Mohammed Jumah
فلسفة الجمال
بواسطة Mohammed Jumah, 7th May 2012 عند 08:52 PM (739 المشاهدات)
الجمال ليس شيئا سوى أن ترى الشيء جميلا! و على ما يبدو أنه لن يستطع أحد أن يُعرف الجمال تعريفا نهائيا فالجمال أجمل من أن يتم تعريفه! وقد يكون أحد أسباب استعصاء تعريف الجمال أن الجمال ليس قيمة ملموسة دائما بل هناك جمال الروح و جمال الطّباع فليس مقصودا بمقولة “فلان جميل” أنه يملك وجها حسنا بل ربما المقصود جمال روحه لأن جمال الوجه يفنى أما جمال الروح فيبقى، ولعل هذا يعتبر مبررا و مفسرا للمقولة التي نسمعها كثيرا “الجمال شيء نسبي” الجمال فعلا شيء نسبي و لكن نسبيته لا ترجع لذاته فهو ثابت لا يتغير ولكن نسبيته ترجع إلى قدرة كل منا على تذوقه. فهي في النهاية أذواق. وقليلة هي تلك الأشياء التي أجمع البشر على جمالها.
لنضرب مثالا لتوضيح الرؤية، هناك من يرى أهرامات الجيزة بناء معماريا ضخما، تم بناؤه بطريقة عجيبة لن يتم التعرف عليها ولكنه لا يرى فيه أي مظهر من مظاهر الجمال وعلى الجانب الآخر هناك من يراه تمثيلا للجمال الهندسي وتحفة المعمار وتعبيرا عن دقة الحسابات وإعجازها في علم البناء والفلك جميعهما. الأمر في النهاية يعود لمقدرة نفوسنا – التي وزعها الله علينا بحكمته ورحمته – على إدراك الشيء الجميل.
ولكن ما يميز الفنان أنه يمتلك طرقا خفية في الإدراك قد يعجز هو ذاته عن تفسيرها، فهي مقدرة وحس فني زرعه الله في فطرته، فتجده يتأثر تأثرا عجيبا بأشياء قد تبدو للبعض أمرا عاديا بل قد يصل بالبعض لاعتبار ذلك الأمر سذاجة وسخفا. نسمع عن فنانين كانوا مغرمين برائحة أوراق الجرائد ورائحة الكتب الجديدة فتجده عندما يشتري كتابا لا يتصفح الفهرس ولا المقدمة، ولكنه ما يلبث أن يلقي نظرة على تصميم الغلاف الجميل الجذاب حتى تجده في خلسة قد دس أنفه دسّاً في الكتاب مستنشقا رائحته، وكأنه يشم النسيم العليل عند الفجر! وهناك من نراه إذا دخل متحفا فنيا للأثاث القديم يبدأ في الاقتراب الشديد من الأثاث ويلمس بكلتا يديه القطع المطعّمة في الخشب ويقترب بعينيه منها وربما تلك اللقطة التي نمر أمامها مرور الكرام، تجده يقف أمامها الدقائق الطوال ينهل من جمالها ويملأ روحه من الإحساس الذي تنطق به تلك التحفة الصامتة شكلاً، المتكلمة روحا وفناً! وهناك من رأيناه يشم الرائحة من على بُعْد، فتراه يُمسك بصور ذكريات الطفولة ويقول لك أنا أشم في هذه الصورة رائحة كذا وكذا ! وهناك من تراه يحرص على جمع التحف الفنية من زياراته لجميع أنحاء العالم وربما كلفه ذلك المال الكثير، يفعل ذلك لا لشيء إلا لأنه عندما يراها حوله في البيت يشعر بالسلام الداخلي والهدوء النفسي والسعادة والسكينة ! وهناك من تراه يعشق نظم أبيات الشعر و تترطب أذنه بأبيات من الشعر تهزه هزا ويجلس بجواره آخر فهم الكلام ولكنه لم يجد فيه أي جديد أو أي جميل! لا ألوم هذا و لا ذاك فهذا اختلاف في القدرة على (الشعور) بالجميل واختلاف في (تذوق) الفن.