلمون ان كل غير عربي فهو اعجمي، وليس المقصود امة او لغة معينة). كانوا يستطيلون على الناس بتجبرهم، فاذا جلسوا في مجالسهم، ودخل عليهم من دونهم، تملقهم بمثل هذا، ليستجلب به رافتهم، وان تحية الاسلام المصافحة. فقال: يارسول الله اني اتيتك من بين ظهراني قوم حرشتهم الجاهلية فقست قلوبهم، ومرنت على التكذيب خلودهم، واني احب الاسلام فاتيتك فيه راغبا، فاشرع لي اعلامه لاؤدي فرائضه التي عليّ.. الى اخر الخبر.
    فالمهم ومحل الشاهد هو تقبيل اليد، التي رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) في هذه الحادثة سحبها من هذا الرجل، ولم يقدمها لتقبيل يده.
    وفي الوسائل ابواب احكام العشرة، عن علي بن مزيد صاحب السابري، قال: دخلت على ابي عبد الله(عليه السلام) فتناولت يده فقبلتها، فقال: (اما انها لاتصلح الا لنبي او وصي نبي).
    وحسب فهمي، فان السر في ذلك هو ان تقبيل اليد، يكون بالنسبة الى من تُقبّل يده، نحوا من التكبر والانانية، والشعور بالاهمية بالنفس الامارة بالسوء، وشكل من اشكال الاستعلاء بالباطل، وعلى غير الحق، وفي يوم القيامة يحشر الفرد ويسأل لماذا قدمت يدك للتقبيل؟ فماذا يجيب؟ مع ان حبال الدنيا يومئذ كلها متقطعة، هل يقول كان ذلك طلبا للدنيا، او للشهرة، او للمال، او للتعارف الاجتماعي، او للتكبر؟‍‍ ‍‍طبعا كل ذلك منقطع في يوم القيامة، ولا يقبله الله سبحانه وتعالى.
    ومن هنا ورد كما سمعنا، (انها لاتكون الا لنبي او وصي نبي) اي للمعصومين بالذات، او واجبي العصمة، عليهم افضل الصلاة والسلام. وهم الانبياء والاولياء عليهم السلام، لان نفوسهم ليست امارة بالسوء، لانهم معصومون. اما انا وامثالي، من ذوي النفوس الضعيفة، والقلوب المخلوطة، فهي مؤثرة لامحالة، (اي تقبيل اليد ) تاثيرا دنيويا متسافلا، حتى وان كان قصد الطرف الاخر (اي المقبل) قصدا حسنا وبنية حسنة، الاان فيه جانبا سيئا ايضا حتى على الاخر، لان الفرد الذى تقبل يده اذا تورط امام الله سبحانه، فان الذى ورطه انما هو هذا الذي قبل يده، فهو يضره في الاخرة، فيصير واسطة على ضرره، فيكون هو متورطا ايضا. لانه يضر المؤمن من هذه الجهة.
    وليس في الاخبار استحباب تقبيل اليد، ولا خبر واحد فضلا عن الكثير. واتحدى اي شخص، ياتي بما يدل على الاستحباب. بل ان نفس الرواية السابقة، بل كلتا الروايتين السابقتين، تدلان على مرجوحيته لغير المعصومين بالذات، لانه يقول : (اما انها لاتصلح الا لنبي او وصي نبي)، يعني اذا لم يكن الفرد هكذا (اي معصوما بالذات) فلا يصلح له تقبيل اليد. وامارة ذلك هو ان تنظر اليه هل يغضب اذا لم تقبل يده ؟ او انه يطلب بلسان الحال ان تقبل يده ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍ ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍ ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍ ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍ ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍ ‍‍‍‍‍‍‍؟
    فماذا يكون حاله امام السميع العليم القاهر القادر جل جلاله؟ ويكفينا الخبر الذي بدات به هذه الخطبة، للدلالة على الكراهة، انها حمقة من حمقات الاعاجم، واسلوب من اساليب طلب الدنيا، خوفا منه تُقبل يده حتى تتكفى شره، وتنال خيره، لا اكثر من ذلك. وانما كان تقبيل اليد اسلوبا من اساليب المجاملة، والتقرب إلى السلاطين والمسيطرين، لكسب المنفعة الدنيوية منهم لا اكثر، ولذا يعبر عنها النبي (صلى الله عليه واله) في الرواية (انها حمقة من حمقات الاعاجم) وانما هي من عمل الشيطان، وعمل الدنيا، وعمل النفس الامارة بالسوء، فالحماقة ما هي الا امثال ذلك ؟ ولو كانت مستحبة لما وصفها النبي (صلى الله عليه واله) بمثل هذه الصفة. والرواية، وان كانت ضعيفة، الا انها تامة بادلة التسامح بادلة السنن. وهي قاعدة صحيحة يستعملها الفقهاء لتتميم كثير من المستحبات والمكروهات المروية بالروايات الضعيفة.
    والمسالة ليست خاصة بالحوزة كما ربما الان في خاطركم. كلا، بل لعل كل وجهاء الناس، واصحاب السطوة والنفوذ في المجتمع، تقبل ايديهم.كرؤساء العشائر، والمتقدمين في السن، وغيرهم، ورب الاسرة مثلا، وهكذا. فالخطاب لهم جميعا، ومن جميعهم يكون ذلك قبيحا امام الله وامام رسوله (صلى الله عليه واله).
    ولكن تعالوا بنا الى المصافحة، التي هي الادب الرئيسي من اداب الله، واداب الاسلام عند لقاء المؤمنين، وليس هو تقبيل اليد بطبيعة الحال. ففي الوسائل اخبار تكاد ان تكون متواترة بذلك.
    فعن ابي عبيدة، قال: سمعت ابا جعفر الباقر سلام الله عليه، يقول: (اذا التقى المؤمنان فتصافحا، اقبل الله بوجهه عليهما وتحاتت (اي تساقطت) الذنوب عن وجوههما حتى يتفرقا). وفي رواية اخرى: (وتساقطت عنهما الذنوب كما يتساقط الورق من الشجر).
    وعن يونس عن رفاعة، قال: سمعته يقول: (مصافحة المؤمن افضل من مصافحة الملائكة). وعن السكوني عن ابي عبد الله عليه السلام، قال: (تصافحوا فانها تذهب بالسخيمة).
    وعن ابي جعفر عليه السلام، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه واله): (اذا لقي احدكم اخاه فليسلم عليه وليصافحه، فان الله عزوجل اكرم بذلك الملائكة، فاصنعوا صنع الملائكة).
    وفي حديث اخر عن ابي عبد الله، قال: (انتم في تصافحكم في مثل اجور المجاهدين). وعن ابي عبيدة الحذاء، قال: قال ابو جعفر الباقر (سلام الله عليه): (ان المؤمن اذا صافح المؤمن تفرقا من غير ذنب).
    وعن ابي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله (صلى الله عليه واله): (اذا تلاقيتم، فتلاقوا بالتسليم والتصافح، واذا تفرقتم، فتفرقوا بالاستغفار). والاخبار في ذلك متظافرة ومتواترة.
    والنتيجة ان المؤمنين اذا تلاقيا وتصافحا، فقد عملا المستحب والادب الاسلامي الذي يرضي الله ورسوله والمعصومين، وافترقا من غير ذنب.واما اذا حصل تقبيل اليد فقد افترقا بذنب. اما من مد يده فعليه الوزر والمسؤولية. واما الاخر فعليه مسؤولية توريط صاحبه بالذنب.
    يبقى شيئ واحد اؤجله الى الجمعة الاتية، اذا بقيت الحياة، وهو انك تسأل وكثيرون يسالون بهذا الصدد، ان تقبيل اليد اكرام لذرية رسول الله (صلى الله عليه واله)، فهذا ما سوف اجيبه في الجمعة الاتية اذا بقيت الحياة، واذا لم تبق الحياة فاسالكم الفاتحة والدعاء.

