Rami Al-Ghalibi

حق سكن المعتدة من وفاة بين الشريعة والقانو

تقييم هذا المقال
بواسطة Rami Al-Ghalibi, 28th March 2015 عند 12:39 PM (761 المشاهدات)
حق سكن المعتدة من وفاة بين الشريعة والقانون

للمستشار القانوني رامي احمد الغالبي
امين سر رابطة المستشارين القانونيين


المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على حبيب قلوب العالمين أبا الزهراء محمد الأمين وعلى آله الغر الميامين وسلم تسليماً كثيرا.
اما بعد.
لا يخفى على الجميع ما يتعرض له عراقنا الحبيب من هجمة ارهابية كبرى خلفت عدداً عظيماً من الشهداء والأرامل واليتامى لا ذنب لهم الا لأنهم مسالمون.
وقد شهدت المحاكم العراقي المختصة بقضايا الأحوال الشخصية موجةً كبيرة من قضايا حق السكنى للمعتدة من وفاة.
لذا كان لزاماً علينا أن نُسلط الضوء على هذه القضية الحساسة والظاهرة على الساحة الإجتماعية والقانونية بوضوحٍ لا يحتاج الى مزيدٍ من بيان, لنبين موقف الشريعة الإسلامية المتمثل بآراء المذاهب الفقهية الملزمة لأتباعهم, ثم نتطرق إلى الرأي القانوني في العراق ومحيطه من دول المنطقة العربية لإغناء هذا المقال بالمعلومات الشرعية والقانونية على حدٍ سواء.
وتقتضي الأمانة العلمية أن أؤكد انه ليس لي من فضل في هذا القال المختصر إلا إبراز الآراء الفقهية والقانونية , وإن كان لي من إضافةٍ في هذا المقال، فهو جهد المقل الذي لا يكاد يذكر .
هذا وأسأله سبحانه ان اوفق لتقديم ما يمكن تقديمه في إيضاح هذه المسألة من الناحية القانونية والشرعي, إنه سميع مجيب الدعاء.

آراء الفقهاء في سكنى المعتدة من وفاة

إختلفت أقوال الفقهاء في سُكنى المعتدة من وفاةٍ في اتجاهين :ـ
الأتجاه الأول – يذهب إلى أن لا سكنى لها في اثناء عدتها حائلاً كانت ام حاملاً .
وهذا قول الحنفية والظاهرية والمشهور لدى الحنابلة ، إذ قال الحنيفة : ((لا سُكنى لها في مال زوجها المتوفى سواءً كانت حائلاً ام حاملاً صغيرةً ام كبيرةً مسلمةً ام كتابيةً معتدةً من نكاحٍ فاسدٍ في الوفاةِ, ام من نكاحٍ صحيح ٍ، لأن أموال الزوج بموتهِ تنتقل إلى ورثته فلا يجوز ان تنتقل السُكنى في مال الورثة))(
[1]).
وقال ابن حزم : (( وتعتد المتوفى عنها زوجها والمطلقة ثلاثاً والمعتقة تختار فراق حيث أحبت ولا سكنى لهن لا على المطلّق ولا على ورثة الميت )).

وللإمامية في هذه المسألة قولان :ـ
الأول : قال إن كانت الزوجة حاملاً ومات زوجها فورث المسكن جماعة لم يكن لهم قسمته، إلا مع انقضاء عدتها حيث تنافي القسمة حقها السابق في السُكنى .
والثاني قال: لا سكنى لها مطلقاً فيُعطل حقها من المسكن وهو المشهور لديهم(
[2]).

وقال الحنابلة لا سُكنى للمتوفى عنها زوجها إن كانت حائلاً لأن النكاح قد زال بالموت أما الحامل ففيها روايتان :
الأولى : لها السُكنى لأنها حامل من زوجها المتوفى ، فتكون لها السُكنى كما لو طلقها وهي حامل في حال حياته .
والثانية : لا سُكنى لها لأن مال المتوفى إنتقل إلى الورثة وسكناها إنما يكون للحمل أو لها من أجلهِ، ولا يُلزم ذلك الورثة لأنه إن كان للميت مالٌ يورث عنه فنفقة الحمل من نصيبهِ من الميراث وإن لم يكن للميت مالٌ يورث عنه لم يلزم وارث الميت بالإنفاق على حمل امرأتهِ ، كما هو بعد الولادة, ويذهب القاضي الحنبلي إلى هذا الرأي لصحة هذه الرواية (
[3]).

الإتجاه الثاني :- لمعتدة الوفاة السُكنى حائلاً كانت ام حاملاً :

وهو قول المالكية والمشهور لدى الشافعية, إذ قال المالكية(إن معتدة الوفاة لها السُكنى إن دخل بها الزوج وهي مطيقة للوطء وأما غير المطيقة فلا سُكنى لها إلا إذا أسكنها قبل الموت ، فلها السُكنى دخل بها أم لم يدخل بشرط أن يكون المسكن الذي مات فيه مُلكاً له أو مستأجراً وقد دفع كِراءُه, وإن لم يكن قد دفعه فلصاحب الدار إخراجها منه)) (
[4]).

أما رأي المذهب الشافعي فيتلخص في رأيين :

الأول : لا سُكنى لها .
والثاني : وهو المشهور لديهم، لها السُكنى لأمره ((صلى الله عليه وآله وسلم)) فُريعة (بضم الفاء) بنت مالك أخت أبي سعيد الخدري, لما قُتل زوجها ((أن تمكث في بيتها حتى يبلغ الكتاب أجله فأعتدت فيه اربعة أشهر وعشرة أيام, كما أن السُكنى لصيانةِ ماء الرجل وهي موجودةٌ بعد وفاته, وفي حال حياته وإن السُكنى حقٌ لله تعالى ، فلم تسقط بالوفاة بخلاف النفقة فهي تسقط بسبب الميراث بعد الوفاة)) (
[5]).

موقف القانون والقضاء من سكنى معتدة الوفاة

أشارة المادة (50) من قانون الأحوال الشخصية العراقي النافذ في شطرها الأخير إلى عدم إستحقاق معتدة الوفاة للنفقة (
[6])، والنفقة بموجب الفقرة الثانية من المادة (24) من القانون تشمل الطعام والسُكنى والكسوة ([7])، وعليه فإن معتدة الوفاة وفقا لقانون الأحوال الشخصية العراقي ليس لها حق السُكنى في مسكن الزوجية سواء أكان ملكاً للزوج ام مستأجراً ودفع الزوج اجرته قبل وفاته وللورثة حق اخراجها منه تبعاً لذلك .
وموقف القانون السوري والأردني لا يختلف عن موقف القانون العراقي في عدم إستحقاق معتدة الوفاة للسُكنى إذ نصت المادة (83) من قانون الأحوال الشخصية السوري النافذ على أنه(تجب على الرجل نفقة معتدته من طلاق او تفريق او فسخ)).
ولم تذكر هذه المادة نفقة المعتدة بعد الوفاة ويفهم منها عدم إستحقاق معتدة الوفاة للنفقة ((ومن ضمنها السُكنى)), وقد قضت بذلك صراحة محكمة النقض السورية بأن (( لا نفقة لمعتدة الوفاة)(
[8]) ، كما نصت المادة (144) من قانون الأحوال الشخصية الأردني النافذ على انه (( ليس للمرأة التي توفي زوجها سواء كانت حاملا او غير حامل نفقة عدة )).
كما نصت المادة (2) من قانون الأحوال الشخصية المصري المرقم (25) لسنة 1920 على أن : ((المطلقة التي تستحق النفقة تعتبر نفقتها ديناً (في ذمة زوجها) من تأريخ الطلاق)).
فقد ذكرت هذه المادة المطلقة دون المعتدة من وفاة في استحقاقها للنفقة (ومنها السُكنى) مما يعني عدم إستحقاق معتدة الوفاة للسكنى وفقاً للقانون المصري .
أما مشروع القانون العربي الموحد للأحوال الشخصية فقد نص في المادة (56) منه على أنه : (( تستحق معتدة الوفاة السُكنى في بيت الزوجية مدة العدة ما لم تخرج منه برضاها)) .
وهذا النص واضحٌ وصريح بوجوب السُكنى لمعتدة الوفاة في مسكن الزوجية وهو ما نقترح على مشرعنا العراقي من الأخذ به ليكون لمعتدة الوفاة الحق في السُكنى في مسكن الزوجية سواء أكان مملوكاً للزوج ام مستأجراً ودفع اجرته سلفاً الا اذا كان لمعتدة الوفاة مسكن خاص بها او كانت تقيم في مسكن اهلها ، وكان الورثة يسكنون في مسكن الزوجية لفقرهم فلا يكون حينئذٍ لها حق السُكنى فيه .

المصادر
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ

([1] ) الامام علاء الدين ابي بكر ابن مسعود الكاساني ، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ، ، ، ج3 ، ص 210 ., دار الكتاب العربي ، بيروت ، لبنان ، 1402هـ/1982م.


([2]) زين الدين الشهيد السعيد الجبعي العاملي ، الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ، ج2 ، مطابع دار الكتاب العربي ، مصر، 1378هـ ، ص ص 160-161 .

([3]) ابن قدامة ، المغني ، ويليه ابن قدامة المقدسي ، الشرح الكبير ، ج9 ، ص 172 . ولتوضيح رأي الحنابلة ، ينظر: د. عبد الكريم زيدان ، المفصل في احكام المرأة والبيت المسلم في الشريعة الاسلامية ،، ج9 ، ص 246.، الطبعة الثانية ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، لبنان ، 2000 – 1420هـ.


([4]) المواق ، التاج والاكليل ، على هامش الحطاب مواهب الجليل ، شرح مختصر خليل ، ، ج4 ، ص 162- دون سنة الطبع163 .

([5]) ابن قدامة، المغني ، ج3 ، ص 402 .

([6]) نصت المادة (50) من قانون الاحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 على انه ( تجب نفقة العدة للمطلقة على زوجها الحي ولو كانت ناشزاً ولا نفقة لعدة الوفاة )) .

([7]) ونصت الفقرة (2) من المادة (24) على ان (( تشمل النفقة والطعام والكسوة والسكن ولوازمها واجرة الطبيب بالقدر المعروف وخدمة الزوجة التي يكون لأمثالها معين)) .

([8]) اديب استانبولي وسعدي ابو حبيب ، المرشد في قانون الاحوال الشخصية السوري ، ج1، ص208.

التصانيف
غير مصنف

التعليقات

تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال