مريومة
اســــلام اوروبــــي أم أوروبـــــــ
بواسطة مريومة, 23rd August 2012 عند 04:04 PM (486 المشاهدات)
اســــلام اوروبــــي أم أوروبـــــــا مسلمــــــة
جاءت أحداث الهجوم الارهابي علي مركز التجارة العالمي بنيويورك في الحادي عشر من سبتمبر عام2001 بواسطة تنظيم القاعدة لتضع الاسلام والحركات الاسلامية في بؤرة اهتمام شبكات التليفزيون العالمية, كما حرصت الصحافة العالمية أيضا علي أن تغطي كل كبيرة وصغيرة تتعلق بهم علي اعتبار أن تلك الاحداث خلقت نوعا من الاهتمام غير المسبوق بكل ما يجري في المجتمعات المسلمة فمنذ ذلك الحين لم تخل الصفحة الأولي من أية صحي
' رئيسي يتعلق بحدث يكون المسلمون فيه طرفا رئيسيا أو حتي هامشيا . ولم تبد وسائل الاعلام الغربية وحدها هذا الاهتمام , بل انضم إليها المجتمع الدولي المعاصر الذي استقرت في وجدانه صورة سلبية للاقلية المسلمة لم يعد من السهل تصحيحها أو تغييرها , واستمر اهتمام المجتمع الدولي بأخبار الحركات الاسلامية مع شن حملات عسكرية لمكافحة الارهاب في كل من أفغانستان والعراق .
وهذا القلق تجاه نحو ما يعرف بالاسلام السياسي ليس بجديد . فخلال الأربعين عاما الماضية استطاعت الحركات الاسلامية السياسية أن تخلق لها وجودا في مختلف دول العالم الاسلامي وأن تستقطب أنظار العالم اليها إلا أن هذا الاهتمام كان يشوبه كثير من الحذر والريبة علي الأخص من قبل الحكومات أو الأكاديمييين علي مستوي القارة الأوروبية حيث ترسخ لديهم اعتقاد بأن الحركات الاسلامية تمتلك هوية واضحة و كيانا موحدا تسيره آلية تمكنه من استقطاب الأخرين والقدرة علي التوسع التلقائي الذي لا يعرف له حدودا , ليس هذا فحسب بل وتتبني برامج مجتمعية تنموية الي حد كبير ربما تهدد القيم والاعراف التي تميز الحضارة الأوروبية والغريب أن هذا الاعتقاد يأتي مناقضا تماما لحال الحركة الاسلامية التي تعتبر في الواقع هيكلا منقسما علي نفسه مكونا من جماعات متباينة ومتعارضة من حيث المواقف والاتجاهات والمناهج والأساليب والأهداف من دولة لأخري بل داخل الدولة الواحدة .
ولكن انشغال أوروبا بالاسلام وما قد يمثله من تهديد لها , تعاظم خلال العقدين الماضيين , وبالتحديد منذ سقوط حائط برلين عام 1989 وانتهاء الحرب الباردة . وتفسير حالة القلق تلك هو أن أوروبا باتت في حاجة الي ملء الفراغ الذي تركه انهيار الاتحاد السوفيتي السابق الذي كان مصدر تهديد مستمر لها في فترة الحرب الباردة , وكان من الضروري إيجاد بديل له , وكان الاسلام هو البديل الذي يعوض اختفاء العدو السابق . فظهور الخطر الاسلامي بالنسبة لأوروبا غير من عدائها للون الأحمر لتوجهه الي اللون الأخضر شعار الحركات الاسلامية , فإيجاد عدو مشترك بدون شك عنصر مهم في دعم التجانس الاجتماعي والسياسي لأوروبا الجديدة الموحدة .
فوجود مثل هذا العدو المشترك يخدم أهداف المعاهدات الأوروبية التي تسعي الي أحداث تغييرات ( جوهرية ) في التركيبة أو الخريطة المجتمعية الأوروبية مثل معاهدات ماسترخت ونيس وأمستردام . ففي عصر سمته الأساسية التغير السريع وغير المتوقع , وهو التغيير الذي ينبيء بانتهاء عصر وميلاد عالم جديد يتسم بالاندماج السياسي والتكتلات الاقتصادية . فأوروبا لم تكن استثناء من القاعدة , حيث أن عجلة التكامل والاندماج الأوروبي تسير علي نفس الوتيرة . ورغم تزايد عدد الدول الأعضاء في الاتحاد وسرعة التغيرات بالاضافة الي التناغم والتشابه في الكثير من المجالات في الدول الأعضاء مثل السياسات النقدية والاتجاهات السياسية والمواصلات والاتصالات والإعلام إلا أن تباين الثقافات واختلاف القاعدة الاجتماعية في أوروبا كان ومازال العقبة الرئيسية التي تواجه مهندسي بناء أوروبا الموحدة , حيث أن الحل لاستكمال البناء هو خلق هوية ثقافية أوروبية مشتركة وربما كان عدم نجاحهم حتي الآن في الوصول الي هذا الهدف هو الإخفاق الأكثر وضوحا في محاولة الاندماج الأوروبي حيث وجدت أوروبا نفسها عند مفترق طرق , لذا كان من الطبيعي أن تتصدر مسألتا الهوية الأوروبية ومستقبل أوروبا الأجندة الاجتماعية والسياسية في القارة كلها .
وبذلك يمكن ادعاء أن أحد أهم الدوافع والأسباب التي تدعم الانتهاء من بناء أوروبا الجديدة الموحدة هو وجود خطر خارجي . وكان إرث سوء التفاهم وحالة عدم الثقة بين أوروبا والعالم الاسلامي التي نمت وظلت حية علي مدي اثني عشر قرنا من الزمان , هو الذي جعل المسلمين المرشح الأساسي لملء هذا الفراغ الذي تركه انهيار الاتحاد السوفيتي السابق , وكان تزايد أعداد المسلمين في مجتمعات أوروبية مختلفة وما لهم من نشاط ملحوظ علي المستوي الاجتماعي والسياسي , خاصة مع مطالبة الجيل الثاني من المسلمين هناك أن يكون لهم دور أكثر فاعلية في تلك المجالات مما إثار قلق أوروبا وجعل مسألة دور المسلمين في أوروبا الجديدة من أكثر القضايا إثارة للجدل , هو السبب الداعم لاختيار الاسلام كعدو بديل .
ومما دعم تلك الفكرة هو أن العلاقة بين الاسلام وأوروبا تقوم علي أساس متبادل من عدم الثقة وفكرة الصراع , فالتعاليم المسيحية والانفصال التام عن الاسلام سواء علي المستوي الثقافي او الجغرافي للحفاظ علي الحضارة والهوية الأوروبية بعيدا عن تأثير الاسلام , بالاضافة الي أن التزاوج بين التاريخ القديم والحديث كأساس لأوروربا الحديثة , والذي دائما ما كان يعتبر الاسلام خطرا يهدد أوروبا , وهو الاعتقاد القائم علي عدد من الأحداث التاريخية مثل حصار الامبراطورية العثمانية لفيينا عام 1683 وغزو الأندلس حيث كانت سببا في العداء المستمر تجاه الاسلام , وهو في الوقت نفسه أدي الي عدم الالتفات الي تكون الهويات القومية الأوروبية المختلفة التي شكلت الخريطة المجتمعية لأوروبا . ومن الملاحظ أن السير في اتجاه الاندماج الأوروبي لم يستطع أن يحد من تمسك الشعوب الأوروبية المختلفة بهوياتها وثقافاتها . ورغم أن محاولة الاندماج الاوروربي نجحت في بعض الأحيان في القضاء علي بعض العناصر التي تدعم الهوية الثقافية والاجتماعية , الا أنها لم تنجح في تغيير نظرة تلك الشعوب للإسلام والتي تعتبره خطرا لابد من الحيطة منه خاصة الآن بعد زيادة النشاط السياسي والاجتماعي للاقليات المسلمة التي تعيش علي أراضيها والتي غالبا لا تتوافق مع القيم والبرامج العلمانية لأوروبا الغربية .
وفي العصر الحديث , كانت الدراسات الاكاديمية المعنية بوضع المجتمعات المسلمة في أوروبا دائما ما تتجاهل معلومات هامة كان يمكن أن تستغلها بشكل صحيح . فبجانب أعتبار الاسلام خطرا يهدد الهوية والحضارة الأوروبية , كان هناك عدد من العوامل التي جعلت دور الاقليات المسلمة في أوروبا مسألة تستحق البحث والاهتمام , أولها كما سبق أن ذكرنا زيادة الهجرة الي أوروبا , وبالتالي زيادة نشاطهم الاجتماعي والسياسي وتوافق الجيل الثاني للمسلمين مع الآليات القانونية الأوروبية وتمتعه بامتيازات أفضل وأكبر دعمت من موقفه علي المستوي الاقتصادي والاجتماعي للحد الذي جعله يحاول إيجاد دور له علي الساحة السياسية .
العنصر الثاني أن تفكك يوغوسلافيا السابقة ساهم في زيادة الاهتمام بدور الاسلام والاقليات المسلمة في أوروبا الجديدة , فالطابع العنصري للصراع في البلقان كشف عن أهمية المسلمين الذين كانوا منسيين في أوروبا . وربما كانت تلك الاسباب وراء الاهتمام المتزايد من قبل الأكاديميين باجراء دراسات تهتم بوضع المسلمين في أوروبا , وكان أهمها دراسة اجراها ' بنسلين ' بعنوان ' المسلمون في أوروبا الغربية ', وكذلك الدراسة التي قام بها ' أنور ' و ' نييلوك '. ولكن ما يزيد من صعوبة إجراء مثل تلك الدراسات الطبيعة المتغيرة لأوروبا الجديدة بالإضافة الي التطور السريع للأقلية المسلمة في أوروبا الغربية . وبدون شك فأن المسألة تتطلب تحليلا علي مستويات ومراحل متعددة للبحث في العناصر الاجتماعية والسياسية والثقافية وتحديد قدرة المجتمع الأوروبي علي استيعاب الأقلية المسلمة بين جنباته , بالتالي يسهل وضع تصور واضح لمستقبلهم في أوروبا الجديدة وبالتحديد في الخريطة المجتمعية الأوروبية .
ولكن من الواضح أنه من الصعب تحديد قدرة استيعاب المجتمع الأوروبي للمسلمين بسبب عدد من العناصر الهامة , منها ارتفاع نسبة البطالة في أوروبا وهو ما تزامن مع زيادة نسبة المهاجرين إليها من المسلمين , وكذلك رفض الأقليات المسلمة للذوبان الثقافي والاجتماعي في الخريطة الأوروبية الثقافية الاجتماعية .
والمرء لا يملك هنا سوي الاعتراف بأن هناك قصورا واضحا في دقة كثير من الدراسات الحديثة الخاصة بدور الأقليات المسلمة في أوروبا الجديدة , فكثير منها يشوبها التعميم واستخدام مناهج بحثية بسيطة فعلي سبيل المثال نجد أن استخدام مصطلح الأقلية المسلمة ربما يوحي بتجانس وتناغم المجتمع الأوروبي المسلم , في حين أنه متباين الشخصية والهوية , فكل مجموعة منه مختلفة التكوين . وبالمثل فإن معاملة المجتمع الأوروبي علي أن له هوية موحدة يعتبر نوعا آخر من القصور , فهو مصطلح آخر يعكس قصورا آخر في تلك الدراسات . فلابد من الاعتراف بالطبيعة غير الواضحة لهوية أوروبا الموحدة والتي يجب إدراكها والاعتراف بها بجانب الشخصية الفردية المميزة للغاية لكل مجتمع علي حدة داخل القارة الأوروبية , والي أي مدي هذه الشخصية تؤثر علي المسلمين داخل تلك المجتمعات الأوروبية منفردة , وهنا لا يجب أن نتجاهل في هذا النقاش الاختلاف الاساسي والكبير والواضح بين دور الأقليات المسلمة في شرق أوروبا ودورها في دول غرب أوروبا ووضعها وظروفها في كلتا المنطقتين . وهذا الاختلاف يعود الي خلفيات تاريخية وسياسية وثقافية واجتماعية متباينة , وهي عناصر لابد من أخذها في الاع
تبار من أجل قراءة صحيحة لمستقبل المسلمين في اطار التوسع في البنية الاجتماعية والسياسية لأوروبا الموحدة .
