محمد كليب أحمد
رسالة عابرة لإبنتي العزيزة ....
بواسطة محمد كليب أحمد, 26th October 2014 عند 04:40 AM (403 المشاهدات)
رسالة عابرة لإبنتي العزيزة ....
محمد كليب أحمد
عمـَّـان – المملكة الأردنية
فبراير 2014م
لا أعرف ذلك الشغف الكبير والانجرار الجامح الذي اجتاح كينونة ذاتي وسيطر على جلّ تفكيري في هذه الفترة المتأخرة من قطار حياتي ، وتولى زمام القيادة نحو هذا العالم الجميل الساخر الذي كنت قد ابتعدت عنه طوال سنوات من الكدّ والعناء ومكابدة اللهث نحو المجهول دون نتيجة تـٌـذكَر ، اللهم إحراق أوقاتنا وأعصابنا دون طائل وربما حتى دون هدف ..
عندما قررت التوقف تماماً عند نقطة محاسبة الذات ، بل قل أوقفت هرولتي نحو المجهول لأقف عند هذا المنعطف الغريب ، لأرجح تلك الحصيلة الوهمية التي لا تخلو من خطوط متشابكة لا أعرف لها بداية ولا منتهى ، وجدتني قد أفرغت كل ما لديّ من كل ما أملك ولم يعد أمامي سوى التوقف وبقوة لمراجعة حساباتي وإعادة وضع الخطوط الرئيسية التي أحاول من خلالها البحث عن طريقٍ أقصر – ولو كان صعباً – نحو هدف أكثر صعوبة وأعظم شأناً في محاولة لإعادة رسم تلك اللوحة التي ظلت أعواماً تنتظر بدء رسمها برويـَّـة وبما يتلاءم بالموضوع الأسمى الذي يجب طرحه ، والذي غاب طويلاً وتراخت أناملي للبدء في ملامسته .
أقحمت ذاتي للعودة لقاعة الدرس والتحصيل في هذا العمر المتأخر ، لم أجد في ذلك عيباً أو ازدراء ، ولم أعبء بملاحقة بعض التعليقات والسخرية ، وأعرف مليـَّـاً أن مثل هذه العودة تتطلب جهود مضنية وعناء كبير واحتراق أضعاف أضعاف الخلايا والأعصاب ، وسينصهر حممه أخاديد عميقة في حياتي المـُـتعـَـبـَـة ، ومع ذلك أزدادُ عناداَ وإصراراً على مواصلة المسير .
بنيتي .. إنني عندما بدأت من جديد لم تكن هذه البداية لي وحدي ، فهي لكِ .. لكِ أنتي ولكل زملائك وزميلاتك ، لزملائي وزميلاتي من جيل دفع الثمن غالياً حتى وصلتم إلى ما أنتم فيه من عشق جنوني للوحة والخط واللون والظل والنور الذي يتراقص مع كل عمل فني يخرج للملأ يشع بما تكتنفه أرواحنا وأفئدتنا بحب عامر للحياة والأمل والبحث المتواصل لكل القيم الإنسانية التي نشأنا عليها وسطرناها على لوحة حياتنا العتيقة التي غمرتها رمال الأحداث الجسام وانهيارات السياسة والساسة والأغبياء ..
بنيتي الغالية :
عدن هي أجمل وأغلى لوحة في حياتنا الماضية ، هي اللوحة المشرقة للغد الجميل الذي نرسمه بأناملنا ونسطره بأنزيم الحياة في عروقنا ، هي تلك اللوحة ذات الأبعاد العشرة والمائة .. هي الصورة التي تشرق عليها الحياة من كل جانب فتبعث فينا الأمل بالغد ، لا نرسم لها سوى الضوء والضوء فقط ، وتأبى أناملنا البتة أن تلطخها باللون القاتم للظل الذي يتوارى فيه المحبطون أو من يعبث بهم الخوف ويرعبهم النظر للشمس حيث نفتح أذرعنا نلتحف النور وتغتسل أرواحنا به ، فتزداد هذه المدينة الجميلة ابتساماً وأملاً وحباً لا يعرف الانتظار أو التردد والخوف ..
ساعديني أيتها البريئة في رسم الطهر وتنقية رمالها الذهبية لنزرع فيها حدائق المستقبل المزهر الذي نشدو به ونحث خطانا نحوه دون توقف !!