علي هادي ضايف
الى حسين الهلالى ////////// علي هادي ابوزيد
بواسطة علي هادي ضايف, 30th November 2014 عند 11:28 PM (510 المشاهدات)
من الذي اقتفى أثر الزائر الأخير للمدينة؟خطوة واحدة ثم يختفيان.. تعود المدينة عند الصباح، كما لو كانت منذ ألفٍ، صاخبة مثل نوارس النهر في كانون، وهادئة مثل جريان ماء الغراف على صياح الباعة قرب الجسر.. والزائر الأخير، يختفي تاركا أثرا مضيئا اسمه حسين الهلالي، ما عاد أبوعلي إلا أثرا في مدينة، وأي أثر في فضاء المرويات الشعبية، إذ يربض النسر في فضاء القصب الأكدي أو تنّبت صيحة طائر في أفق الغموكة بين ثنائية الريف والماء..كل متأملي الحرف ورسامي المعمار ومعلمي الأبجدية وجلاس المقهى ومهاجري المدينة في الأقاصي، توقفوا حدادا عند أثر الزائر الأخير، كلهم استعادوا الآن صورة العائد من متخيل القرى النائية التي تلتم عند الشط وتقيم أنبارا للحبوب وقصرا للشيخ ومكتبة للدين، وتتأطر في تلك الأبعاد الأساسية الثلاثة لتقيم مخططا أوليا لمدينة، تجتث أحراشها البرية فتنشئ دارا للبلدية ومشفى ومطحنة ومعملا للثلج وسوقا قيصريا، وتطلق بنائين ونحاتين وصباغين ورسامين وشعراء وقصاصي أثر في صورة واحدة لا تتجزأ.تعود المدينة عند الفجر، سادرة مثل لحظتها الأولى ويذهب مروضو الخيول القدماء في صورتهم الجديدة الى مسرح يزيده حسين الهلالي ألقا، إنه يكتشف لهم ساحة المروضين الأقدم في فضاء لكش وجراوية جوديا..كان مدهشا للبسطاء حين يعبر عن استغفال برترام توماس الضابط الانكليزي في المدينة، إذ أخبر توماس ومن خلال الكشف من قبل الآثاريين الذين معه بأنه يقف في نفس مكان جوديا الملك القديم، وهكذا وضع توماس قدمه على مسناة حجرية على النهر قائلا بفخر: ها آنذا أقف في الموقع الذي كان جوديا يدير البلاد من خلاله، وكتب ذلك في مذكراته، إلا أن الراحل حسين الهلالي ضحك كثيرا حين أنبئ وقال: لم يكن موقع الملك جوديا الذي يتفاخر به برترام توماس وإنما هو طابوق المعبد الذي سرقه التاجر الفلاني ليبني بيتا له قرب النهر.وبالرغم من أن الراحل لا يخفي ألمه حين يسرق البسطاء طابوق المعبد القديم، إلا أنه يظهر الاستخفاف بعجرفة الضابط الانكليزي في هذا الأمر..لقد جاء الزائر الأخير المر ملقيا ظلاله الحزينةش على وجوهنا، مصطحبا أبا علي معه إلا أنه أبقى أثره الذي لا يمحى في ذاكرة الجنوب ومرويات النهر..أبقى نواة للبحث والعمل الأدبي والفني في أكثر من حقل، كان مضماره الأول في الفن التشكيلي، إذ يعدُّ الفقيد من النخبة المضيئة المتخرجة في معهد الفنون الجميلة مطلع الستينيات من القرن الماضي، إذ أقام المعارض التشكيلية الكثيرة في محافظته وبغداد والعالم، والى جانب ذلك كتب وألّف الكثير في هذا المجال.والحقل الثاني في الفن الدرامي سواء في المسرح او الدراما التلفزيونية، إذ شهد مسرح مدينة الشطرة انطلاق العديد من مسرحياته قبل أن تنتقل الى بغداد ومدن آخرى، فيما رافق ذلك اهتماماته الكبيرة في الروايات والمأثور الشعبي موثقا الكثير من الوقائع التي تختزن في الذاكرة الفلاحية وشبه المدينية ابان التحول الى العراق الحديث.أما حقله الأخير، حيث يعدُّ من أهم الباحثين المحققين في مجال الشعر والمرويات الشعبية، حيث كان الراحل ذاكرة واسعة لأكثر المروي من تاريخ الجنوب الزراعي العراقي وأحوال الزمان عبر مئات السنين.فوداعا أيها المربّي والتربوي والفنان الكبير.