سِيْرَةُ المَــاء ..!.
وحيدتانِ في المنفى (1)..!.
بواسطة طمأنينة شاحبة ..!., 3rd March 2012 عند 11:06 PM (534 المشاهدات)
.
.
: تغيّرتِ كثيراً
قالتْها وهي تسحبني مِن كتفي بقوة
: ومن منّا لم يفعل يا هند ؟!
أخبريني بشيءٍ لا تكتبه الشّمس على جبين الصّباح كلّ يوم
حدثيني عن أشياء أجهلها لم تسبقكِ الوسائد بسردها لي كل ليلة وبتكرار مقيت .!.
: أين ذهبتْ بكِ السّنين ؟ وكيف غيرتْ ملامحك الرّوحية حتّى ما عدتُ أعرفك ؟
: كان بودّي أن أضحك من قولكِ هذا ولكّن ياللأسف!
حتّى الضحك يحتاج لـ طاقة كبيرة لا أملكها الآن ربّما سأضحك غداً
: ألنْ تكفي عن سخريتك ؟!
: أخبريني أنتِ أين هند ؟ أين تلك الرّوح التي كانتْ تشاطرني فراشي وحلمي .. بسمتي والحزن ؟!
أين تلك التي كانتْ تسرّح لي جدائل العتمة بمشط من نور يكللني بالضياء حتّى أبصر الطريق في ظلمة الليل القادم بلا رفقة البدر؟
هل أخرجتها هي الأخرى من حقائب سفركِ كي لاتخرقي الوزن المسموح به ؟!
هل تركتها في فناء منزلكِ الجديد الصحي جداً
والممتلئ بالحداثة والفخامة وكلّ الأشياء التي لا أستطيع استيعابها
مع كلّ هذه البداوة التي تزدحم برأسي ؟!!
أنا أيضا أستغربك ؟ وكثيراً ما شعرت بأني لاأعرفك ؟
يسألني قلبي من تكون هذه الفتاة التي تُشبه قطعة من روحي سافرت قبل أعوام إلى حيث لا شيء يمكن أن يكون دافئاً
وليس باستطاعته أن يعود بلا أن تتشوه ملامحه؟!
: ولكّني لم أنزع جلدي .. لازلتُ أنا يامجنونة .. أنتِ فقط ما عدتِ تبصرين ..
: قلب المشتاق يا هند .. رجل أصم عاجز عنتعلم لغة الإشارة لا يؤمن بالملامح وتعابير الوجه
هو فقط يتحسس دفء القلوب ومنها فقط يقرّ قوانين الصفح أو الهجر
: ألا تشعرين بدفء قلبي ؟ أنتِ تقتليني .!
: لا أدري هل فقد قلبي خاصّية الشّعور أم إنكلَّ الأشياء من حولي أصابتها فجيعة الشّتاء ؟
نحن يا هند أجزاء تتبعثر هنا وهناك
كلُّ مكانٍ نألفه يأخذ من أرواحنا بعضاً وكلُّ قلبٍ عقدنا معه صفقة ودّ يلتهم هو الآخر حصته
حتّى أشياؤنا
كتبنا , دفاترنا المخبئة في درج الخزانةالخفي
حقيبتنا المدرسية الأولى
فساتين حفل التخرج ووو .. كلُّ تلك الأشياء قضمت من أرواحنا ما شاءت
وستجيء أشياء أخرى وأُخرى وسنتبعثر أكثروأكثر
كلُّ يوم قضيتموهـ في الغربة أستل من روحي فصلاً من فصول الطمأنينة
وأنقص من ذاكرتي وقلبي أعواماً من عمر معرفتي بكم
: ولكني كنتُ أحدثكِ يومياً
: لم تحدثيني عنكِ وعني قدر ما حدثتني عن عالمكِ الجديد المثالي جداً
وأحبتكِ الجدد الذين يشبهون الملائكة
وعاداتكِ المستحدثة المنظمة جداً والمتحضرةجداً كـ سلوك أيّ آلة مُبرمجة تتقن عمل الشيء ولا تشعر به
كُنتُ أصغي إليكِ وأنا أُخبئ عن صوتكِ الغريب قرويتي وفوضويتي
ولم أكنْ أفلح في كلِّ مرّة حين تصوبين نقدكِ لحياتي المزدحمة بالأشياء المكررة والخالية من صخب التغيير
وزخرف الحداثة
لم أفلح أبداً في إخبارك بأن صوتكِ ما عاد يُذكرني بالوطن وما عاد يجمعني بعد كلّ بعثرة
: أيُعقل هذا ؟ أين ليالينا ؟
: ليس ما ينقصنا اجتماع أجساد فقط , أشياؤنا المفقودة والباردة أكبر مِن أن يُغطيها لقاء وفنجال قهوة ساخنة !
: كفاكِ
.
.