ففي أعقاب فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية كان وضع المسلمين في أوروبا لا يحظي باهتمام حقيقي بالنسبة للمهتمين بالعمل علي توحيد أوروبا خاصة وأن محاولة تنفيذ تلك الفكرة علي أرض الواقع كانت تواجه تحديات كثيرة كما أن وضع المسلمين في غرب أوروبا كان ضعيفا جدا إن لم يكن هامشيا خاصة علي المستوي الاجتماعي والسياسي . فحتي السبعينيات من القرن الماضي كانت العلاقة بين أوروبا والعالم الاسلامي تركز علي وضع المجتمعات الاسلامية في المستعمرات الأوروبية القديمة وعلي الانقلابات السياسية في الشرق الأوسط ومشاكل الاندماج والتكامل الثقافي والتفاهم بين كلا الجانبين وهي المسألة التي تعد من أكثر الأمور أهمية بالنسبة لكليهما .
وخلال الخمسينيات والستينيات وفد عدد كبير من المهاجرين المسلمين إلي أوروبا مع بداية الانتعاش الاقتصادي لها وزيادة الطلب علي العمالة المهاجرة وكانت تلك الأقليات الوافدة وقتها عرف عنها الخمول النسبي فيما يتعلق بممارسة الأنشطة الاجتماعية والسياسية والثقافية فدورهم كان اقتصاديا بحتا .
أما في منتصف السبعينيات , فقد شهدت العلاقة بين مجتمع أوروبا الغربية والأقليات المسلمة تطورا هاما نتيجة للكساد الاقتصادي الذي بدأ عام 1972 حيث قامت حكومات أوروبا الغربية بإحداث تغييرات في قوانين الهجرة بهدف تخفيف وطأة تلك الأزمة عليهم , وهذه التغييرات طورت من وضع الأقليات المسلمة في أوروبا الغربية كما أنها حدت من حجم هجرة العمالة اليها وغيرت من الطابع الاقتصادي البحت لأنشطة تلك المجتمعات . وبذلك سمحت تلك القوانين الجديدة بتوحيد الأسرة المهاجرة كما استطاعت أن تنهي هامشية تلك الأقليات الاسلامية وتجعلها تتفاعل مع الآليات الثقافية والاجتماعية في مجتمعاتها كل علي حدة .
ولم تعد الأقليات الاسلامية في أوروبا مكونة من العمالة المهاجرة التي يأتي تواجدها لأسباب اقتصادية بحتة وبشكل مؤقت بل علي العكس أصبحت الأقليات المسلمة مكونة من أسر مكتملة , فمع وصول الأبناء والزوجات في السبعينيات بدأت تلك المجتمعات الجديدة تتخذ سمة الاستقرار , مما توج بزيادة الاندماج في العملية التعليمية . والاهتمام المتزايد علي المستوي الاجتماعي والثقافي الذي انعكس في المطالبة بالتمثيل السياسي خاصة مع بزوغ الجيل الثاني الذي ولد وتعلم في أوروبا الغربية بعد أن أصبح جزءا مكونا للمجتمع الأوروبي الغربي .
وشهدت الثمانينيات زيادة النشاط السياسي من جانب أقليات المسلمين في أوروبا وكانت أكثرها وضوحا في فرنسا وبريطانيا حيث كانت الأقليات المسلمة بالفعل قد ترسخت أقدامها في تلك الدول , وأصبح من السهل الحصول علي حق المواطنة . كذلك كانت العوامل الخارجية بمثابة عناصر مساعدة لتسييس الأقليات المسلمة في أوروبا . مثلما حدث خلال أزمة النفط في السبعينات التي اعتبرها الغرب مؤشرا علي رؤية المسلمين للغرب وموقفهم منه , فارتفاع سعر النفط كان بمثابة تأثير جلسات الكهرباء التي أحدث صدمات متتالية أثرت سلبا علي الاقتصادات الأوروبية , إلا أن الثورة الاسلامية في إيران عام 1979 هي التي أكثر لفتا لأنظار الرأي العام الأوروبي , بل وساهمت إلي حد كبير في تشكيل رؤيته للإسلام وكانت التغطية الاعلامية وردود الافعال الحكومية تجاه الثورة الاسلامية في إيران هي التي روجت لفكرة أن المسلمين قوة رجعية وعسكرية لا تتماشي مع أهداف وطموحات أوروبا الغربية وأن وجودهم في المجتمع الأوروبي الغربي يمثل خطرا عليه وعقبة خطيرة في طريق مزيد من الاندماج الأوروبي .
وكان رد فعل المجتمعات المسلمة تجاه تلك الصور الذهنية المجحفة للاسلام والمسيئة إليه سلبية للغاية حيث زادت عزلتهم الاجتماعية ورفضوا التمثيل السياسي لأنفسهم كما أنه مع تبني كلا الطرفين مواقف مناهضة تنتج عنها مواقف راديكالية من كلا الطرفين راديكالية دعمه أحزاب تمثلت في زيادة الجناح اليميني وزيادة التعبيرات العنصرية وظهور هستيريا مناهضة لكل ما هو إسلامي بينما تمثل رد فعل الأقليات الاسلامية في تحدي كل القيم العلمانية في المجتمع الأوروبي الغربي التي اعتبروها مصدر تهديد لهويتهم ووجودهم .
هذا المحور الخاص بالتباين الثقافي والاجتماعي يعتبر عنصرا أساسيا في توتر العلاقة بين الأقليات المسلمة والمجتمع الأوروبي الغربي خلال العقدين الماضيين . ففي ظل حالة التحول الثقافي الذي كانت أوروبا تسعي اليه كان المسلمين المهاجرين ينظر إليهم علي اعتبار أنهم عنصر مؤقت التواجد في البلاد ينظر إليهم كما لو كانوا مخلوقات ( غريبة ) جعلت من أوروبا ملاذا لها وكان من الطبيعي أن يزدادو تمسكا باسلامهم علي اعتبار أنه مصدرا أصيل لهويتهم ومعتقداتهم وانتماءاتهم , وأكثر الأمثلة التي تبرهن علي زيادة تمسكهم بهويتهم الثقافية الأزمة التي حدثت في فرنسا بسبب كتاب آيات شيطانية لسلمان رشدي الكاتب الهندي الأصل في نهاية الثمانينيات وفتوي اهدار دمه .
ويعتبر استثناء واستبعاد الجاليات المسلمة من التجربة الأوروبية المشتركة بالفعل مسألة مهمة , لابد وأن يتم التعامل معها وايجاد حل لها قبل البدء في أي مشروع للتكامل والاندماج الثقافي والديني , خاصة وأن فكرة الاندماج قابلة للتنفيذ . فرغم الاختلافات التاريخية الكثيرة إلا أنه يمكن الحديث عن عناصر اساسية تدعم فكرة خلق هوية لأوروبا الغربية وهو أمر يميزها عن غيرها .
أهمها هو أن مباديء العلمانية في مجتمع أوروبا الغربية يمكن التعرف عليها بمنتهي السهولة , كما أن لها جذورها التاريخية تعود الي عصر التنوير والثورة الفرنسية عام 1789. فالروابط الاجتماعية والسياسية اللغوية العرقية المشتركة جميعها عناصر تصب في دعم حلم أوروبا الجديدة الموحدة .
ومسألة عدم توافق المعتقدات الثقافية والدينية والتنظيم السياسي والاجتماعي للأقليات الاسلامية مع القيم العلمانية وإرث المسيحية للمجتمع الأوروبي الغربي يعد أمرا في غاية الاهمية خاصة بالنسبة للمسلمين الذين يرون أن السياسة والدين لاينفصلان . فبقراءة تاريخ الدين الإسلامي يمكن أن نصف الإسلام بأنه دين برجماتي ونظام اجتماعي ثقافي يتمتع بنجاح أصيل في التغلغل في ثقافات كثيرة ومتنوعة , كما أنه يملك القدرة علي التناغم والتوافق مع معتقدات سياسية واجتماعية متباينة , كما أنه نظام اجتماعي ثقافي ناجح ويتمتع بقدرته علي استيعاب الموروثات الثقافية والتعايش مع الأعراف والمعتقدات والممارسات المختلفة . هذه الرؤية للإسلام تختلف الي حد كبير عن التصور المنتشر عنه في المجتمع الأوروبي الغربي .
وفضلا عن هذا لا يوجد إثبات تاريخي يؤكد صحة تلك النظرية التي تري ان الأسلام وبالتالي الأقليات الاسلامية لا تستطيع التوافق أو الاندماج والذوبان داخل الخريطة الاجتماعية الأوروبية الغربية , بل علي العكس فهناك أوجه شبه كثيرة بين أفكار ومباديء المواطنة والتنظيم الاجتماعي السياسي لدي كلا الجانبين .
ويعد هذا التباين والاختلاف الثقافي لأوروبا الغربية والأقليات المسلمة ظاهرة مثيرة للغاية . فتلك المجتمعات تعتبر نفسها تعيش تحت الحصار , ورد فعلها يأتي علي اعتبار أنها أقلية ثقافية تتعرض للهجوم المستمر وتبحث عن مظلة تحميها أكثر من كونها هيئة تدافع عن مباديء وممارسات اسلامية أصيلة . وبالمثل نجد أن المجتمع الأوروبي الغربي مع اهتمام قادته بزيادة عدد الدول الأعضاء يعيش أزمة هوية في مواجهة العولمة والاسراع في اتجاه الاندماج والتكامل في عدد كبير من مجتمعات غرب أوروبا .
والأزمة الحالية في الهوية الثقافية التي يعاني منها المعسكران تؤدي الي مزيد من سوء التفاهم وتوسيع الفجوة بين الطرفين وهو ما أتاح الفرصة لمزيد من التجاهل والخوف بين الأقليات المسلمة فيما يتعلق بقيم وآليات المجتمع الأوروبي الغربي .
وكان المثال الواضح علي مثل هذا المناخ الذي تعيشه الأقليات االمسلمة هو حرق الكتب في بريطانيا التي صاحبت قضية سلمان رشدي والتي أوضحت عدم فهم الأقليات المسلمة لمغزي حرق الكتب في التاريخ الأوروبي والذي يرتبط بفترة مظلمة من تاريخ القارة متعلقة بمحاكم التفتيش الاسبانية والنازية في ألمانيا . وحاليا فأن جهل الأوروبيين الغربيين بالاسلام والخوف منه واضح ومسجل في الاعلام الأوروبي وفي أنشطة كثير من ساستها . فالاتحاد الأوروبي دعم الانقلاب غير الديمقراطي في الجزائر ومازال يدعم ويؤيد النظام ذا الممارسات الشرعية يعد برهانا واضحا علي خوفه وعدم ثقته في الاسلام ورسالته هذه دائما ما تترجمها الأقليات المسلمة الي سلوك سلبي يزيد من حالة التباين والاختلاف .
مثل هذا الجدل يثير شكوكا كثيرة حول قدرة أوروبا علي التحول الي مجتمع متعدد الثقافات , ويثير تساؤلات هامة بشأن مستقبل الأندماج الأوروبي . ووضع الأقليات المسلمة يفترض أن وجودها علي اعتبار أنها كائن غريب إن لم يكن أبدا جوهريا أو حيويا لتوحيد الهويات القومية في أوروبا في مواجهة عدو مشترك .
ويمكن القول بأن محاولات أوروبا للتوسع يجعلها تحتاج الي مخاطر خارجية للتماسك والتوحد , كما أنها أيضا تحتاج الي مخاطر وتهديدات داخلية وهذا يفترض سيناريو مرعبا مؤداه أن أوروبا الجديدة تحتاج الي خلق حالة من عدم الثقة والتشكيك حتي تحقق مستوي من التماسك والاندماج والتوحد الثقافي والاجتماعي .
وتزايد حالة المقاومة الثقافية بين شعوب وقوميات أوروبا الغربية للاندماج في مجتمع يضم المسلمين يعد دليلا قويا وداعما للسيناريو الأخير وعلي الرغم من أن فكرة شمول الأقليات المسلمة واندماجها وتناغمها مع الثقافات والمجتمعات الأوروبية فكرة نبيلة وأنه الطريق المنطقي الواجب اتباعه ولكن الواقع يقول أن المجتمع الأوروبي المعاصر يتخذ مسارا مناهضا لفكرة الاندماج الثقافي .
ولكن هذا يجعلنا ننكر أن هناك نماذج تشهد تطورا إيجابيا بالنسبة لوضع المجتمعات المسلمة فيها , فمن أفضل نماذج تفاعل الأقليات المسلمة مع مجتمعات الغرب حالة فرنسا , وذلك لعدد من الأسباب منها أن الأقليات المسلمة في فرنسا تعتبر هي الأقدم والأكثر استقرارا في أوروبا الغربية .
فرغم أن الجزء الأكبر من الأيديولوجية العلمانية التي تهيمن علي دول أوروبا الغربية تتناقض مع الإسلام , مصدرها الرئيسي الثقافة الفرنسية . الا أن ارتباط فرنسا بالاسلام يعود الي زمن بعيد ربما منذ قدوم فرنسا الي مصر في أواخر القرن الثامن عشر وعلاقتها القوية مع مستعمراتها السابقة
وحتي في العصر الحديث , كانت فرنسا لها مواقف مختلفة عن غيرها من دول أوروبا ففي عام 1979 اقلت إحدي طائرات الخطوط الفرنسية آية الله خوميني قادما من فرنسا متوجها الي إيران كما أن المعارضة الفرنسية للحرب ضد العراق رغم الضغوط الامريكية تم تفسيرها علي أنها موقف مساند للإسلام , وهو الموقف الذي أعقبه الضجة التي أثيرت حول منع ارتداء الحجاب من قبل المسلمات في المدارس الفرنسية وهو الحظر الذي طبق ايضا علي الرموز الدينية اليهودية والمسيحية , ولكن هذا لا ينفي أن الأقلية المسلمة في فرنسا غالبا ما يتم تجاهلها . كما أن تباين وتفكك الأقلية المسلمة نفسها كان سببا في إضعاف صوتها السياسي أو مشاركتها في الحياة العامة في فرنسا , وفي الوقت نفسه نجد أن المجتمع الفرنسي مصر علي إذعان المسلمين للأعراف والتقاليد والمباديء العلمانية الخاصة به . كما أن هناك مقاومة قوية من جانبه للاعتراف بالأقلية المسلمة كوحدة منفصلة لها هوية خاصة من منطلق أن هذا سيؤدي الي تفكك المجتمع الفرنسي وقد يضر بالموروث العلماني . والحقيقة أن حالة الضعف الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للمسلمين في فرنسا أثرت علي موازين القوي في العلاقة بين فرنسا والمسلمين لذا لم يكن المسلمون مؤثرين في صنع السياسة في فرنسا . هذا الوضع أدي الي التمسك الشديد للمسلمين بهويتهم التي يمكن وصفها بأنها هوية اجتماعية وسياسية في الأساس أكثر من كونها هوية دينية . فالأقلية المسلمة في فرنسا يمكن أن نصفها بالإزدواجية , فهي غير متمسك بأداء العبادات المختلفة قدر تمسكها بتقاليدهاالاجتماعية وموروثها الثقافي كل هذا أدي إلي إيجاد حالة من العزلة عن باقي المجتمع الفرنسي بكل مفرداته السياسية والاجتماعية والثقافية .
وهنا يجب أن نؤكد أنه ليس من الإنصاف أن نفترض أن القوميين الفرنسيين كانوا هم قوة الدفع الرئيسية وراء إعادة أسلمة الأقليات المسلمة في فرنسا , وإن كانوا أحد الأسباب وهو موضوع أثار جدلا كبيرا في فرنسا خاصة مع زيادة نشاط اليمين المتطرف ليس فقط في فرنسا بل في أوروبا الغربية كلها .
وتتطابق حالة فرنسا مع غيرها من دول غرب أوروبا من حيث أسباب هجرة , فحتي عام 1974 كانت الهجرة الي فرنسا أسبابها اقتصادية بحته وجاء قرار 1974 بوقف كل الهجرات الجديدة واستضافة أسر المهاجرين الحاليين في فرنسا وهو القرار الذي جعل إقامة هؤلاء المهاجرين اقامة دائمة لهم كافة الحقوق والواجبات السياسية والاجتماعية .
وكانت المحاولات الأولي لتسييس المسلمين بها قد بدأت مع نهاية السبعينيات مع المطالبة بتخصيص أماكن لأداء الصلاة والاعتراف بالتزامات شهر رمضان في المصانع علي وجه الخصوص .
هذه المطالب لاقت استجابة من الحكومة الفرنسية من قبيل القبول بالتعددية الثقافية والعمل علي إحلال السلام الاجتماعي . ولكن في أعقاب ثورة 1979 في ايران ظهر ما يسمي بهستريا مناهضة الاسلام والتي نجم عنها مناهضة الأقلية المسلمة في فرنسا وانعكس سياسيا في زيادة دعم أحزاب اليمين المتطرف . وكان رد فعل الأقليات المسلمة هو تبنيها مواقف متشددة تمثل في إضراب العمال المسلمين في مصانع السيارات والذي شمل كل فرنسا في الفترة من 1980 الي 1983 حيث تشبه العمال المضربون بالمليشيات الاسلامية .
وفي هذا الاطار من عدم الثقة علي المستويين السياسي والاجتماعي تبني كلا الطرفين مواقف شديدة الانعزالية , ومع اختفاء الحوار خلال الثمانينات اصبح المجال مفتوحا لظهور العناصر الراديكالية من كلا الجانبين , ومع نهاية الثمانينيات اصبح هناك انفصال واضح للمسلمين عن المجتمع الفرنسي فيما يتعلق بالهوية الأجتماعية والسياسية والثقافية . وعكست قضية الحجاب عام 1989 هذا الانفصام .
وبدأت هذه القضية مع فصل ثلاث فتيات مسلمات من إحدي المدارس الحكومية الفرنسية بسبب ارتدائهن الحجاب إلا أن هذه القضية سرعان ما كانت سببا للاهتمام بدراسة وضع الأقليات المسلمة في أوروبا الغربية . فقد كشفت عن الوجه الحقيقي لقدرة المجتمعات في أوروبا الغربية علي قبول فكرة التعددية الثقافية , كما كشفت أن العلمانية الفرنسية كانت تقوم في الواقع علي مباديء وممارسات الكنيسة الرومانية الكاثوليكية وأن المجتمع الفرنسي الذي يبدو وكأنه قائم علي مباديء التسامح والمساواة لديه استعداد لتجاهل تلك المباديء اذا ما كان الأمر متعلقا بالمسلمين .
ومؤخرا عادت تلك القضية لتطفو مرة أخري علي السطح لتؤكد حقيقة تصدع العلاقة بين فرنسا والأقليات المسلمة بها وأنه لم يتم حتي الآن إحراز تقدم ملحوظ لرأب الصدع .
وجاء انفجار الوضع في الجزائر عام 1999 ليضيف مزيدا من الانقسام والاختلاف , حيث دعمت الحكومة الفرنسية النظام العلماني في الجزائر علي حساب ' جبهة الاصلاح الاسلامية '.
وقام الإعلام الفرنسي بدوره في دعم هذا الاتجاه بربطه بين الإسلام والإرهاب وهو ما أدي بدوره إلي وجود صور ذهنية سلبية عن الأقليات المسلمة , مما أدي الي استبعادهم وعزلهم عن المجتمع الفرنسي . وكانت قضية المفكر الفرنسي روجيه جارودي الذي تعرض للمحاكمة بسبب أفكاره الداعمة للاسلام عام 1984 هو نقطة البداية التي أوضحت موقف فرنسا تجاه المسلمين بها .
وعلي النقيض نجد أن الأقليات المسلمة في بريطانيا والذي ينتمي أغلبها الي أصول آسيوية كانوا أكثر نجاحا في اجبار المجتمع علي الاعتراف بمطالبهم وتلبيتها . ومن أهم تلك المطالب الحصول علي الإقامة الدائمة , واستطاع المسلمون في بريطانيا أن يحققوا وضعا اقتصاديا واجتماعيا أفضل من نظرائهم في فرنسا , مما مكنهم من الانخراط في العمل العام والدفاع عن مصالحهم .
وكانت الحملة التي قام بها المسلمون في بريطانيا لإقرار توفير الطعام الحلال طبقا للشريعة الاسلامية في بداية عام 1980 مثالا علي نجاحهم في إلزام الحكومة والمجتمع البريطاني بالاستجابة لمطالبهم المشروعة وتم بالفعل توفير الطعام الحلال في كل الأماكن العامة , مما شجعهم علي تبني حملة أخري في مجال التعليم 1984.
وقضية سلمان رشدي أكدت أهمية وفاعلية صوت المسلمين في بريطانيا وعلي عكس فكرة إعادة الأسلمة للمجتمعات المهاجرة في فرنسا . فالجناح اليميني بدأ في المطالبة بالتخفيف من الالتزام بالمباديء الاسلامية في المجتمع البريطاني في بداية التسعينيات .
أن نجاح الأقلية المسلمة في بريطانيا يعود الي أسباب عديدة هامة ومؤثرة وهي تميز توجهات المسلمين البريطانيين عن أمثالهم في فرنسا . أولا أن المسلمين البريطانيين يميلون الي اعتبار انفسهم مجموعة متميزة لم تسع بجدية الي الاندماج في المجتمع البريطاني كما أن المسلمين البريطانيين من أشد المعارضين لفكرة التعددية الثقافية .
ثانيا - أن المسلمين البريطانيين كانوا قادرين من خلال قوتهم الاقتصادية والاجتماعية علي فرض مطالبهم والفوز بها
ثالثا - استطاع المسلمون البريطانيون اختراق التكوين المتباين بشدة للمجتمع البريطاني الحديث , وباعتبارهم أقلية لها ثقلها و نفوذها الاجتماعي والاقتصادي استطاعوا الاستفادة بشكل كبير من بريطانيا المتعددة التركيبة العرقية .
لم تكن الأقلية المسلمة ذات شعبية كبيرة في المجتمع البريطاني خاصة بعد نشوب جدل كبير حول قضية الكاتب الهندي الأصل سلمان رشدي في نهاية عام 1988 حيث كان ينظر إليهم بنظر سلبية .
ووضع المسلمين في بريطانيا مفهوم علي أنه آلية دفاعية داخل المجتمع والتي تعتبر محصنة ضد التعددية الثقافية . أما الأحداث الخارجية مثل حرب الخليج وتورط القوات البريطانية فيها لعبت علي أوتار الصورة السلبية للاسلام في بريطانيا , وخلال العقد الماضي كان هناك تراجع ملحوظ من جانب المسلمين بشأن الموقف الانعزالي مقارنة بمسلمي فرنسا .
أما دور المسلمين في ألمانيا الذين تعود أصولهم إلي تركيا فقد تطور بنفس الطريقة التي حدثت في بريطانيا , فهجرة المسلمين إلي ألمانيا كانت أسبابها اقتصادية بحتة وأصبح لهم أهمية في الاقتصاد الألماني وكثرت أعدادهم مع تطبيق ألمانيا لقرارات توحيد الأسر المهاجرة في السبعينيات واستمرت هجرة العمالة الي المانيا خلال العقدين الماضيين لخدمة حاجات ومتطلبات التوسع الصناعي .
وبينما لم يحقق مسلمو ألمانيا النجاح الاقتصادي الذي حققه مسلمو بريطانيا إلا أنهم كانوا نشطين للغاية في المجال الاجتماعي والسياسي ولعب الاسلام دورا رئيسيا في تحديد الهوية و المفهوم الثقافي الذاتي للمهاجرين في المجتمع الألماني الذي يعتبر مجتمعا متناغما ومتماسكا بشكل كبير .
والاعباء الاقتصادية المتزايدة مع توحد الألمانيتين كان له تأثيره الخطير والهام علي حياة المسلمين في ألمانيا ونظرة المجتمع المستضيف لهم فقد ارتفعت نسبة البطالة مع محاولة استيعاب عمالة المانيا الشرقية سابقا
كما أن حالة عدم الاستقرار قد تزايدت مع تعاظم الهجوم علي المسلمين ومع ذلك أدركت الأقلية المسلمة في المانيا أنهم لم يعودوا ضيوفاعلي المجتمع الألماني بل علي العكس أصبحوا جزءا لا يتجزأ من الخريطة الاجتماعية لألمانيا وأن أقدارهم أصبحت مرتبطة بأقدار المجتمع الالماني الجديد .
هذا الادراك حد من النزوع إلي الانعزالية لدي كلا الطرفين خاصة مع تحول المسلمين بشدة الي التمسك الشديد بالاسلام كرد فعل سيكولوجي طبيعي لتواجدهم في مجتمع غير مرحب , كما سعي الجيل الثاني من المسلمين لاستخدام الإسلام كمصدر طبيعي للتعبير الاجتماعي والسياسي .
وعلي الجانب الالماني كان هناك نمو ملحوظ لدعم الجناح اليميني المتطرف وانشطته , إلا أن الاطار الدستوري حال دون تنامي هذا الاتجاه بشكل مخيف علي عكس ما حدث في فرنسا ليبقي هذا الجناح بعيدا عن البرلمان الالماني .
أما في دول غرب أوروبا الأخري تنامت الأقليات المسلمة بهدوء , وربما هذا يعود الي كثافتها المحدودة وأعدادها الصغيرة نسبيا وظل والنقاش الدائر حول دور تلك الأقليات في المستقبل حتي الآن نقاشا هادئا . إلا أن المسلمين في هولندا وبلجيكا اصبح لهم دور اجتماعي وسياسي بارز وهام بينما نجد ان هجرة المسلمين الي الدنمارك والسويد والتي بدأت في نهاية الثمانينات أدت الي زيادة حالة التوتر والقلق الاجتماعي بشأن دورهم في تلك المجتمعات وكذلك أدت الي القيام بمحاولات التقييم الذاتي من قبل تلك المجتمعات لمدي قدرتها علي التسامح والقبول بحق الحرية الدينية .
أما في جنوب أوروبا فان تزايد هجرة المسلمين كان بمثابة سببا لاستدعاء تاريخ طويل من الصراع مع المسلمين سواء مثلما هو الحال في كل من أسبانيا واليونان , كما أن الزيادة المطردة للمسلمين في بلد مثل ايطاليا جعلت من الإسلام الدين الثاني بها , كما أن النفوذ المتزايد للمسلمين في معقل الرومان الكاثوليك امر يثير الدهشة خاصة في ظل رد فعل المجتمع الايطالي الذي مازال يبدو متشككا وتملؤه الريبة من وجود المسلمين بينهم . وعلي ذلك ستكون من أكثر المجالات التي يمكن إجراء دراسات بحثية عليها هي المناطق الخصبة مثل أيرلندا والبرتغال والتي لم يتم حتي الآن التعرف علي درود افعال مجتمعاتها تجاه المهاجرين المسلمين لديها والمطالب المرادة من مجتمعاتهما سوف تكشف الكثير عن مدي صحة رؤية أوروبا الجديدة .
وحاليا نجد الأقليات المسلمة في شرق أوروبا اصبحت بمثابة لاعبين أساسيين في تطور أوروبا الغربية حيث بدأوا الهجرة الي غرب أوروبا علي اعتبار أنهم لاجئون سياسيون واقتصاديون , فكما سبق وتم التأكيد علي أن الخلفيات التاريخية والسياسية لمسلمي البلقان ووسط آسيا مغايرة تماما لتلك التي ينتمي اليها مسلمو أوروبا الغربية . والبحث في احتمالات أدوارهم في مستقبل أوروبا الموحدة الجديدة يستحق بالفعل دراسة كاملة ومنفصلة تعتمد علي أساليب أو علي منهجيات مختلفة تماما .
إلا أن أهمية تواجد تلك الأقليات المسلمة علي حدود أوروبا الغربية ونفوذهم وتأثيرهم علي سياساتها واتجاهاتها نحو الاسلام لا يمكن تجاهله أو التقليل من قيمته , وهذا التأثير يمكن ان ينمو ويتضاعف في المستقبل اذا ما بقي المهاجرون المسلمون من تلك الدول يمثلون ظاهرة معاصرة .
وبينما يستمر التركيز علي الطبيعة المغايرة للأقليات المسلمة في أوروبا والخواص القومية لكل مجتمع أوروبي علي حدة فإنه من الممكن التوصل الي عدد من النتائج المتعلقة بدور المسلمين في المجتمع الأوروبي الغربي المعاصر وتفترض عددا من الأقتراحات الخاصة بكيفية تطور هذا الدور في المستقبل .
