The prince of melancholy
التسامح
بواسطة The prince of melancholy, 30th September 2014 عند 03:42 PM (330 المشاهدات)
"التسامح" كلمة جميلة باتفاق اللغات والأعراق، والأمم كلها، ولذلك علينا أن لا نضع أيدينا على قلوبنا، وأن لا نخشى من طرح هذا الموضوع، بل يجب أن نلح عليه لنكسب أنفسنا والآخرين .
"التسامح " يعني الصفح عمن أخطأ عليك أو تجاوز حده، أو اختلف معك اختلافاً غير أخلاقي، فالمفهوم بهذا الاعتبار قيمة أخلاقية عظمى، وانتصار لروح الخير والأخلاق في النفس الإنسانية على روح الشر من الاستجابة لنزغات الشيطان.
"التسامح" هو أساس التعامل الذي يفترض أن يحكم علاقة الناس بعضهم ببعض، أما الإصرار على رفض التسامح فهو إصرار على إلحاق الأذى بالنفس قبل الآخرين، وهو إصرار على المعاناة الشخصية في مواجهة قلب يموج بذكريات مؤلمة عن الآخرين .
وكثيراً ما نسمع عن التسامح في التعامل مع الأديان الأخرى ونحن نجد أن نبيّ الإسلام صلى الله عليه وسلم يقول : (ألا من ظلم معاهداً أو انتقض أو كلّفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة) أخرجه أبو داود.
ومن المتواتر المشهور أن أصحاب الديانات من اليهودية والنصرانية والمجوس والصابئة عاشوا في ظل الحكم الإسلام قروناً طويلة محفوظةً كرامتهم، مرعيةً ذممهم وعهودهم، ولو شاءت الحكومات الإسلامية عبر العصور لصنعت معهم كما صنع (فرناندو) مع المسلمين في الأندلس حينما قام بطردهم وقتلهم خلال مجزرة بشعة سموها (محاكم التفتيش)، أو كما صنع لويس الرابع عشر الذي اعتبر البروتستانتية ديانة محرمة يعاقب عليها القانون أو يصفي أهلها، أو كما صنع البريطانيون الذي حرّموا على اليهود أن يدخلوا إلى أرض بريطانيا لأكثر من ثلاثمائة وخمسين سنة، بينما المسلمون لم يستخدموا في تاريخهم هذه اللغة ولم يقوموا بمثل هذه التصفيات، مع أنهم كانوا أسياد الموقف عبر قرون طويلة تزيد على عشرة قرون، فأي قيمة عملية ونظرية أعظم من هذا التسامح الذي جسّده الإسلام، يقول الله تعالى: " قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ .."[الجاثية:14]، فالمؤمنون يغفرون للمشركين الذين لا يرجون أيام الله، يقول الله جل وتعالى: "فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ"[الزخرف:89]، وقال سبحانه: "فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ"[الحجر:85]، وقال سبحانه وتعالى: "خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ"[الأعراف:199]، وقال عن صفة عباد الرحمن المؤمنين: "...وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا"[الفرقان:63].
فهذه معاني قرآنية محكمة من قطعيات الدين تدل على أن التسامح لغة إسلامية أصيلة، ومعنىً أخلاقي شرعه الإسلام، وحث عليه قبل أن تولد فلسفة التسامح في الفكر الغربي الحديث.
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستخدم التسامح ويستعمله حتى مع المنافقين الذين يعرف أنهم كذلك، ومع أنهم يمثلون أعداء الداخل فلقد عفا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ابن أبي سلول مراراً، وزاره لما مرض، وصلى عليه لما مات، ونزل على قبره، وألبسه قميصه، وهذا الرجل هو الذي آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم في عرضه يوم حادثة الإفك؛ فيقول عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أتصلي عليه وهو الذي فعل وفعل؟ فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يا عمر، إني خُيّرت فاخترت قد قيل لي : "اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ"، ولو أعلم أني لو زدت على السبعين غفر له لزدت) أخرجه البخاري، فنسخ جواز الصلاة عليهم بقوله تعالى: "وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ"[التوبة:84]، لكن التسامح لم ينسخ أبداً.