Ali Baba
النساء لا يكبرن
بواسطة Ali Baba, 3rd December 2015 عند 01:28 PM (649 المشاهدات)
- أبي ارفع قدميك
رفعت قدما، لتصيح في مرة أخرى
- قدمك الأخرى أيضا يا أبي.
رفعتهما معا لتمرر الممسحة تحتهما
وضعت القلم لحين و نظرت لما كانت ابنتي بصدد القيام به.
كانت عصا الممسحة تفوقها طولا، و هي ممسكة بها بكلتا يديها لتحركها ذهابا و إيابا ماسحة ما علق من أغبرة تحت طاولتي، إلتفت للوراء لأجدها قد مسحت أرضية البهو وقاعة الجلوس، نظرت إليها مستحسنا ما قامت به، شاكرا إياها، لترتسم إبتسامة الرضا على ثغرها الصغير سائلة إياي
- أبي هل أنا كبيرة.
- نعم يا رنيم ، أنت ابنتي الكبيرة
ليست المرة الأولى التي تحاول فيها رنيم إثبات أنها طفلة كبيرة و ليست مجرد طفلة صغيرة مدللة، حتى إذا استدعى الأمر لأن تثور ثائرتها على سلطتي الأبوية.
أحيانا تكون الأمور بسيطة، من قبيل
- أبي ،انظر إلي لقد أصبحت كبيرة
صائحة في، بعد أن نجحت في التشبث بباب الثلاجة العلوي، معتلية على الكرسي.
أبي انظر إلي لقد صرت كبيرة
بعد أن أمسكت بسماعة الباب التي لم تكن لتصل إليه قبل ذلك اليوم.
و أحيانا أخرى، تكون الأمور معقدة، كما لو كنت أمام امرأة راشدة…
- أبي انظر إلي لقد أصبحت كبيرة
وقد أمسكت بخصلات شعرها بيد و المشط بيدها الأخرى، لتستدرك و تسألني
- أبي هل شعري جميل.
كانت قد أمضت أكثر من نصف ساعة في غرفة أمها التي لم تكن في البيت، تصفف في شعرها مستعملة مجفف الشعر الذي ما كان بمقدورها أن تستخدمه في حضور أمها.
اختفت مرة أخرى، لكن هذه المرة في غرفتها، فاتحة باب خزانتها لترتدي ما شاءت أن ترتدي لتعود إلي مرة أخرى و على وجهها نقطة استفهام، أبي هل أبدو جميلة، وكأني أمام مروى ثانية (أمها)، منتظرة مباركتي لجمالها قبل أن تخرج للشارع.
طبعا أنت جميلة يا بنيتي، أنت الأجمل.
أبي هل صرت كبيرة
نعم يا صغيرتي أنت كبيرة
في الشارع و هي ممسكة بيدي، لا تكاد تفوت فرصة لتثبت أنها كبيرة، فكلما مرت فتاة كبيرة كانت أو صغيرة إلا و دققت فيها النظر لتعطيني تقريرا مفصلا عن الشوائب و العيوب التي في لباسها من عدم تناسق في الألوان إلى الاختيار السيئ للحذاء، مرورا بالشعر الغير ممشوط. مقارنة بين حسن اختيارها و سوء اختيار الفتاة. لتسألني مرة أخرى إن كانت كبيرة أم لا.
في البيت و حين تكون أمها هي المسئولة عن إلباسها، تقوم معركة الكبار، معركة العمالقة.
تبدأ المعركة ، حين تحاول الأم القيام بواجباتها تجاه ابنتها من إعدادها للنزول إلى الروضة، أو للخروج في زيارة عائلية، أو للنزول معها في جولة.
مسؤولية الأم و واجبها يتمثلان في إخراج البنت في أحسن حلة (حسب ذوقها طبعا) لأن اللوم سيقع عليها إن قصرت في اختيار الثوب أو لم يكن الحذاء متناسقا مع الثوب، لم تكن رنيم إلا امتدادا لها و لهوايتها المتمثلة في قضاء الساعات أمام المرآة، لتصير رنيم مجرد دمية أو عروستها الخاصة بها، تجملها و تزينها كما تشتهي وتشاء.
ابنتي، الغاضبة الباكية، مالئة صرخاتها بكل لاءات الرفض و الممانعة، تدافع و تصارع من أجل اختياراتها و ترفض رفضا قاطعا أن تملي عليها أمها ما تلبس و كيف تنظم شعرها. و زوجتي بكل ما أوتيت من صبر (في العادة يمتد حبل الصبر لبعض الدقائق) تحاول جاهدة إقناعها في محاولة يائسة للرضوخ لها ولإختياراتها، لتلتجئ في آخر المطاف إلى استعمال سلاحها الأكثر فتكا: الصراخ.
لتتحول من امرأة راشدة إلى طفلة تدافع هي الأخرى عن حقها في اللعب بعروستها.
يختلط صراخهما، لتصير سمفونية، لا أكاد أميز فيها بين الأم التي تدافع عن سلطتها وحقها على ابنتها في الطاعة و الرضوخ لها، و الابنة الثائرة التي ترى أنها صارت كبيرة بما يكفي لكي تتجمل بكل حرية و لكي تطالب مباركتي لجمالها.
تنتهي المعركة غالبا بفوز الأم و دموع الابنة و أنا أحاول مسحها لها مرتمية بين أحضاني.
طبعا، تطالني أحيانا (بل دائما) النيران الصديقة من صراخ الأم التي تتهمني بتدليل بلا حدود للابنة، و صراخ الابنة التي تتهمني بالانحياز إلى أمها و عدم التدخل إلى صالحها مكتفيا بدور المتفرج.
ليست الثياب وحدها وسيلة رنيم لإثبات أنها طفلة كبيرة مستقلة بشخصيتها، لها خصوصيات تريد منا احترامها. و ليست امتدادا أو نسخة مطابقة للأصل من أمها أو أبيها، فمثلا هي لا تقبل أن أحملها في الشارع مهما بلغ بها التعب، و تكابد من أجل أن تعد فطور صباحها وحدها دون تدخلي أو تدخل أمها.
عندما تكون مخطئة، و تعلم بأنها قد ارتكبت خطأ جسيما، مثل أن تتفوه بعبارة جارحة، أو أن تضرب أخاها، فمن سابع المستحيلات أن تنطق بكلمة “سامحني”، قد تقبلني، و تحضنني ، لكنها و ككل النساء لا تنطق بكلمة “سامحني”، ففيها جرح لكبريائها و امتهان لكرامتها.
في علاقتها مع أخيها أشرف، غالبا ما تتصرف على أساس أنها الأكبر، فهي الآمرة الناهية، و قد يصل بها الأمر إلى معاقبته بالضرب أو بعدم مخاطبته و اللعب معه.
الغيرة أيضا، إحدى وسائل ابنتي للتعبير عن شخصيتها. تغار من أخيها إذا لاعبته ، من ابنة عمتها إذا شكرتها، أو حتى من أمها إذا بادرتها بابتسامة. ما يشد انتباهي في تصرفاتها ليس صراخها أو ضربات يدها و ركلات رجليها على الأرض و هي تعبر عن غضبها. ما شد انتباهي هي كلماتها و تعمدها لأن تغضبني بها. ففي غمرة غضبها و غيرتها، لا تعود تبادلني مشاعر الحب، بل قد تصرح بكرهها لي، و بكرهها للأخيار و حبها للأشرار و لكل ما قد أحبه و علمتها على حبه، ليس لهدف إلا لتغيضني و لتجلب اهتمامي لها.
قد تمنعني من دخول غرفتها أو من لمس شعرها و احتضانها، و حين أسألها عن السبب تجيبني بأنها غاضبة مني، و لا تريد أن تخاطبني أو أن ألعب معها.
قد تثور و تحاول ضربي، لتستسلم في الأخير و ترتمي في أحضاني غارسة رأسها بين ضلوعي، ماسحة دموعها في ذقني.
غيرتها قاتلة، مثل غيرة أية امرأة كبيرة.
أو ربما كل امرأة راشدة مهما كبرت و تقدمت في السن، تبقى تحمل في داخلها رنيما صغيرة ثائرة.
المصدر : خواطر أب