أولا يمكن الاقرار بأن هناك وعيا متزايدا في مختلف انحاء أوروبا الغربية عن أهمية دور المجتمعات المسلمة والتحديات التي أوجدتها إشكالية الاندماج الثقافي أو بمعني أصح قدرتهم علي الاندماج في ظل بقاء البناء أو التركيبة السياسية والاجتماعية والثقافية لأوروبا الجديدة غير واضح المعالم . هذا الوعي والقلق المتعاظم أصبح مثار بحث ونقاش بين المسلمين والمجتمعات المستضيفة لهم وهناك أسباب كثيرة وراء ذلك . أولها أن الجيل الثاني من المسلمين اصبح له دور محوري في تلك المجتمعات كما أنهم استخدموا الاسلام كوسيلة للتعبير السياسي والاجتماعي وكوسيلة لتأكيد هويتهم المنفصلة بفاعلية أكبر . كل هذا أدي الي زيادة تميزهم واختلافهم علي المستوي الاجتماعي وهو ما انعكس في تغطية وسائل الاعلام لقضية سلمان رشدي وغيرها من القضايا الخاصة بالحجاب أو الطعام الحلال , وبالتالي أدي الي تركيز المجتمع الأوروبي الغربي علي المسلمين ومطالبهم وديناميكياتهم علي اعتبار أنهم أوروبيون داخليا وليس ظاهرة خارجية .
كذلك تعد الظروف الاقتصادية السائدة أحد أهم الأسباب التي أثرت علي مصائر الأقليات المسلمة في دول غرب أوروبا وهو بالتالي ما يؤثر علي رد فعل الدولة المضيفة تجاه المسلمين بها واستجابة تلك الأقليات المسلمة لردود الأفعال تلك . وتأثير هذا العنصر كان واضحا جدا خلال فترة الكساد الاقتصادي وحالة البطالة المرتفعة في أوروبا الغربية عندما أصبحت الأصول المختلفة للمسلمين ينظر إليهم علي أنهم متطفلون بشكل مبالغ فيه .
ويعد الوضع الاجتماعي والاقتصادي عنصرا أساسيا آخر في علاقة الأقليات المسلمة بمجتمعات الدول الغربية التي تستضيفهم . ففي دولة مثل بريطانيا وجد المسلمون انفسهم يتبوؤن مستويات اجتماعية واقتصادية أرقي من تلك التي يتبؤها المسلمون في دول اوروبية أخري وأصبحوا اكثر قوة وفاعلية في المجال الاجتماعي والسياسي . ويلعب الوضع الاجتماعي الاقتصادي دورا أساسيا وجوهريا في تحديد موقف قطاعات من المجتمع الغربي الأوروبي تجاه المسلمين . ففي الطبقات الاجتماعية الاقتصادية الدنيا نجد درجات عدم التسامح اكبر بكثير تجاه المسلمين ودائما ما نجد حالة الخوف من الاجانب ومعاداة الاسلام أكثر وضوحا في الطبقات الدنيا من المجتمع الاوروربي الغربي , وهي غالبا ما تمثل مصدر الثقافات القومية واساس الهوية علي اختلاف انواعها خاصة تلك التي تمثل السبب الرئيسي للصدام مع نمط العدو المسلم .
وواحد من أكثر النتائج إثارة هو أن هناك اختلافات قليلة جدا في منطقة غرب أوروبا فيما يتعلق بمواقف الكنائس البروتستانتية والكنيسة الكاثوليكية تجاه دور المجتمعات المسلمة . وهو ما دعم فكرة أن الصراع بين الأقليات المسلمة والمجتمع الأوروبي الغربي ربما يكون صراعا علي المستوي الأجتماعي الثقافي اكثر من كونه صراعا دينيا ويمكن افتراض ان الجانب العرقي في الصراع مبالغ فيه بحق .
من المهم التنبيه الي أن ممارسة حق التعبير السياسي والنجاح في هذا المجال بالنسبة للأقليات المسلمة , اقتصر علي بعض المجتمعات الغربية مثل بريطانيا وفرنسا التي كان من السهل فيها علي المهاجرين الحصول علي الجنسية إلا أن إنكار حق المواطنة والمشاركة في الحياة السياسية والوصول الي السلطة السياسية علي المسلمين أضعف صوتهم وهو ما يحدث في ألمانيا حيث تعتبر ممارسة تلك الحقوق ليس بالأمر السهل .
إلا أن هناك نقطة هامة لم يتم تناولها كثيرا ألا وهي أن العلاقة بين الأقليات المسلمة والمجتمعات الأوروبية المستضيفة تعتمد الي حد كبير علي ثقة كل منهما في هويته وأن مقاومة الاندماج الثقافي كانت دائما متزامنة مع مستوي تفاقم أزمة الهوية وهو ما بات أكثر وضوحا في اعقاب احداث الحادي عشر من سبتمبر واستمر حتي الآن .
وعلي ذلك يمكن القول بأن مسألة الهوية هي الأهم من بين كل تلك الاسباب علي اعتبار أن أوروبا والمجتمعات المسلمة تقف الان في مواجهة تحديات الألفية الثالثة , وهي التحديات التي يتوقف عليها مستقبل العلاقة بين المجتمعات المسلمة واوربا . وبما أن أوروبا تواجه أزمة هوية حقيقية مع بزوغ فكرة استبدال الدولة بهوية اوروبية جديدة موحدة وهي الفكرة التي لم تلق الحماس الكافي لها في قطاع من المجتمع الأوروبي , كما أن شعوب المسلمين يشعرون أن هذا سيؤدي إلي خلخلة الهوية الثقافية والإحساس بالعزلة الاجتماعية .
بينما نجد أن الأجيال الثانية والثالثة من المسلمين سوف تواجه نفس التحديات , كما أن وضعهم كضيوف غير مرغوب فيهم في دولة أجنبية سيجعل وضعهم الاجتماعي والسياسي اكثر ضعفا حيث ستستمر حالة عدم قبول الآخر في أوروبا وهو ما سيحتم علي تلك الأجيال إيجاد حل لغربتهم الثقافية .
ومازالت أوروبا في حاجة إلي معالجة العزلة الاجتماعية والتمسك الشديد بالهوية الثقافية وألا تتهاون في تقدير خطورتهما لأن هذا سيؤدي إلي هشاشة التركيبة الاجتماعية لأوروبا الجديدة وتجنب كل هذا يستلزم إقامة حوار هدفه خلق تناغم وانسجام ثقافي يساعد في النهاية علي اندماج الثقافات وخلق خريطة مجتمعية أوروبية أكثر ترابطا وتوافقا .