وليد خالد حسن

اسلوب التمثيل في مسرح مابعد الحداثة

تقييم هذا المقال
بواسطة وليد خالد حسن, 19th September 2012 عند 04:03 PM (947 المشاهدات)
تضمنت الحداثة اتجاهات مسرحية مختلفة حيث أنها تضم تحت مظلتها . اتجاهات مسرحية متناقضة بعضها لبعض (مسرح أبسن، مسرح العبث، المسرح التسجيلي، المسرح الطليعي) . وان الحداثة تلتقي بما بعد الحداثة في جملة أمور فالحداثة "تحتفي بالتعدد والتشظي وعدم التواصل، وتحتفي بالعابر واللحظي، وبالمفارقة، وترفض الفصل الحاد بين الأنواع، وكلها قيم تحتفي بها أيضاً ما بعد الحداثة .إلا أن الحداثة تقف من هذه المعاني موقفاً مأساوياً، حيث تنعى إلى العالم نفسه، بعد أن سادت فيه هذه القيم، (بينما) ما بعد الحداثة (تلهو) وتلعب بما تراه الحداثة (مقدساً) حيث تشكل ما بعد الحداثة نظرة جديدة للحداثة بطريقة تتناسب وخصوصيتها دون نفي ما قبلها ، لذا يرى (ايكو) ان جواب ما بعد الحداثة على الحداثة يكمن في الإدراك والاعتراف بان الماضي الذي لا يمكن تهديمه ، لان تهديمه يؤول إلى الصمت ، فيجب إذن أن ننظر له بأسلوب جديد .

ويوصف المسرح الحداثي بأنه خشبة مسرح انقلبت بصورة فضولية على ذاتها، اتسمت بالتمييز بين الذات والعالم، وتفعل ذلك ليس من خلال تقديم العالم الخارجي ولكن من خلال تطوير فن الأداء.وتكشف عروض الحداثة نوعا من التأرجح بين تمثيل الواقع من جهة وعدم تمثيله لذا يتم الاستناد إلى الأشكال التجريدية والخيال المكثف، فضلاً عن تغيير فلسفة كل من الزمان والمكان، كما تظهر عملية بتر التسلسل الزمني واستبدالها بالاشراقات الداخلية. واعتماد الأسطورة والارتكاز على المفارقة في بناء الشخصيات، وميل اللغة نحو الإشارة.

ترتبط الحداثة بما بعد الحداثة بعلاقات مختلفة وتسعى مابعد الحداثة على تخطي الحداثة وإزاحتها على الرغم من ان التوجه الـما بعد حداثي، هو ذلك الذي في وسط ما هو حداثي. يسعى إلى سبل جديدة للتمثيل، ليس لكي يستمتع بها وإنما لكي يغرس إحساساً أقوى بما لا يمكن تمثيله إذ أن انهيار الحدود التقليدية والانشغال بالفنيات والأساليب المسرحية، هي السبب الرئيس لإطلاق مصطلح (ما بعد الحداثة) على ذلك المسرح. ما بعد الحداثي هي، انهيار الحدود الفاصلة بين الثقافات والأجناس والفنون والنظم والأنواع الأدبية، والنقد والفن، والأداء والنص، والعلامة ومدلولها كما أن ما بعد الحداثة تتجه نحو اللهو، والانفتاح، والوظيفة التنفيذية، والانفصال، والأشكال غير المحدودة او التي في غير مكانها، والأجزاء المتناثرة من الجدل، أو الإرادة التي تسعى لهدم ما هو موجود، واستحضار الصمت .

وجدلية تحقق المعنى من عدمه تظهر جليا في منظومة مابعد الحداثة ، اذ يتولد فن ما بعد الحداثة من محاولة تخريب الادعاء بامتلاك المعنى، وان المعنى لا يتحقق أبداً بصورة كاملة . وما بعد الحداثة لها موقف من الأسلوب، لذلك تعمل على تفكيكية وقد ظهرت عدد من المسرحيات التي دارت حول تشظي الهوية وتغريب اللغة وبالتالي التشكيك في النص نفسه بل والدعوة إلى موت الشخصية مما يدعوا إلى استيعاب ذاتنا كشظايا من الفكر والرؤيا والحدث ، وكل ذلك من اجل منح المتلقي رؤية متحررة وقراءات متعددة، فمع سقوط الأنظمة الشمولية في السياسة ،وكذلك المعايير الجماعية في الأحكام الجمالية (الفن للفن أو الفن للمجتمع مثلا)أصبحت جماهير ما بعد الحداثة أكثر تحرراً في التمتع بالمنجز الفني،مع ما يسند ذلك من توجه نحو جمع مفردات مختلفة بمرجعيات متنوعة كما حدث في عروض فرقة(ووستر) حيث التوجه إلى الجمع بين عناصر مختلفة صوتية وبصرية مستقاة من مصادر منوعة كالأعمال الدرامية والسينمائي في كولاج مسرحي مثيرو توظف أسلوب التفتيت والتشظي، كما توظف المحاكاة الساخرة في الاستفادة من الأساليب التي تناهضها وهي ترتبط بعروض تختلف عنها في كثير من الملامح ، لذا استندت ما بعد الحداثة في المسرح إلى الحرث في الجسد بدلاً من الحرث في الكلمة حتى لا يظل المشهد المسرحي لاهوتياً، طالما هيمن عليه الكلام أو إرادة الكلام، فأصبح المشهد المسرحي يرتكز إلى بعض السمات منها نفي مركزية الفعل عن النص المكتوب أو النص المنطوق (الحبكة المتشظية) وكذلك إعادة الاعتبار للجسد بوصفه حاملاً المعرفة والاهتمام بمكانته .

ان مابعد الحداثة أفادت مما قبلها لإيجاد نسقها الخاص المتمثل بمزج كل الاتجاهات السابقة لها وخلطها في تكوينات جديدة وظفت فيها كافة التقنيات التكنولوجية المتاحة ومنحت إمكانية تحررية عالية للأداء ومستوى عرضه الذي يتواكب مع مستويات القطع والتكرار بشكل أتاح فرصة للتحرر الأدائي وإدخال المتلقي بصورة أكثر فعالية ضمن منظومة العرض المابعد حداثي ، إن ما يؤكد طابع التحرر والتغيير في مابعد الحداثة هو محاولة استثارة بواعث الإبداع الجمالي بتوظيف مقومات تشكيلية بأساليب تتجاوز الطرق التقليدية المتوارثة والتحرر من أيديولوجيتها والعمل على استحداث كل ما من شانه بناء فني جديد حر يخضع لقيم جديدة تعبر عن تحرر قادر على نقل حالة التحرر بأطر فنية يتداخل فيها المجاز والعبث والتغريب والتهجين والقطع والتكرار والسخرية النقدية وتعدد المعاني في بنائها الجمالي والمعرفي .


التصانيف
غير مصنف

التعليقات

تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال