شرفة امل
اشواق الغربه وبكاء الديار
بواسطة أغرد بهمس, 6th August 2014 عند 02:22 AM (405 المشاهدات)
لا مكانَ في الحياةِ، بالنِّسبةِ للإنسان، أجملُ وأبهى من المكان الذي ولد فيه وترعرع، وتفيأَ ظلالَه وارتوى من فراتِ مائِهِ، فالمكانُ هو تذكُّرٌ لمَراتِع الصِّبا، وضَحكاتِ الطُّفُولةِ البريَئةِ، وهو جزء من كِيانِ الإنسانِ، فمهما ابتعد عنه، وشطت به الدارُ، فلا بد أن تبقى أطلالُ بلادهِ في ثنايا مُخَيّلتِه، وهذا جُزْءٌ يَسِيْرٌ مِنَ الوفاءِ لهذه الأرضِ التي حملتكَ على ظهْرها وأنتَ تحبو، ثم وأنتَ تخطو، ثم تمشي، ثم بعد انتهاء الأجل تدفن فيها. فما أرأفها!
وكثير من الناس من ارتشف شراب الهجر والغربة، في كؤوس من الحنين والأشواق...
وكم من مغترب قال بلوعةٍ بيتَ الطائي:
كمْ منزلٍ في الأرضِ يَأْلفهُ الفتَى وحنينهُ أبداً لأوّلِ مَنزلِ
وكم من مهاجرٍ يتغنى صباحَ مساء:
بلاديْ وإنْ جارَتْ عليَّ عزيزةٌ وأهلِي وإنْ ضنُّوا عليَّ كِرامُ
ومثله لفوزي معلوف:
مهمَا يَجُرْ وطَني عليَّ وأهلُه فالأهْلُ أهلِي والبلادُ بلادِي
والكلُّ يعلم أنّ طريق الهجرة وعرةُ المسلك، ومليئةٌ بالمنغّصات، ومهما بقي الإنسان في بلاد الغربة فاسمه "غريب"، ولن يجد قلباً حنوناً، بين الحجارة الصماء، مما حدا بالقَرويِّ في قروياته أن يقول بعدما أفنَتِ الغربةُ شبابَه:
دفنتَ ربيعَ عُمرِك في بلادٍ لها طالتْ لياليكَ القِصارُ
بلادٌ ربّما فيها كِرامٌ ولكِنَّ اللئامَ بها كثارُ
إذا لمْ تحوِ تربتُها حِجارا فبيْنَ ضلوعِ أهليها الحِجارُ
وتبقى ساعةُ الوداع مؤثّرة، والوقوفُ على الأطلال يرافقه البكاء، حتى الصحابة رضي الله عنهم، عندما هاجروا إلى المدينة - كما تذكر عائشة رضي الله عنها - تذكّروا مكة وجبالهَا، وخاصة أنّ المدينة أوبأُ أرض الله من الحمّى، وقد أصابت الحمّى بعضَ الصحابة، وكان بلالٌ إذا أقلع عنهُ الحمّى اضطجعَ بفناء البيت ثمّ يرفعُ عقيرتَه[1] ويقول:
ألا ليتَ شِعْري هل أبيتنّ ليلةً بوادٍ وحَوْلي إذْخرٌ وجَليلُ
وهل أَرِدَنْ يوماً مِياه مَجنّةٍ وهل يبدوَن ليْ شَامَةٌ وطَفِيلُ