محمد كليب أحمد
بائعة المناديل اليمنية
بواسطة محمد كليب أحمد, 30th October 2015 عند 02:41 AM (387 المشاهدات)
بـائـعــــة الـمـنـــــــاديــل
في مدينةِ صنعاء ، لاتجدُ وقتاً للتفكير .. ولا تسأمُ عيناكَ من التقاط المناظر التي تمرُّ أمام ناظريكَ كشريطٍ سينمائي لعالمِ خيالٍ جميل ، أبنيـَةٌ وحصون مشيَّـدة بإتقانٍ لامتناهي تشدّكَ نحو التاريخ ، بل أن كل ما تراهُ من حولِكَ يعبقُ برائحةِ زمنٍ سحري لا يمكنكَ الفكاكُ منه ولو لمجردِ التفكير فحسب ..
وبينما كنتُ أُحلِّقُ في هذا العالمِ الجميل .. تتوقفُ سيارة صديقي أمام إشارةٍ ضوئية ، وتقفُ بقربِ زجاج السيارة الجانبي فتاة غاية في الجمال ، وكأن هذا الفيلم التسجيلي الجميل قد أكتملَ بهذا الوجه الساحر ..
شدَّتني بقوةٍ نحو عينيها العسليتين التي تُبحِرُ فيها أجمل أحلام العالم كله ، عيناها الواسعتان تحتضنُ قمران عسليان يشعـَّـا سحراً وجمالاً يستحيلُ وصفه ، رغم أن يدها قد امتدَّتْ نحونا تحملُ كرتون مناديل لتعرضهُ علينا للبيع ، لكني لم أألو جُهداً لتحويلِ نظري إلى يدها الرقيقة التي تشعُّ بياضاً تخالها مطليـَّة بنسيجِ مخملٍ مغزول من حرائرِ الحوريات وكأنها تستجدينا لشراءِ تلك المناديل لكسبِ رزقها من هذا العرض الخاطف ..
لكنني كنتُ قد نفضتُ الغبار عن ذاكرتي بسرعةِ البرق ، في محاولةٍ لإعادة تنشيطها لمسحِ كل جزء ولو كان دقيقاً وإعادة رسمهُ في مخيلتي وخزنهُ في زاويةٍ من ذاكرتي المتعـَبَة وإجهادها في ذلك حتى لا يمحوها أي منظر مهما كان جماله ، بل أن الواقع ربما لن يأتِ بمنظرٍ أجمل من هاتين العينين بما حباهما الخالق من جمالِ وروعةِ خـَلقِهِ ..
تمنيتُ أن لا تنطفئ هذه الإشارة الضوئية لمدةِ ساعاتٍ حتى أطيلُ الإبحار في هذا اللُجِّ العسلي الذي كادَ أن يغرقني فيه ويبتلعُ كل ذكرياتي ومشاهداتي في هذهِ المدينةِ التاريخية النادرة الوجود ..
وزدتُ في التمني حُلماً لو كنت تجرأتُ في شراءِ مجموعة المناديل المحمـَّلة بها تلك الفاتنة علـّها تحملُ أريجها ونعومتها وتذكِّرني بسحرِ نظراتها المخملية التي كانت تنسابُ كشعاعٍ قادم من كوكبٍ آخر أخترقَ فؤادي وكل أوردتي ..
لكن صديقي الشاب – الذي كان خلف مقود السيارة التي نمتطيها – كان قد تجرَّأ واستـَلَّ من قميصهِ قطعة نقدية ليمدَّها إليها بصمتٍ لتختطفها بسرعةٍ عجيبة منطلقةً نحو السيارة المجاورة لنا لتعرضُ مناديلها عليهم ....
وفي حين استدارتْ نحو السيارة الأخرى انطفأتْ أمامي كل الأضواء .. حتى شعاع الشمس التي كانت تمدُّنا بالدفء الجميل في هذا الجو المائل للبرودة ، حينها فقط قررتُ – وبإحساسِ متيقـِّـن حكيم - أن كل المناظر القادمة لا تعني بالنسبة لي شيئاً ، ولن تكون خاتمة هذا الشريط التسجيلي أجمل من روعةِ ذلك الوجه الساحر أو تلك العينان التي تأخذكَ لأبعدِ مما أنت فيه ، فهما بداية جديدة لرحلةٍ جديدةٍ لا تنتهي ، تتركُ المشاهد وقد ألتصقَ جسده في مقعدهِ لا يريدُ المغادرة إلاَّ إلى البحثِ عن مصدرِ ذلك الشعاع الغامض الذي اختطفَ بصره وعقله وكيانه معاً ...
ولـــنـــا لــــقــــــــــــــاء .....
محمد كليب أحمد
16 أكتوبر 2012م - صنعاء