    وفي خطبة أخرى
    توجد فكرة صغيرة اعرضها هي انني حين كنت ـ ولا زلت إلى الان ـ اسحب يدي عن التقبيل، كنت شاذا، وغريبا على الحوزة والمجتمع، والامل في الله سبحانه وتعالى، وفي المؤمنين امثال هذه الوجوه الطيبة، ان ياتي يوم قريب ان شاء الله، يكون الامر فيه بالعكس. بحيث يكون من تقبل يده شاذا وغريبا، ويكون من الواضح للمؤمنين انه بذلك يكون طالبا للدنيا والشهرة والشهوة، فتنتفي منه الناس، وتبتعد عنه الناس، ويعرفون انه غير مستحق لتقبيل اليد بينه وبين الله سبحانه وتعالى.

    وفي خطبة أخرى
    انك تقبل يد السيد العلوي لمجرد احترام رسول الله (صلى الله عليه واله) وذريته، من دون ان يكون هو متوقعا لذلك، أو شاعرا بالانانية والتكبر وحب الدنيا، وهذا صحيح. ولكن بشرط واحد، وهو ان يشعر السيد نفسه الذي تقبل يده، انك تقبل يده ليس احتراما له، بل هو احترام مباشرة فقط لرسول الله (صلى الله عليه واله). لان صفة السيادة ليست من مميزاته، ليست من اكتسابه واختياره، وانما هي صفة تكوينية ولادية، منّ الله سبحانه عليه بها، فهو لا يستحق بذلك شكرا ولا ذكرا.
    فاذا شعر السيد الذي تقبل يده ـ كما هو الغالب جدا لا استثني من ذلك احدا الا النوادر والا من عصم الله ـ إذا شعر باية اهمية في نفسه لاجل تقبيل يده، فقد اخطأ، مضافا إلى انك قد اعنته على الاثم من حيث تعلم أو لا تعلم. ولعل العلامة الاهم في عدم الشعور بالانانية والاهمية هو ما رايته من اثنين من السادة الزائرين من باكستان، وواضح كونهم سادة من خلال قطعة قماش سوداء صغيرة على راسيهما. واحد قبل يد الاخر، والاخر أيضاً قبل يد صاحبه. فكان هذا قد قبل يد سيد، وهذا قد قبل يد سيد، وجزاهم الله خير جزاء المحسنين.
    لان الامر لو كان محضا لرسول الله (صلى الله عليه واله)، لكان كلا الطرفين مستحقا لها. لا انك تقبل يد سيد محمد الصدر وليس هو يقبل يدك. بالرغم من انك سيد، او قد تكون سيدا. فتحترمه لثواب الله الذي حصلت انت عليه، وهو يخسر ثواب الله الذي حصلت انت عليه!! اذن فالمسألة غير مرتبطة برسول الله، وانما لدعاوى وعناوين دنيوية، ومرتبطة بهذا السرطان الشديد الذي هُو النفس الامارة بالسوء)).


    اللهم أن هذا أخي و صديقي و نظيري و حبيبي في الدنيا فلا تفرقنا و اجمع شملنا عندك في الآخرة أنك مجيب الدعاء
تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال