عبدالله النجار

نظرية الحب لدى افلاطون..

تقييم هذا المقال
بواسطة عبدالله النجار, 30th November 2014 عند 08:26 PM (578 المشاهدات)
يعرض أفلاطون نظريته في الحب في عدد من محاوراته ولاسيما في " المأدبة " وأول مايلفت الاهتمام في خطاب بوزانياس ، أحد المدعوين ، تقسيمه الحب إلى نوعين :
الحب النقي وهو صداقة مبنية على الفضلة والحشمة تهدف من خلال التعاطف الإنساني المتبادل بين الصديقين إلى خلق نوع من التكامل الروحي لدى أصغرهما سناً . وهذا الحب المشروع يخلق الشروط الملائمة لنقل المعرفة كما يسمح باتصال نفسي أكمل بين الناس.
أما النوع الآخر فهو ما ندعوه بالحب " اليوناني " أو بعبارة أوضح " الشهواني" ثم نصل إلى خطاب " ارستوفان " لكي نجد تعبيراً أسطورياً عن الحب ولكنه ذو دلالة عميقة من حيث أنه يرمز إلى العلاقة الزوجية أو الحب " النوعي " الذي يهدف إلى حفظ النوع الإنساني . تقول الأسطورة :
كان في بدء الخليقة ثلاثة أنواع من البشر : رجال ونساء وكائنات موحدة بينهما معاً . كانت هذه بمثابة كائنات مضاعفة ، لها رأسان متقابلان مرتفعان فوق عنق واحد وأربع أذرعه واربع أرجل وقلبان ومعدتان الخ ..
وتآمرت هذه الكائنات على الآلهة فرأى الاله زيوس أن ينتقم منها بأن يضعفها لئلا تعود إلى التآخر فشطرها إلى شطرين " كما تقسم البيضة إلى قسمين لتملح " ..
ومنذ ذلك اليوم وهذه الكائنات لاتني تفتش عن نصفها الآخر : وهذا هو مصدر الحب .
تذكرنا هذه القصة بنص التوراة حول حلق الإنسان الأول :
" فأوقع الرب الإله سباتا على آدم فنام فاستل أضلاعه وسد مكانه بلحم . وبنى الرب الاله الضلع التي أخذها من آدم امرأة فاتحد بها آدم . فقال آدم : هو ذا هذا المرأة عظم من عظامي ولحم من لحمي . هذه تسمى امرأة لأنها من امرئ أخذت . ولذلك
يترك الرجل أباه وأمه ويلزم امرأته فيصيران جسداً واحداً " .
( تكوين : 2 : 21-25) .
من خلال هذه النظرة ينفتح ذهننا على أعمق معاني الحب : " الشوق العميق العنيف نحو النصف الآخر المكمل للكيان الموحد " ونظرة التكامل هي من الأسس العميقة للنظرة التطورية المبنية على الصعود المستمر من العدم النسبي إلى الوجود في صيرورة متطورة دوما عن طريق اكمال النقص في كل كائن بالغنى المتوفر لدى الكائن المقابل ضمن النوع الواحد . هذا الشعور العميق بالعوز هو الذي يحرك التجاذب النوعي بين كل عنصرين متكاملين .
وتأتي في ختام الخطب كلمة سقراط هادئة جليلة مطولة لتكلل هذا البحث الشيق حول الحب : ينقل "سقراط " فكرته في الحب عن نبية يونانية تدعى " ديوثيما " عالمة بشؤون الحب . تقول ديوثيما :" الحب صلة وصل ، وسيلة تهدف نحو غاية .. " هذه الغاية هي : " الإثمار في الجمال " . ثم تردف :
" الحب ينتج عن رؤية الجمال .. هو تلك الرؤية بعينها .. هو العاطفة والحرارة اللتان ترافقان تلك الرؤية . ولم يوجد الحب أصلاً إلا لكي يجعل ممكناً وجذاباً ذلك العمل الذي يستجيب به الإنسان لنـزوع طبيعته ، ... الالهي الخلاق الذي به يستمر ويحاول أن يخلد ، وثمة نوعان من الخصب جسدي وروحي وكلاهما بحاجة إلى الجمال لكي يثمر. فالرجل المخصاب بالجسد يفتش عن امرأة لكي يبني أسرة والرجل المخصاب بالروح يفتش عن شباب لكي يلد فيهم الحكمة . وتؤكد ديوثيما أن النوع الآخر هو أكمل وأنبل أنواع الاثمار أو الخصب .
ذلك المفهوم يبرر لدى " ديوثيما " ما يدعى بالعزوبية المثمرة تلك التي تخرج عن قوقعة الآنا ، وتحرم ذاتها من الحياة الزوجية لكي تضاعف في العالم بالمحبة والعلم والتربية الصالحة أولاد قلبها وعقلها وروحها .
أما أن يحتاج الإخصاب الروحي إلى عنصر الجمال فذلك عرضة للنقاش . فالروح لا تحتاج إلى الجمال وهي التي تحتوي في صلب كيانها على كل معاني الجمال . .
هذه هي الدرجة الصوفية الأولى في طريق الحب ، ذلك السلم الصاعد من الأرض إلى السماء ومن الإنسان إلى الله . وإذ يكون الداخل إلى هيكل الحب .... الجمال الحسي وراح يفتش عنه في كل مكان . وإذ يكون قد رهف ذوقه ... لدرجة اكتشافه من حوله، وحيث يكون مخفياً، فتلك هي اللحظة المناسبة لكي يعبر منها إلى الدرجة الثانية : إلى تذوق الجمال النفسي والروحي . .
إذ ذاك فلابد أن يكون قد استنفذ الإنسان كافة ينابيع الجمال الحسي فيرتفع إلى التفتح عن معاني الجمال الروحي ، فيعده حب الجمال في الأشياء إلى حبه في النفوس والأعمال .
ويصعد الإنسان بعد ذلك درجة ثالثة أبعد منالاً حيث يتمرس على اكتشاف الجمال اللامادي في العلوم والرياضيات المجردة . وحينما يشعر إزاء حساب دقيق بدقات قلب فرحة وبمتعة جمالية جذابة ، وحينما يجد في الحركة والانحناءة أو في برهان هندسي شيئاً مؤثراً تماماً كما يجده في وجه متناسق جميل ؛ وعندما يصل به مثل هذا الجمال العقلاني ليس إلى احتقار الأشكال السابقة للجمال ، بل إلى الاستغناء عنها وتجاوزها بصفتها أشكالاً دنيا سبق أن تملى منها .. حينئذٍ سوف يجهد في الصعود درجة فدرجة نحو مايحرره من المادة أكثر فأكثر .
وفي قمة السلم ينتظره مرآى رائع للغاية ، ولكنه ليس بهذه الحياة. وهو مرأى من شأنه أن يملئ كافة رغباته ونزعاته وكل طاقته بالغبطة والسعادة حيث تقول ديوثيما : أن من يتقدم إلى هذا الحد في طريق الحب دون أن يناقض الحركة التي تحمله اليه ، سوف يرى فجأة منظراً رائع الجمال ولكه في جوهر الكيان وماهيته : إنه الجمال الخالد، غير مخلوق وغير فان وغير قابل لزيادة أونقصان جمال لاتعتبره ثغرة أو جانب غير جميل ولايحده اختصاص ولاتحتويه زاوية ، إنه الجمال الكلي المطلق الشامل .
تختتم ديوثيما : إن ما يعطي لهذه الحياة حقها ومعناها، ياعزيزي يبرر وجودها هو أن نستمتع يوماً بمثل هذا الجمال الخالد " .
ألا تقارن هذه العبارة الختامية بعبارة الرسول بولص :
" لاعين رأت ولا أذن سمعت ولم يخطر على قلب بشر ما أعده الله لمختاريه"
ألا نرى في هذا الجمال المطلق صفات الألوهية ؟ الجمال الذي ينبع منه كل جمال والذي يشبه كل جمال ومنه الجمال الإنساني وفق الآية القائلة : " وخلق الله الإنسان على صورته ومثاله " .
هذا السلم المصعد إلى العلا ، العقل والقلب معاً، هو الطريق الأفلاطوني إلى الله. وهو طريق إنساني أيضاً بخلاف الطريق ق الأرسطالي الذي يتبع المنهج العقلاني المنطقي الجامد. وهو طريق يوحد بين المقولات الثلاث الكبرى : " الحقيقة والخير " .
أما المعنى الشامل العميق للحب ، أما حرارة الحب الحقيقي الذي يلهب الشعور الإنساني ويبدل في مجرى الحياة الفردية والاجتماعية ، ويصهر الأنانية في بوتقة المحبة الشاملة ويتدفق كالشلال وكالسيل من شعاع شمس محرقة مشرقة مذيبة؛ ذلك الحب الكامل لن نجده حتى لدى أفلاطون . إنه ينبع من محبة الله الذي أحب الجميع حتى بذل عنه ابنه الوحيد والذي وحدنا في بنوة مبررة بدم الفداء الشامل . ذاك هو الحب الذي يحتوي على كامل صفات النبل والسمو والألوهية..

مقتبس.. عن مقال للأب أوغست فالنسان..
التصانيف
غير مصنف

التعليقات

تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال